معاقبة سلامة: نموذج لما هو آتٍ!

تداخل الأمني بالعقابي، فانقلب الداخل رأسا على عقب، وتبدلت الأمزجة، بين خائف على البلد من تفلّت أمني، وبين خاشٍ على نفسه من مصير شبيه بالذي صار عليه الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة.

لم تنفع التطمينات والضمانات التي تمتّع بها الرجل على امتداد ٣ عقود في إبقائه بمنأى عن المساءلة الخارجية. لكن المفارقة تمثّلت في أن يخضع لعقاب شديد من الدولة نفسها التي كانت الأكثر رضى عن سياسته المالية طوال سنيّ خدمته على رأس المصرف المركزي، فيما لا يزال بعض الداخل إما غاضا الطرف وإما جاهدا من أجل تجنيبه المساءلة القضائية.

ولم يعد تفصيلا أن يجد سلامة نفسه بين ليلة وضحاها مُدرجا في لائحة العقوبات الأميركية، ممنوعا من الدخول الى الولايات المتحدة، فيما أصوله المالية المصرفية المديدة تلاشت. اما التهمة فـ"أنشطة فاسدة وغير قانونية ساهمت في انهيار دولة القانون في لبنان"، و"إساءة استغلال الموقع في السلطة، في انتهاك للقانون اللبناني على الأرجح، لإثراء نفسه وشركائه، من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات الأوروبي".

وإن وقع قرار معاقبة سلامة شديدا على المنظومة التي تبادل وإياها الخدمات، فإن البارزين منها تلقّوه وعلى رؤوسهم الطير، بلا أي تعليق. هم تبرّؤوا منه بين ليلة وضحاها، على الأرجح خوفا من أن يكون لهم المصير إياه. لا بل سارع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الإفراج -إعلاميا- عن النسخة النهائية من التقرير الأولي للتدقيق الجنائي بعد وقت قليل من اعلان العقوبات، فيما حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة

عامة تشريعية يوم الخميس ١٧ آب، لدرس وإقرار عدد من المشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال وأبرزها الصندوق السيادي للنفط

والغاز، والكابيتال كونترول لجهة إعادة مناقشته والاستماع من نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري الذي تولى مهام الحاكم لملاحظاته عليه.

ولا يُخفى أن الكابيتال كونترول أحد المشاريع الإصلاحية الأربعة المطلوبة بإلحاح دوليا وأميركيا ومن صندوق النقد، وتآمرت المنطومة لمنع إقراره كي تبقى مستفيدة من استمرار تهريب أموالها الى الخارج عن طريق مصرف لبنان.

كما لا يُخفى ارتفاع منسوب الضغط في صفوف الكونغرس الأميركي من أجل إدراج بري في لائحة العقوبات، هذا الضغط الذي لا شك سيأخد بعدا جديدا في ضوء معاقبة سلامة، فيما لميقاتي دفاتر قضائية مفتوحة في أكثر من عاصمة أوروبية.