موظفو "الدولة" لن يُتركوا من دون رواتب؟
قبل هذه الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية، التي يعيشها لبنان هذه الأيام، كانت الوظيفة في "الدولة" تُعتبر الأكثر أمانًا. وكان الذين يريدون أن يحظوا بوظيفة في أي إدارة رسمية أو في أي وزارة يضطرّون لـ "تبويس" أيدي السياسيين حتى ولو كان هذا "التبويس ضحكًا على الذقون"، مقابل عدد كبير من الذين يدخلون إلى "جنّة" الدولة وهم من المحسوبين على هذه الجهة السياسية أو ينتمون إلى "أحزاب السلطة". وهذا ما تمّ التعارف على تسميته بـ "التوظيف السياسي". وأغلب هؤلاء يقبضون ولا يعملون حتى أن كثيرين منهم لا يعرفون مكان عملهم، باعتبار أن لا أحد يجسر على أن يقول لهم "ما أحلى الكحل بعيونهم"، وذلك بفعل انتمائهم إلى ما يُسمى بـ "أحزاب السلطة".
عندما أنشأ الرئيس الراحل فؤاد شهاب مجلس الخدمة المدنية كان حريصًا في توجيهاته المعطاة للذين أعدّوا المراسيم التطبيقية لقيام هذا المجلس على منع توظيف أي شخص ينتمي إلى حزب أو إلى نقابة، وذلك إدراكًا منه لما يمكن أن يكون عليه الوضع في حال دخلت إلى ملاك القطاع الرسمي "سوسة" الأحزاب على تعدّدها وتنّوعها. وهذا ما هو حاصل اليوم في الإدارات الرسمية المحشوة بالأزلام والمحاسيب، وهم يُعتبرون عبئًا ثقيلًا على الدولة وعلى ماليتها العامة، خصوصًا أن هذا الحشو لا تستفيد منه الدولة، بل قد يكون من بين أكثر المصادر لتفشّي الفساد في إدارات القطاع العام، حيث تكثر الرشاوى والسمسرات و"البارطيل" وما يُسمى بـ "البخشيش".
وهكذا يؤكل حقّ الموظف "الآدمي"، وهو عادة لا ينتمي إلى أي من "أحزاب السلطة"، وهو يُعتبر من المغبونين، من حيث الأفضليات وتخصيصه بساعات عمل إضافية وساعات الليل وما يُسمى بـ "الضغط" و"الإنتاج" و"الحيوية"، وهي مصطلحات لم ترد في أي بند من بنود قانون العمل، بل هي من بين البدع الكثيرة، والتي هي من "اختراع" عدد من الوزراء الحزبيين، الذين استفادوا من مواقعهم في السلطة لـ "تظبيط وضع جماعتهم" في الإدارات التابعة لهم اداريًا، حيث استشرى الفساد في الإدارات العامة في شكل غير مسبوق. وهذا ما كان يخشاه الرئيس شهاب عندما ألحّ على عدم توظيف أي حزبي في مؤسسات الدولة.
ولأن في مؤسسات الدولة وفي الإدارات العامة هذا الكمّ الهائل من "الحشو" والفائض من الموظفين يجد، الذين أيديهم في النار ويتحمّلون المسؤولية الملقاة على عاتقهم وحدهم دون غيرهم، أنفسهم عاجزين عن تأمين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام، ومن بينهم أولئك "الآوادم" النظيفو الكفّ، والذين لولاهم لكانت هذه المؤسسات انهارت بالكامل.
فلو لم يكن في هذه المؤسسات هذا العدد من الموظفين الذين يقبضون ولا يعملون لما كانت مالية الدولة قد وصلت إلى ما وصلت إليه من عجز، ولما كان كل هذا الهدر وكل هذه المصاريف غير المجدية، والتي تؤمن من جيب المكلف اللبناني.
وعليه فإن الاهتمامات ستتركز على المسلك الذي ستسلكه مشكلة تشريع الاقتراض المالي للدولة من مصرف لبنان، علمًا أن هذا المأزق يتجه نحو تداعيات سلبية إذا تمترس الأطراف المعنيون به وراء المواقف التي اتخذوها في الأيام الأخيرة، وهم الحكومة ومجلس النواب وحاكمية مصرف لبنان. فلا الحاكم الجديد بالنيابة سيكون سهلًا عليه القبول باستمرار آليات الانفاق المالي على متطلبات الدولة كما كانت جارية أيام الحاكم السابق رياض سلامة في ظل ما تسببت السياسات السابقة من كوارث. ولن يكون سهلًا على الحكومة او المجلس تحمّل تبعات تغطية المسّ بالاحتياطي الالزامي لمصرف لبنان، وهو بقايا أموال المودعين. وتبعًا لذلك فان المأزق يواجه انسدادًا خطيرًا تتوجه معه الأنظار الى ما يمكن ان يجرى من مباحثات بين رئاسات الحكومة والمجلس وحاكمية المصرف المركزي والقوى السياسية أيضًا لأن الازمة الناشئة تهدد بتداعيات حادة في حال عدم اجتراح مخرج لها بسرعة.
لكن ما هو أكيد أن الموظفين، وبالأخص "الآوادم" منهم لن يُتركوا يواجهون المصير المجهول، على رغم أن رواتبهم قد أصبحت لا تساوي شيئًا قياسًا إلى نسبة التضخم وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|