قبع التحقيق والضحايا
يختصر بيان "ائتلاف استقلال القضاء" المنشور نصّه في "المفكرة القانونية"(٣١ تموز ٢٠٢٣) منهج تدمير التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في ذكرى مرور ٣ سنوات على الجريمة.
دمّر التفجير المرفأ ونصف العاصمة في ثوانٍ، لكن تحالف سلطة الأمر الواقع أخذ وقته في تدمير التحقيق منعاً لوصوله الى الحقيقة ومحاسبة المسؤولين والمرتكبين.
في الذكرى الثالثة سيصطفّ المتهمون للمطالبة بتحقيق يستجيب لرغبات كل منهم التي تلتقي على منع الوصول إلى الحقيقة وتجهيل المسؤول عن جلب وتخزين النيترات والاستفادة منها وصولاً إلى تفجيرها.
النأي بالنفس عن تحمّل المسؤولية بدأ منذ لحظة وقوع الكارثة. رئيس الحكومة في حينها، حسان دياب، نُصح فجأة بعدم زيارة المرفأ عشية الكارثة.
وزير الداخلية محمد فهمي وعد بإنجاز التحقيق في خمسة أيام وإلاّ يقدم استقالته، لكن الوزير نفسه رفض لاحقاً تسمية الشارع الرئيسي الممتد من ساحة الشهداء إلى كهرباء لبنان بإسم شهداء ٤ آب، وقرّر زاروباً يمتد من تمثال المغتربين نزولاً إلى بوابة المرفأ لتكريم الضحايا. كانت تلك إشارات أولى على كيفية تعاطي سلطة الأمر الواقع مع الضحايا والانفجار والتحقيق.
غاب الاهتمام بالضحايا وأملاكهم المدمّرة، وزاد التركيز على منع الوصول إلى الحقيقة. وصلت رسالة إلى المحقق الأول فادي صوان عبر قط مقطوع الرأس على باب منزله كما روى أحد الزملاء، فاستعجل التنحي عن القضية، وعندما بدأ خلفه طارق بيطار عمله تطايرت في وجهه التهديدات، وفي ٢١ أيلول ٢٠٢١ كشف زميل آخر تهديداً للبيطار "بقبعه" إذا لم "يمشِ بالمسار القانوني".
صار "المسار القانوني" اجتهاداً سياسياً والقبع قراراً قضائياً. جرى شقّ لجنة أهالي الضحايا، وبدلاً من العمل القضائي الطبيعي بات الهجوم على المحقق عنواناً لشهور وسنوات من عمل قوى الأمر الواقع لطمس الجريمة.
هُزم القضاء على يد السياسيين وقضاتهم، بالترهيب والترغيب وتوقّف التحقيق في أبرز جرائم القرن، وبدلاً من محاكمة المتهمين صار المحقق، الذي يحوز ثقة شعبية واسعة، متّهماً.
لم تفعل السلطة شيئاً في جلاء الكارثة، وأضافت إليها كوارث جديدة في شلّ السلطة القضائية من ضمن "استراتيجية" إغلاق البلاد وإغراقها في شلل منهجي لكل المؤسسات عبر تغييب شامل للدستور والقوانين.
استهلكت المناوشات السياسية، أو حاولت استهلاك الجريمة، لكنّها لن تتمكن من القفز فوق ضرورة كشف الحقيقة، وهو ما سيسعى إليه كثيرون ممن يقتنعون بأنّ الضحايا ليسوا للاستهلاك، وأن تضحياتهم تستحق تكريماً بغير الخطابات الموسمية فيما يستمر التآمر على حقيقة موتهم، سبباً ونتائج.
ربما يكون الدفاع عن قضاء مستقلّ وحمايته من مزاج القوى السياسية، أحد الدروس الأساسية من تجربة انفجار "أم الشرائع"، ولنا أن نستفيد من انتفاضة شعب "العدو الصهيوني الغاصب" في وجه حكومته عندما حاولت النيل من استقلالية القضاء لمصلحة تعزيز نفوذها، فاللبنانيون يخوضون في النهاية معركة مماثلة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|