ما مدى صحة وجود «أبو محجن» طليقاً في عين الحلوة؟
تقف هيئة العمل الفلسطيني المشترك عاجزة أمام تثبيت وقف إطلاق النار في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في «عين الحلوة»، ما دامت خطوط التماس بداخله ما زالت قائمة وتعيق عودة الحياة فيه إلى حالتها الطبيعية في ظل الحرب المتقطعة بين حركة «فتح» والمجموعات المتطرفة، وتدور رحاها للسيطرة على المخيم الذي يشكل عاصمة الشتات الفلسطيني ولم يعد خاضعاً كما يجب لسلطة «منظمة التحرير الفلسطينية» بغياب المرجعية السياسية القادرة على ضبطه التي أخذت تتراجع تحت ضغط التناقضات التي تسود الإقليم.
فالهدنة الهشة التي أرستها هيئة العمل الفلسطيني المشترك يمكن أن تتعرض في أي لحظة إلى انتكاسة يمكن أن تفتح الباب أمام توسّع دائرة الاشتباكات، رغم أن الأطراف المتقاتلة بداخله - سواءً كانت مباشرة أو بالواسطة - تتبارى في دعوتها للتقيد بوقف إطلاق النار، ويسعى كل طرف إلى رمي المسؤولية على الآخر، محملاً إياه مسؤولية العبث بأمن المخيم.
ويخطئ من يعتقد أن الحرب المفتوحة بين حركة «فتح» والمجموعات المتشددة والمتطرفة لا تتداخل فيها التناقضات في الإقليم والأجندات الخارجية، وإلا فكيف يُسمح للعناصر المتفلتة من هذا الطرف أو ذاك بعدم التقيد بوقف إطلاق النار ومبادرتها إلى فتح معارك بلا حسيب أو رقيب؟
وفي هذا السياق تتوقف مصادر فلسطينية وصيداوية أمام الخرق الذي حصل ليل أول من أمس وكاد يؤدي إلى انهيار الهدنة على خلفية اتهام «عصبة الأنصار» لعناصر متفلتة من حركة «فتح» بشن هجوم استهدف عدداً من أحياء المخيم، وأبرزها الطوارئ والصفصاف، وتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية رفع الغطاء السياسي عنها ومحاسبتها. وتقول إن العصبة ليس لديها نية للدخول في صدام مسلح مع «فتح»، وأن الأخيرة ليست في وارد توسيع دائرة الاشتباك وصولاً للانجرار إلى فتح النار عليها.
لكن الهدنة السائدة إعلامياً على الأقل بين «فتح» و«عصبة الأنصار» لا تُعفي الأخيرة، كما تقول المصادر اللبنانية والفلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، من مسؤوليتها عن توفير الغطاء السياسي للمجموعات المتطرفة والمتشدّدة التي تتحصن في الأحياء الخاضعة لسيطرتها.
وتكشف المصادر نفسها عن أن «عصبة الأنصار» تشارك في هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى جانب حليفها الشيخ جمال خطاب الذي يتزعّم «الحركة الإسلامية» المجاهدة، وهما على خلاف سياسي مع «فتح» من جهة، وفي تناغم مع المجموعات المتطرفة من جهة أخرى، ولديها القدرة في الضغط عليها لتسليم المطلوبين المتهمين باغتيال مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا أبو أشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه لكنهما لم يبادرا حتى الساعة، مع أن تسليمهم للقضاء اللبناني يُسقط ذريعة «فتح»، ويسهم في إنهاء الوضع الشاذ في المخيم وما يترتب عليه من تداعيات على مدن وقرى الجوار، وبالأخص صيدا.
وتستبعد إمكانية طي صفحة الاشتباكات في «عين الحلوة» ما لم تنجح الجهود التي تتولاها هيئة العمل المشترك في توقيف المتهمين بقتل العرموشي ورفاقه؛ لأن «فتح» تلقت باغتياله ضربة غير مسبوقة لا تستطيع معها البقاء مكتوفة اليدين؛ لأن صمتها سيدفع بخصومها للاستقواء عليها والنيل من هيبتها.
وتلفت إلى أن «عصبة الأنصار»، وإن كانت تتجنّب الدخول في اشتباك مع «فتح»، فإنها في المقابل تشكل الحاضنة للمجموعات المتشددة التي هي على خلاف مع «منظمة التحرير» وقوتها الضاربة المتمثلة بـ«حركة فتح». وتقول بأنها اتخذت منها خط الدفاع الأول في مواجهة من يخطط لاستهدافها.
وتؤكد المصادر نفسها أن أحمد عبد الكريم السعدي الملقب بـ«أبو محجن» والمتهم باغتيال القضاة الأربعة في صيدا هو من يتزعّم «عصبة الأنصار» ويتولى تدبير أمورها اليومية، بخلاف ما يشاع بأنه توارى عن الأنظار وغادر «عين الحلوة» إلى جهة مجهولة وحل مكانه شقيقه أبو طارق السعدي الذي توفي في ظروف غامضة.
وتقول إن لديها ما يدعم استمرار «أبو محجن» على رأس «عصبة الأنصار»، وإن أقوالها مدعومة بمعلومات وأدلة تقاطعت بين مصدر أمني لبناني بارز يفضل عدم ذكر اسمه وشخصيات صيداوية وفلسطينية تتعاطى مع الملف الفلسطيني، وتضيف بأن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وإن كانتا تقفان على الحياد في الحرب الدائرة في المخيم، كما تقول مصادرهما، فإنهما ليستا في وارد تمكين «فتح» من السيطرة عليه والإمساك بقراره السياسي.
وترى بأن الحرب المشتعلة في «عين الحلوة» أتاحت لعدد من الأطراف الدخول في لعبة تصفية الحسابات، وتؤكد أن خصوم «فتح» يخططون منذ الآن لإقحامها في معارك استنزاف مديدة، مستفيدين من حالة الترهل التي أصابتها وكانت وراء الانشقاقات التي بدأت تشهدها مع وصول محمود عباس «أبو مازن» إلى سدة الرئاسة الفلسطينية.
وتعترف المصادر نفسها بأن لا قدرة للمجموعات المتشددة على الصمود أمام «فتح» ما لم تبادر الفصائل والحركات المنضوية فيما يسمى بمحور الممانعة الفلسطيني إلى تزويدها بجرعات من السلاح والذخيرة مدعومة بتوفير الغطاء السياسي لها، خصوصاً أن تأثير الفصائل الفلسطينية التابعة لـ«منظمة التحرير» بات محدوداً، والأمر نفسه ينسحب على الفصائل التي تتموضع تحت سقف قوى التحالف المحسوبة على النظام في سوريا.
لذلك، فإن مخيم «عين الحلوة» يبحث حالياً عن مرجعية بديلة للمرجعية التي كانت أنيطت بـ«فتح»، وهذا ما يكمن وراء احتضان «عصبة الأنصار» للمجموعات المتطرفة، رغم أن مصادر فلسطينية تعترف بأن استبدال المرجعية في المخيم سيؤدي إلى توتر العلاقة مع مدن وبلدات الجوار وأولها صيدا؛ كون هذه المرجعية ستوفر الغطاء السياسي للمئات من المطلوبين، سواءً كانوا من «الدواعش» أو «القاعدة» أو «فتح الإسلام» أو «جبهة النصرة» الذين يقاتلون «فتح» تحت لافتة «جند الشام» بزعامة بلال بدر وهيثم الشعبي وعمر الناطور، إضافة إلى اللبنانيين الملاحقين قضائياً بتهمة ارتكابهم جرائم يعاقب عليها القانون، ومعهم العشرات من السوريين ممن لجأوا إلى المخيم.
ويبقى السؤال: ما مدى صحة وجود «أبو محجن» طليقاً في المخيم على ذمة مصادر لبنانية - فلسطينية تنفي تواريه عن الأنظار؟
محمد شقير -"الشرق الاوسط"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|