لاءات الدستور الثلاث ومخاطر السقوط
ينظر اللبنانيون إلى أنفسهم، فإذا بهم غرباء في وطنهم. يستمعون بيأس إلى خطابات الاستجداء و»الشحادة» من على المنابر الدولية، مشدوهين كيف يقارب العالم انهيار بلدهم، وكيف يتعامل مع مسألة النازحين الزاحفة بثقلها إلى داخل حدودهم واقتصادهم ومجتمعهم. إنّهم لا يعرفون لماذا كان هذا الدخول السهل، كما لا يفقهون كيف سيكون الخروج الصعب! ينظرون إلى أنفسهم وهم يستسلمون أمام السياسيين المستسلمين أساساً للإرادات الخارجية والعابثين بخيرات الوطن وأنهاره وبحره وأساساته، راكعين أمام دول القرار، خوفاً على مصالحهم واستثماراتهم وأموالهم التي لا تُعد ولا تحصى.
ماذا يستطيع اللبناني أن يفعل إزاء تراكم الأزمات والمشاكل على أنواعها؟ وماذا سيفعل حيال التراكم المخيف لأعداد النازحين المرفوضة عودتهم دولياً، ولا سيما أوروبياً، وعلى وجه الخصوص من فرنسا، التي لقّبت يوماً بأمّنا الحنون؟ هل يستطيع من بيده الحلّ والربط محلياً، وعنيت «حزب الله» أن يفعل شيئاً؟ هل هو يريد وغير قادر أم قادر ولا يريد؟
ماذا يريد الغرب؟ وما هي غايته من الاصرار على إبقائهم في لبنان، مع ما يحييه وجودهم من مخاطر على تركيبة لبنانية معقّدة وصعبة؟ وما هي خلفيّة مواقفه ورؤيته لمستقبل لبنان؟ فهل من أجل تقسيم أو تقاسم أو ضمّ؟ ولماذا قد يخضع اللبنانيون لقدر مسيء في حين أنّ في تاريخهم صفحات مشرّفة، كما فيه دروس وعبر ما عليهم إلّا العودة إليها والاستفادة من خلاصاتها؟ إنّ شعباً لا يعرف تاريخه كيف له أن يحترمه؟ واذا عرف تاريخه ولم يحترمه كيف له أن يعيش الحاضر ويبني المستقبل؟ اذا لم يعرف شعبنا من تاريخه سوى الهجرة والتهجير، كيف له أن يستقر؟ وإن لم يعرف ماذا يريد كيف له أن يعيش حياة طبيعية وهادئة؟ إنّ شعباً لا ينتمي إلى وطن كيف له أن يرتاح إلى المصير؟
إنّ الحقيقة التي لا مراء فيها هي أنّ المجتمع اللبناني بعد ثمانية عقود بدأت مع الاستقلال ما زال منقسماً إلى أفرقاء وأنّ خطوط التمايز بين بعض أبرز هؤلاء ما زال يغلب عليها الطابع الطائفي والمذهبي. فالطائفية هي الثابتة التي تتفرع منها أكثر منطلقات الأزمة اللبنانية وتشعباتها ومضاعفاتها في أبعادها الداخلية. هي التحدي الذي صدّع دوماً الجبهة الداخلية وأحدث فجوات في جدران البيت اللبناني، بحيث تسرّبت من خلالها عوامل التفجير من الخارج، وأبقت على أفخاخ ثلاثة: التجزئة والتقسيم والتوطين. هل تعلّمنا من التاريخ؟ الفيلسوف الألماني ايمانويل كانت أجاب على السؤال بعبارة هي خلاصة التجربة الحضارية: «إنّ التاريخ يعلّمنا، أيضاً، أننا لا نستطيع أن نتعلّم منه شيئا». والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي سئل هل صحيح أنّ التاريخ يعيد نفسه مع شعب من الشعوب؟ فأجاب: «نعم لأن الشعب الفاشل مثل التلميذ الفاشل. فكما أنّ التلميذ الفاشل يسقط في الامتحان الأول، ويسقط في الامتحان الثاني، هكذا يحدث للشعب الفاشل، اذ يسقط في امتحان التاريخ مرة ومرتين، وهكذا يعيد التاريخ نفسه». أما إذا أردنا العودة إلى الدستور اللبناني وإلى الفقرة «ط» في مقدمته المختصرة بكلمات ثلاث: «لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين»، فماذا تعني هذه الفقرة عمليا؟ تعني أنّ الكلمات الثلاث متلازمة، بحيث تسقط تلقائياً إذا سقطت واحدة منها، وتعني بشكل أوضح أنّ الواحدة لازمة للأخرى، وبحيث يصبح التقسيم مثلاً أمراً مشروعاً في حال تمّ التوطين بصورة مشروعة! فهل يعتزم اللاعبون الدوليون بنا اسقاط واحدة من اللاءات المكرّسة لتسقط الاثنتان الأخريان معاً؟ وهل لبنان في وسعه تحملّ هذا الحل؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|