الأوروبيون يفخّخون لبنان بقنبلة النازحين... مهمة لودريان في حقل ألغام
م يسبق لدولة في العالم أن واجَهت محاولات من الداخل والخارج لتفسيخ كيانها والاخلال بنسيجها ونسف بنيتها السياسية والاجتماعية والأهلية، مثل ما يواجهه لبنان في هذه المرحلة. وهو الأمر الذي يطرح مخاوف جدية على مستقبل هذا البلد ومصيره كوطن ودولة وكيان.
الملف الرئاسي على نار الحراك الفرنسي، الذي ينتظر أن يشهد لبنان مطلع الاسبوع المقبل جولة جديدة مع وصول الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت، في مهمة صعبة لإنضاج ما تعتبره باريس حلاً سريعاً يُخرج لبنان من ازماته السياسية والرئاسية والاقتصادية. الا انّ المقاربات الداخلية لتلك المهمة تتقاطَع عند اعتبارها مضمونة النتائج، وعاجزة عن عبور حقل الالغام اللبناني. وصياغة حل عبر حوار بين المكونات السياسية، بالنظر الى الاعتراضات التي تتوالى حوله من قبل اطراف تصنّف نفسها سيادية. ولفت في هذا السياق اعلان «القوات اللبنانية» انها أبلغت لودريان عدم مشاركتها في اي حوار.
واللافت على مسافة ايام من وصوله الى بيروت، انتقل الموفد الرئاسي الى المملكة العربية السعودية، حيث التقى في ديوان وزارة الخارجية السعودية في الرياض المستشار في الامانة العامة لمجلس الوزراء نزار بن سليمان العلولا. واقتصرت المعلومات الموزّعة على الاشارة الى ان الجانبين استعرضا العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا، وبحثا تطورات الملف اللبناني. كما تمت مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».
ووصفت مصادر مواكبة للحراك الفرنسي زيارة لودريان الى السعوديّة بأنّها زيارة تنسيقية تنطوي على اشارة واضحة الى ان الرياض في قلب المسعى الفرنسي وشريكة مباشرة في الحراك الفرنسي حول الملف اللبناني الذي يشكل حلّه أولوية أساسية بالنسبة الى باريس والرياض، في مساعدة اللبنانيين على التوافق على انجاز استحقاقاتهم الدستورية، وهو ما اكد عليه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان».
الى ذلك، لا يحتاج اي مراقب للمشهد اللبناني الى كثير عناء لكي يستنتج ان لبنان بات وطنا مغلوبا على أمره، وكيانا رَخْواً تتلاطمه عواصف الداخل والخارج في آن. فمكوّنات العبث السياسي ماضية في استباحة هذا البلد واضعافه، وأوكلت إلى نفسها وظيفة استيلاد الازمات والتصديع المجاني للأسس التي يقوم عليها لبنان، وهدم الجسور المؤدية الى انفراج رئاسي وسياسي واقتصادي ومالي.
هذا الاستضعاف المتمادي داخلياً، يلاقي أو يمهّد عن قصد او عن غير قصد، لاستضعاف أكبر من الخارج، ولو كان لبنان يتمتّع بشيء من الحصانة والمناعة الداخلية لما تجرّأ عليه احد من الخارج. واذا كانت مهمة لودريان الرئاسية، على اهميتها، لا تعدو اكثر من نسمة حلّ فرنسية يُراد لها أن تلفح الجو العاصف اصلا في لبنان، الا انّ خطرا كبيرا جدا كامن في موازاتها، يتبدّى في عاصفة اوروبية متناغمة مع توجّه أممي، باتت على شفير ان تضرب لبنان في صميمه وتفخيخه بعبوة توطين النازحين السوريين في لبنان، تؤسس لانفجار اجتماعي وديموغرافي رهيب.
فعلى الرغم من المطالبات الحثيثة والمتتالية من قبل لبنان للمجتمع الدولي بمساعدته على رفع عبء النازحين السوريين واعادتهم الى سوريا، بالنظر الى الاكلاف الباهظة التي يتكبدها، يصمّ المجتمع الدولي آذانه، واكثر من ذلك ينتهج مسارا ملزما للبنان بالرضوخ لقرار توطين النازحين، وهو ما بَدا جلياً في «التوطين المقنّع» الذي طرحته مفوضية اللاجئين لجهة منح ما يزيد على مليون و600 الف نازح سوري إقامات في لبنان، بما يمنحهم امتيازات قانونية لجهة التعلم وامتلاك المسكن ومعظم الحقوق القانونية التي يتمتع بها المواطنون اللبنانيون». وكذلك في ما اعلنه مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قبل فترة قصيرة، حول ان الاتحاد لن يدعم عودة النازحين السوريين إلى سوريا، إلا إذا كانت طوعية.
وآخر هذه التجليات تصويت البرلمان الاوربي امس، على قرار يدعم إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان. وكتبَ النائب الفرنسي في البرلمان الاوروبي تييري مارياني في تغريدة امس: «كما قد أعلنت في الأمس، صوّت الآن البرلمان الأوروبي بأغلبيّة ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان. ومن بين الممثلين الفرنسيّين المنتخبين، فقط التّابعون لـ«الراسابلومان ناسيونال» (التجمع الوطني) صوّتوا ضدّ هذه الإهانة للّبنانيين ولمستقبلهم».
وكان مارياني قد اطلق في مقطع «فيديو» تحذيرا الى اللبنانيين و الى كلّ من يحب لبنان من أمر خطير، له علاقة بالقرار الذي سيصوّت عليه أعضاء البرلمان الأوروبي حول لبنان.
وقال: إنّ القرار الذي تقدّم به حزب الشعب الأوروبي (PPE) «أصبح بمثابة طعنة حقيقية في ظهر اللبنانيين»، مشيرا الى ان نص القرار يتّهم الشعب اللبناني بـ«السماح بتصاعد الخطاب المعادي ضد اللاجئين».
ولفت مارياني الى ان «البرلمان الأوروبي يتّهم أحد أكثر شعوب العالم ترحيباً بضيوفه برُهاب الأجانب»، مضيفاً «الأسوأ من ذلك أنه يدعو مجدّداً إلى إعالة اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية بدلاً من إعادتهم الى سوريا».
كما توجّه مارياني الى اللبنانيين بالقول: «أنتم تعرفون أكثر مني، بما أنّكم تعيشونه، لبنان على وشك الانفجار تحت ضغط اللاجئين السوريين، الذين يبلغ عددهم اليوم مليونين على أرضكم، التي تضمّ أصلاً ستة ملايين لبناني». اضاف: «انا اشرح هذا الأمر على الشكل التالي لأصدقائي في فرنسا: تخيّلوا أن نستقبل في بلادنا 22 مليون لاجئ، وأن يقول لنا الإتحاد الأوروبي: سأساعدكم مادياً واحتفظوا بهم على ارضكم، وفي مدارسكم وفي مستشفياتكم. والواقع أن اللاجئين بدأوا بتغيير وجه لبنان وأوشكوا على تفجير الوضع والمجتمع».
وقال: «يمكننا التوصّل الى 3 خلاصات: بداية، أنّ اعضاء حزب الشعب الأوروبي استسلموا وخانوا محاوريهم اللبنانيين، الذين حضروا وتمنّوا عليهم تغيير رأيهم بالنسبة لملف النازحين السوريين. كما أنّ البرلمان الأوروبي سيحظى بالاحترام في لبنان عندما يتوقّف نهائياً عن التدخّل والتهديد بفرض عقوبات، على الرغم من إدّعائه بالدفاع عن سيادة البلاد. وفي الختام، على لبنان أن يتوقّف عن جعل نفسه منبوذاً من السياسة الأوروبية».
وفي سياق متصل اشار مارياني الى ان «القرار الأوروبي يحمّل الاحزاب السياسية اللبنانية مسؤولية البطء في إتمام عملية انتخاب رئيس للجمهورية، وقال: «ليس لدينا اي مصلحة باستمرار الضغط على الليرة اللبنانية، وتسريع هجرة الكوادر من لبنان. نعم الاصلاح السياسي ضرورة في لبنان ولكن يجب ان يقوم اللبنانيون بذلك، بمشاركتهم جميعاً ومن أجلهم جميعاً».
ومعلوم ان للنائب الفرنسي المذكور موقفا لافتا في وقت سابق، بخصوص «ضرورة مساعدة لبنان على إعادة النازحين إلى وطنهم ، وما يريده اللبنانيون ليس أن نساعدهم في إبقاء اللاجئين، بل ان نساعد على عودة النازحين إلى ديارهم». وقال: الاتحاد الأوروبي يرفض التفاوض مع النظام السوري ولكن معذرة أيها الرفاق، لقد انتصر في الحرب، فماذا نفعل؟ هل سنجعل لبنان يدفع ثمن 50 عاما».
وكان الإتحاد الأوروبي قد دعا الحكومة اللبنانية إلى المباشرة في تنفيذ الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية الرئيسية التي ستضمن الانتعاش السياسي والاقتصادي للبلاد، بما في ذلك تنظيم القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل قطاع الكهرباء. كما رَحّب الإتحاد الأوروبي باعتماد تعديلات على قانون السرية المصرفية اللبناني كخطوة رئيسية نحو تحصيل المساعدات المالية الدولية، وتحديداً من صندوق النقد الدولي.
وشدد الإتحاد الأوروبي على حَث البلاد على مواصلة تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك في القضاء، لضمان الاستقلال ومنع التدخل السياسي والإفلات المؤسسي من العقاب في نظام العدالة.
الى ذلك، اكد مرجع سياسي مسؤول لـ«الجمهورية» ان هذا القرار الاوروبي المتعلق بالنازحين مُدان شكلاً ومضموناً، إذ بدل ان يساعد المجتمع الدولي وتحديدا الاوروبيون على حل مشكلة النازحين السوريين وتسهيل عودتهم الى ديارهم، يمنعون هذه العودة ويعمّقون المشكلة اكثر... انه امعان في ابقاء هذه الازمة قائمة، وهو في الوقت ذاته مؤامرة كبرى تُحاك ضد لبنان، تتطلب موقفا داخليا جامعا وموحدا لمواجهتها وتجنيب البلد تداعياتها الخطيرة».
وفيما ينتظر ان يفرض القرار الاوروبي نفسه بندا اساسيا في جدول المتابعات الحكومية، اشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب فادي علامة الى ان هذا القرار سيكون بندا رئيسيا في جلسة تعقدها اللجنة مطلع الاسبوع المقبل، لدرس تداعياته وابعاده واتخاذ القرار المناسب في شأنه.
وابلغ علامة الى «الجمهورية» قوله: ان اللجنة تولي ملف النازحين السوريين اهمية قصوى، وسبق لها ان قامت بسلسلة لقاءات واتصالات في هذا الشأن مع مختلف البعثات الديبلوماسية، مشددة على العودة الطوعية للنازحين، وعلى ان من ابسط حقوق النازح السوري هي ان يعود الى بلاده، وهذا حقه الطبيعي، وهذا ما ستؤكد عليه اللجنة».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|