دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
في لبنان... لم يكن السلاح يوماً زينة الرجال
لم يكن السلاح يوماً زينة الرجال في لبنان. لم يجلب السلاح سوى الخراب والبؤس لكلّ عائلة لبنانيّة في كلّ منطقة لبنانيّة. إلى ذلك، جلب السلاح الويلات للفلسطينيين الذين راهنوا في مرحلة معيّنة على أخذ لبنان رهينة كي يحقّقوا طموحاتهم السياسيّة، وهي طموحات مشروعة لكن ليس على حساب لبنان واللبنانيين. كان الفلسطينيون الذين حملوا السلاح في لبنان، في واقع الحال، رهينة لدى النظام السوري الذي عرف كيف يستخدمهم مثلما عرف كيف يستثمر في التناقضات بينهم وبين اللبنانيين الآخرين، وفي مقدّم هؤلاء الأحزاب المسيحيّة التي لم يكن لديها همّ في مرحلة معيّنة غير الحصول على السلاح.
تبيّن في كلّ وقت، مثلما يتبيّن اليوم، أنّ السلاح الفلسطيني الذي في داخل المخيّمات وخارجها جزء من الحرب على لبنان. كان ذلك أيّام الوصاية السوريّة وما تزال الحال على ما هي عليه في ظلّ الاحتلال الإيراني.
كان مهمّاً اعتراف كلّ لبناني بأنّ السلاح غير الشرعي علّة العلل في البلد. استُخدم هذا السلاح غير الشرعي على مرّ السنين من أجل تحويل لبنان "ساحة" لا أكثر. كان ضرورياً وجود السلاح من أجل تكريس لبنان "ساحة" والقضاء على المقوّمات التي مكّنت البلد من أن يكون بلداً مزدهراً في مرحلة معيّنة.
الكحّالة: ليس انزلاق شاحنة
من هذا المنطلق، يمكن فهم إصرار الحزب، في ضوء حدث الكحّالة، وهو حدث مهمّ وليس حادث انزلاق شاحنة تنقل سلاحاً، على أنّ ثمّة ميليشيات تصدّت له ولمسلّحيه. جاء في بيان للحزب: "أثناء قدوم شاحنة للحزب من البقاع، انقلبت في الكحّالة وتعرّضت لاعتداء من ميليشيات مسلّحة في المنطقة في محاولة للسيطرة على الشاحنة، وهو ما أدّى إلى استشهاد أحد عناصر الحزب". تبدو رسالة الحزب واضحة كلّ الوضوح. مطلوب أن تكون هناك ميليشيات في المنطقة المسيحيّة لتبرير احتفاظه بسلاحه الموجّه إلى صدور اللبنانيين الآخرين من مختلف الطوائف، بما في ذلك الشيعة الذين يرفضون الخضوع له.
من هذا المنطلق أيضاً، يبدو أكثر من ضروري تنبّه جميع اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين، إلى ضرورة تفادي اللجوء إلى السلاح أو السعي إلى الحصول عليه بأيّ طريقة من الطرق... كما فعلوا في مرحلة ما قبل اندلاع الحرب الأهليّة في 13 نيسان 1975 وبعدها.
كان السلاح وتشكيل الميليشيات بداية النهاية للوجود المسيحي في لبنان بعدما راهن حافظ الأسد على لعب دور القوّة التي تفصل بين المسلّحين الفلسطينيين والميليشيات المسيحية. كان النظام السوري يسلّح الجانبين، ولم يكن يأبه بما إذا كانت هناك مساعدات تأتي من ليبيا أو العراق إلى هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك.
شهدت بنفسي فصلاً من فصول المأساة اللبنانيّة ودور النظام السوري في تأجيج الحرب الدائرة في لبنان. كان ذلك في خريف عام 1975، وكان اليوم يوم أحد. كنت أعمل في القسم العربي والدولي في جريدة "النهار"، وكنت أمضي بعض الوقت بين حين وآخر في مكتب ميشال أبو جودة رئيس التحرير وقتذاك الذي كان يزوره سياسيون ومفكّرون. فجأة رنّ الهاتف. كان في الطرف الآخر سعيد فريحة عميد "دار الصيّاد" التي كانت تصدر عنها، مع منشورات أخرى، جريدة "الأنوار". لسبب ما أدار أبو جودة مكبّر الصوت كي يسمع الحاضرون لمجلسه الحوار بينه وبين سعيد فريحة الذي كان مقيماً في تلك الأيام في بلدة شتورة ذات الموقع الاستراتيجي على طريق بيروت دمشق عند مدخل سهل البقاع. طلب عميد "دار الصياد" نشر خبر في "النهار" فحواه أنّ "الأنوار" لن تصدر في اليوم التالي (يوم الإثنين) بسبب تعذّر حضور المحرّرين إلى "دار الصياد" في الحازمية في ضوء اشتداد المعارك على جبهة عين الرمّانة – الشيّاح.
"السوري" يوزّع السلاح على الجانبين
بعد ذلك، استرسل سعيد فريحة في الكلام مبدياً تشاؤماً كبيراً في المستقبل اللبناني بعدما اكتشف من منزله في شتورة أنّ الشاحنات السورية تأتي بالسلاح وتفرّغه في البلدة. قال عميد "دار الصيّاد" بالحرف الواحد، وإنّي ما زلت أتذكّر كلامه وكأنّه الآن: يفرغ مقاتلو "الصاعقة" (فصيل فلسطيني تابع للأجهزة السورية) السلاح الآتي من سوريا. قسم يذهب إلى الفلسطينيين وقسم آخر إلى الميليشيات المسيحية بالعدل والقسطاس!
في الوقت المناسب، أواخر عام 1975، صار مطلوباً تدخّل الجيش السوري ودخوله الأراضي اللبنانيّة بغطاء من قمّة عربية مصغّرة انعقدت في الرياض وبموافقة أميركيّة وإسرائيليّة. وضع المسيحيون أنفسهم في حماية حافظ الأسد، وإن مؤقّتاً، فيما تراجع الفلسطينيون وقبلوا بالأمر الواقع بعدما اعتبر هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي في ذلك الزمن، أنّ الوجود العسكري السوري في لبنان مطلوب أكثر من أيّ وقت لضبط الوجود المسلّح الفلسطيني.
لم يتغيّر شيء منذ عام 1975. الفارق الوحيد حلول الإيراني مكان السوري. ما يزال مطلوباً قيام ميليشيات مسلّحة مسيحية كي يبرّر الحزب احتفاظه بسلاحه الذي لا هدف له سوى استكمال عملية القضاء على لبنان وذلك منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005 ثمّ افتعال حرب صيف 2006 مع إسرائيل استكمالاً للمشروع الإيراني الذي يستهدف إنهاء أيّ أمل بعودة الحياة إلى لبنان.
يحتاج السلاح إلى سلاح آخر لتبرير وجوده. يفترض في اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، إدراك أنّ لعبة السلاح هي اللعبة المفضّلة لدى الاحتلال الإيراني، على غرار ما كانت اللعبة المفضّلة لدى النظام السوري في مرحلة ما قبل الانسحاب من لبنان. لم يكن السلاح يوماً زينة الرجال ولن يكون كذلك. كلّ ما يمكن أن تفعله "الجمهوريّة الإسلاميّة" يتمثّل في تطوير وظيفة السلاح كي يعطّل المؤسّسات اللبنانية، على رأسها مجلس النواب، وكي يكون حامياً للفساد في الوقت ذاته...
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|