عربي ودولي

احتجاجات السويداء تصطدم بالتخوين: "ثورة درزية فقط"!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ربما تثبت الاحتجاجات المتجددة في محافظة السويداء، مدى الانقسام الطائفي والطبقي في المجتمع السوري، أكثر من إعطائها مؤشرات سياسية بخصوص مستقبل بلد مأزوم عاش ثورة شعبية وحرباً أهلية وانتشاراً للإرهاب والقوى العسكرية الأجنبية طوال الأعوام الـ12 الماضية، بشكل أفضى لأكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية بحسب توصيف الأمم المتحدة، بموازاة انهيار اقتصادي تسبب في مظاهر احتجاجية متعددة في الداخل السوري منذ العام 2020 على الأقل.

وطريقة التعاطي الرسمي مع الاحتجاجات الحالية مثيرة للاهتمام، حيث غابت كلياً عن الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لأيام، ولم يظهر سوى خبر وحيد في صحيفة "الوطن" شبه الرسمية قلل من حجم الاحتجاجات بوصفها فبركة إعلامية يتم تضخيمها من الخارج، فيما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي الموالية بحملة تخوين مضادة وصفت المحتجين في السويداء بأنهم عملاء لإسرائيل ويهدفون لإقامة دويلة درزية في الجنوب السوري منفصلة عن دمشق كلياً، ضمن نظرية مؤامرة تقول أن الغرب منذ أيام نابليون العام 1800 أراد خلق تلك الدويلة لتقويض النهضة العربية لكن "وطنية أهل الجبل" وقفت بوجههم!

وهنا يتم خلق رمزية بعثية لمحافظة السويداء التي يحرق المحتجون فيها صور الرئيس بشار الأسد ويلقون بتماثيل والده حافظ الأسد في القمامة، مثلما أظهرت صور ومقاطع فيديو هذا الأسبوع. وعبر استذكار للتاريخ، يتم ضخ أسماء من الأمير بشير الشهابي الثاني إلى سلطان باشا الأطرش إلى العميد السابق في الجيش السوري عصام زهر الدين، للقول أن المحافظة جزء من "الوطن الأم"، حتى لو كانت بعض تلك الأسماء قديمة من من قبل وجود دولة اسمها سوريا أصلاً، أو قبل إنشاء حزب "البعث" الذي هو أصغر بكثير، بالمعنى التاريخي والوطني، من بعض تلك الأسماء المتنافرة أصلاً في ما بينها.

ونشر إعلاميون موالون نصائح للتعامل مع الاحتجاجات عبر التقليل من أهميتها وحجمها من جهة وبمقارنتها باحتجاجات العام 2011. وكتبت صحيفة "البعث" الرسمية افتتاحية قالت فيها أن الاحتجاجات هي كذبة وهمية من اختلاق "أشباح مواقع التواصل" بشكل يعاكس "اعتيادية الوضع" على الأرض، معتبرة أن الولايات المتحدة تقود مشروعاً انفصالياً ضمن البيئة الموالية والحاضنة للنظام، أي السويداء، لكنها ستفشل لأن "البيئة الحاضنة قوية وديناميكية بقوة الشعب السوري، وهي تمارس النقد لأنها تتمتع بوطنية حقيقية، لا مستعارة، والانتماء للوطن بالنسبة لها انتماء واع وليس نزعة عابرة أو تعصباً أحمق، وإذا كان لها من عنوان في هذه المرحلة، وفي كل مرحلة، فهو شخص السيد الرئيس بشار حافظ الأسد، ومؤسسة الجيش العربي السوري، ومصالح شعبنا العربي السوري المقاوم والصامد والأبي"!

في مواقع التواصل كان الاعتماد على اسم زهر الدين تحديداً، الأبرز، لأنه واحد من أبرز المتهمين بارتكاب جرائم حرب في مختلف مناطق سوريا منذ العام 2011 حتى مقتله العام 2017. وشكل اسمه معرضاً لإظهار الشرخ في المجتمع السوري بين الموالين والمعارضين من جهة، وضمن هاتين الفئتين أيضاً. فزهر الدين الذي خدم في الحرس الجمهوري ويتحدر من محافظة السويداء، قاد عمليات عسكرية وحشية ضد المدنيين والقوات المعارضة في مناطق مثل بابا عمرو في حمص، والتل في محافظة ريف دمشق، ولقّبه الموالون للنظام بـ"أسد الحرس الجمهوري" و"نافذ أسد الله"، واستعمله النظام كرمزية لاحتواء الأقليات وحمايتها من "الإرهاب السني".

وكان استذكاره اليوم مدخلاً للحديث عن الطائفية في الجيش السوري، ونشر معارضون منشورات تقلل من قيمة تظاهرات السويداء "التي سكتت عن جرائم زهر الدين" لسنوات وثارت فقط "من أجل الجوع". ويحيل هذا إلى نقاش عن مدى شرعية الشماتة في السوريين الذين اختاروا موالاة النظام، وباتوا اليوم معرضين للجوع والبرد، بدلاً من اختيار طريق "الكرامة" منذ العام 2011. وهي مقاربة تبقى ناقصة، لأن السوريين في مناطق النظام ليسوا جميعاً من الموالين، ولا من المعارضين، مع انكسار ذلك الحاجز الضيق بسبب سيطرة النظام على مناطق كثيرة خرجت عن سيطرته سابقاً وتراجع المعارضة سياسياً أيضاً، مع الإشارة إلى أن تلك المزايدة الأخلاقية ترتبط بشكل وثيق بمعنى الهوية السورية المعاصرة بعد سنوات الحرب.

والحال أن قسماً من المعارضين السنّة، الطائفة الأكبر في البلاد، ثاروا لأسباب يرونها دينية ضد نظام الحكم العلويّ في دمشق ما يجعلهم يقدمون المزايدة الأخلاقية اليوم ضد "ثوار الجوع". لكن ذلك ليس دقيقاً، لأن الثورة السورية العام 2011 كانت متعددة في طبقاتها، وشكل الفقر وعدم المساواة الاجتماعية أسباباً لها، حتى لو تم تغليفها بخطاب ديني. كما يمكن النظر إليها مثلاً على أنها ثورة أطراف ضد المركز بمعنى كونها ثورة أهل الريف ضد أهل المدينة، حتى ضمن الطائفة العلوية التي تعبر اليوم عن احتجاج ضد النظام، بموازاة احتجاجات السويداء. ولا يمكن عزل تلك الاحتجاجات عما شهده الساحل طوال العقد الماضي من استذكار لرفعت الأسد، شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد، بوصفه من نقل الطائفة نحو المدينة بعيداً من الريف، مع رسم صورة لحافظ وبشار على أنهما جزء من النظام الذي يستفيد منه أولاد المدينة السنّة فقط، في إشارة لطبقة التجار في دمشق وحلب على سبيل المثال.

ومن المثير للسخرية بالتالي أن النظام اليوم يلوح بورقة التفرقة الطائفية والكانتونات الانفصالية، رغم أنه تحديداً هو المسؤول عن انعدام الهوية الوطنية في البلاد، كجزء من تكتكيات لعب عليها النظام طوال عقود عبر وضع السوريين في فئات متصارعة يدعي أن وجوده يحميها من بعضها البعض ويحقق الاستقرار الأمني ضمن بيئات حاقدة على بعضها إلى حد التصفية على الهوية. والمشكلة هنا أن النظام يقدم نفسه إعلامياً ودبلوماسياً على أنه الحل لتجنب أي مذبحة رغم أنه المتسبب فيها أصلاً برعايته لهذا النموذج المجتمعي المشوه البعيد من مفاهيم الديموقراطية السياسية القادرة وحدها على خلق إحساس بالوطنية والمساواة.

ضمن هذه الرؤية القاتمة، قد يصبح وجود هوية سورية وطنية خيالاً رومانسياً، يحضر اليوم في منشورات كثيرة لموالين ومعارضين على حد سواء، يتحدثون عن الوحدة السورية ويرفضون خطاب التخوين أو يتفاءلون بأن الاحتجاجات الجارية في السويداء، ومناطق أخرى، ستتحول إلى تيار سوري جامع يغير النظام السياسي الحالي أو يسهم في تغيير مستقبلي جذري للحياة في البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها السويداء مظاهرات حاشدة بشعارات مماثلة وبدعم من رجال الدين المحليين. ففي العام 2015 كانت المحافظة تشهد احتجاجات تحت شعار "خنقتونا" وفي العام 2020، كانت مركزاً لاحتجاجات اقتصادية رفعت شعار "بدنا نعيش"، وبين هذين التاريخين كانت هناك احتجاجات وأزمات متفرقة رفضاً للتجنيد الإجباري في جيش النظام، وفي تلك الحوادث وغيرها، كان النظام يتعامل معها بمرونة نسبية، حتى عندما تخرج منها شعارات مطالبة بالتغيير السياسي وإسقاط الرئيس بشار الأسد شخصياً، وليس التغيير الحكومي البسيط فقط.

ولم تشهد المحافظة تحركات عسكرية استراتيجية ضد النظام على غرار مناطق ثائرة ضده بعد العام 2011، واستوعب النظام مطالب المحافظة بتسويات غير معلنة بغرض تحييدها عن المشهد السوري الأشمل، ما منح المحافظة نوعاً من الاستقلالية الذاتية حتى على صعيد الأمن مع انتشار مجموعات درزية مسلحة غير حكومية في السويداء وفي ضاحية جرمانا بدمشق التي تشهد احتجاجات بدورها. ويتم استخدام ذلك كله اليوم للقول أن التحركات "درزية وليست سورية"، ولا تمثل الوطن الأشمل!

وباللعب على الوتر الطائفي من جهة، ونشر الخوف والترهيب والتخوين من جهة ثانية، يمنع النظام الاحتجاجات من التوسع نحو مناطق أخرى داعمة للنظام على اختلاف الهويات الطائفية المحلية التي قد يعاني أصحابها ظروفاً معيشية مماثلة أو أسوأ حتى من تلك الحاضرة في السويداء، مع التذكير بأهوال الحرب السورية بعد العام 2011 لخلق حاجز خوف جديد يعتمد على مستوى العنف الذي قدمه النظام وحلفاؤه لقمع الثورة السورية عبر اتباع سياسات الحصار والتجويع والأرض المحروقة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا