زوبعة نيويورك: إخفاقات لبنانية متعاقبة وعودة إلى الأمر الواقع الجنوبي مجدداً
ليل أمس الخميس 31 آب، انتهى تفويض قوات حفظ السلام العاملة في جنوب لبنان، وانتهت معه الديبلوماسية اللبنانية الفاعلة والناشطة، التي كان يؤمل منها، لو توافرت، ان تكون اكثر جدية وقدرة على إسماع صوت لبنان أمام مجلس الامن الدولي، حتى لو عجزت عن إحداث خرق في ما هو معدّ سلفاً لمهمات تلك القوات ودورها وحرية تحركها.
تتفاوت الآراء بين من يعتقد ان لبنان الرسمي وغير الرسمي، ونعني به " حزب الله" الذي كان يقود المفاوضات عبر رئيس المجلس نبيه بري ومعه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، تعرّض لفخ وسقط فيه بعدما اطمأن الى نص المسودة الفرنسية التي خلصت اليها المفاوضات ولحظت تعديلاً في القرار الاممي بصيغته الصادرة العام الماضي، وفيها توسيع لصلاحيات "اليونيفيل"، وبين من يرى ان هذا اللبنان، بجناحيه الرسمي وغير الرسمي، لم يستعد جيداً ولم يبذل أي جهود حقيقية لخوض معركة تعديل القرار، وذلك لأكثر من سبب داخلي وخارجي. فالحكومة ومن ورائها الحزب اطمأنا للجهود الفرنسية الرامية الى تعديل القرار، بدعم روسي وصيني، فيما ركن الحزب لفائض قوته فلجأ الى العصا العسكرية عشية بدء المشاورات الأممية، عندما هدد امينه العام بأن عدم إقرار التعديل سيضع القوات الدولية في مواجهة مع أهالي المنطقة التي تتواجد فيها تلك القوات.
بدا للوهلة الأولى ان الحزب نجح في انتزاع التعديل عبر الديبلوماسية الفرنسية، الى ان دخل الاميركيون على الخط، ساكبين مياها في كأس باريس، معيدين، عبر المندوب الاماراتي، الأمور الى مربعها الأول.
والى ان يصدر القرار الذي ينحو نحو إبقاء القديم على قدمه، تكشف مفاوضات الأيام النيويوركية القليلة، مجموعة من المسلّمات والملاحظات في آن:
- أولى تلك الملاحظات عجز الديبلوماسية اللبنانية عن إدارة المفاوضات، واتكالها على طرفين احدهما داخلي تمثل بالرئيسين بري وميقاتي، وثانيهما فرنسي، لتولي الملف عنها. ولعل هذا ما يبرر عودة وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب من نيويورك قبل صدور القرار، تاركاً لبعثة لبنان لدى الأمم المتحدة تولي الملف، لاعتقاده بأنه يعود ظافراً بقرار تعديل لم يكتبه.
- ان إدارة بري وميقاتي للمفاوضات لم تخفِ دور "حزب الله" الجالس في المقعد الخلفي، ما عكس حقيقة ان الموقف اللبناني الرسمي ينفّذ سياسة الحزب الرامية الى رفض أي اطلاق لحرية حركة القوات الدولية، تخوفاً مما قد يضمره ذلك من دفع نحو إضعاف نفوذ الحزب وحرية حركته وتنقّله في المناطق الحدودية.
- ان الكلام عن نجاح لبنان في إبقاء القرار تحت الفصل السادس وليس السابع، لا يعدو كلاماً عن انتصار وهمي وترويجي، نظراً الى ان الفصل السابع لم يكن مطروحاً ولم يرد ذكره ابداً. وهنا يذكّر مرجع سياسي بأن القرار 1701 لم يصدر تحت الفصل السابع، بل صدر تحت الفصل السادس وانما بلغة اقرب الى لغة الفصل السابع، ما جعله يصدر تحت الفصل "السادس والنصف"!
- ان تحميل مبعوثة لبنان السابقة لدى الأمم المتحدة آمال مدللي مسؤولية صدور التعديل العام الفائت من قِبل الاميركيين، كما نُقل عن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين اول من امس، ليس دقيقًا، كما يقول المرجع عينه، اذ يؤكد نقلاً عن مدللي نفسها ان الأخيرة تواصلت في 9 آب 2022 مع وزير الخارجية وأبلغته عبر "الواتساب" ضرورة التنبه الى التعديل المقترح، ولم تلقَ أي جواب الى ان تم ابلاغها في 29 منه عدم الموافقة، ولكن حصل ذلك بعد صدور القرار.
- ان الاميركيين لا يزالون اللاعب الرئيسي في المنطقة، بعد تراجع دورهم في المرحلة السابقة. وقد بات ذلك واضحاً إن على مستوى إدارة ملف الترسيم البحري، أو عبر الدخول على خط الحدود البرية، أو عبر التدخل في دور القوات الدولية في الجنوب، أو في الضغط من اجل إحياء عمل المجلس النيابي وتشريع القوانين الإصلاحية المنتظرة، وفي مقدمها مشروع قانون انشاء الصندوق السيادي، أو تلك التي ينتظرها صندوق النقد الدولي، وصولاً الى ملف انتخاب رئيس للجمهورية.
- الالتزام الأميركي بالاستقرار في لبنان عموماً وفي الجنوب على وجه الخصوص والاستمرار في دعم الجيش.
لا تعلّق مصادر سياسية أهمية كبرى على القرار الاممي، أياً تكن الصيغة التي آل اليها. ذلك ان القرار في مكان والوضع على الأرض في مكان آخر، تماماً كما هي حال الفريقين المعنيين بالقرار، أي الجيش والقوات الدولية.
فالقوات الدولية تسيّر يومياً نحو 400 دورية في مختلف المناطق. فهل كل تلك الدوريات منسقة مع الجيش؟ واكثر، هل الجيش قادر على مواكبتها في عملياتها ودورياتها في ظل إمكاناته المحدودة؟
لا بد من التذكير في هذا المجال بامكانات الجيش في الجنوب، والعجز الرسمي عن توفير العديد والمستلزمات اللوجستية له. فرغم القرار بانشاء لواء والتدريبات التي يقوم بها من توافر من أعضاء فيه، ورغم التمويل الأوروبي لانشاء مركز له، لم تكتمل بعد جهوزية هذا اللواء بسبب النقص في العناصر، كما النقص في العتاد والمستلزمات اللوجستية. لذلك، ترى المصادر ان المطالبة بالتنسيق الدولي مع الجيش يجب ان تترافق مع تأمين القدرة والجهوزية للمؤسسة العسكرية للقيام بهذا الدور، وإلا فإن الأمور ستبقى على حالها. وهو الامر الذي سيحصل في كل الأحوال بعد انتهاء زوبعة نيويورك في فنجان الامر الواقع المزري جنوباً.
"النهار"- سابين عويس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|