الممانعة والطائف: عن قتل القتيل والسير بجنازته
مع تصاعد الأصوات التي تطرح مسألة النظام بلبنان، على خلفيّة الفراغ الرئاسي وفشل اداء المؤسّسات عموما، تعمد أصوات ممانعة الى التباكي دوريّا على مصير اتّفاق الطائف، والى تصوير الدعوات الفدراليّة كمؤامرة كونيّة تتهدّده.
والحال أنّ الممانعة، التي ضربت الدور السنّي بالعمق، تغازله منذ فترة عبر زعم الحرص على الطائف، ومن خلال تكتكيك مفضوح قوامه تضخيم الحركات الفدراليّة الناشئة وشيطنتها، ثمّ السعي لبناء جبهة سنيّة-شيعيّة موحّدة باسم الطائف، ضدّ "التطرّف المسيحي". هذا النوع من الدجل لن يمرّ للأسباب الآتية:
1) لم يرتكب أحد في لبنان بحقّ اتّفاق الطائف بقدر ما ارتكبت الممانعة وداعموها الاقليميّون. لقد كان الرئيس الشهيد رينيه معوّض من رموز الطائف، وكذلك رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري. نعلم كيف قضيا. نعلم أيضا أنّ أحدا لم يتسلّ بدستور الطائف كما يتسلّى به منذ عقود رئيس حركة أمل نبيه برّي. نعلم أخيرا أن البدع الدستوريّة التي دخلت الى نظامنا منذ اتّفاق الدوحة - فكّر مثلا بنظريّة التوقيع الثالث وتثبيت وزارة الماليّة لشيعي - لا علاقة بها بالطائف. بهذا المعنى، أن تقدّم الممانعة نفسها اليومبصورة الحريص على الطائف هو الموازي الحالي لزعم حافظ الأسد في ما مضى الحرص على سيادة لبنان؛ ومن الحرص ما قتل.
2) الممانعة المحليّة جزء من محور اقليمي أوغل بدماء سنّة ايران والمشرق. لا ضرورة طبعا للتذكير بمأساة الأقليّة السنيّة بايرانتحت حكم الملالي، ولا بجلجة السنّة العراقيّين تحت قبضة الحشد الشعبي. ولا ضرورة أيضا للتذكير بالدم السنيّ المهدور بسوريا، من حماه قبل عقود، الى الغوطة قبل سنوات. ولولا أنّ كلّ ما سبق شديد المأساويّة، لكانت محاولة الممانعة اصطناع وحدة اسلاميّة بمواجهة "المتطرّفين" المسيحيّين الفدراليّين مضحكة فعلا.
3) يمكن خداع بعض الناس، لبعض الوقت، ولا يمكن خداع كلّ الناس، لكلّ الوقت. استطرادا، يمكن تصوير الفدراليّة لمرحلة كاستهداف للمكوّن السنّي، أو مشروع تفتيت لبنان، أو مؤامرة "صهيونيّة"، الى سائر المعزوفة الممجوجة، ولكن يستحيل اجترار الهراء الى الأبد، اللهّم ان قيّض لمعادلة فدراليّة + حياد من يعمل لها بصدق، وبنفس طويل. والحال أنّ الفدراليّة بلبنان، وبأيّ مجتمع تعدّدي آخر، هي الطريقة الوحيدة لادارة التنوّع الطوائفي سلميّا. والحال، أيضا، أنّ أمام لبنان خياران لا ثالث لهما: الحياد؛ أو البقاء ساحة لحروب المحاور الاقليميّة بالوكالة، كما هو حاله منذ اتّفاق القاهرة المشؤوم عام 1969 حتّى الساعة. تاليا، مشروع الفدراليّة والحياد لا يستهدف سنّة لبنان لأنّه أصلا لا يستهدف أيّ مكوّن، وما يحرّكه تفكير ينشد الاستقرار بعد عقود من غيابه.
4) استطرادا للنقطة الثالثة، لو فرضنا أنّ حلم الانعتاق من الحكم المركزي المستند الى السلاح غير الشرعي صار واقعا يوما، أوّل المستفيدين منه ستكون طرابلس وعكّار، خزّان السنّة اللبنانيّين. هاتان المنطقتان اللتان أفقرتهما عقود من سوء الادارة المركزيّة، تملكان ما يكفي من المقوّمات ويزيد كي تنتعشا بسرعة، لو قيّض لهما أن تدير أمورهما ذاتيّا، من مطار القليعات، الى مرفأ طرابلس، ومعرضها، ومنطقتها الاقتصاديّة، والمصفاة.
ومن المثير للسخريّة حقّا أن تعمد أصوات ممانعة لمغازلة السنّة، على قاعدة تثبيت الستاتيكو الحالي باسم الحرص عليهم، علما أنّ هذا الستاتيكو ينحر، أوّل من ينحر، طرابلس وعكّار، وعلما أيضا أنّ الانعتاق من الحكم المركزي يفيد، أوّل من يفيد، طرابلس وعكّار.
هشام بو ناصيف - موقع mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|