إجراءات أمنية للحدّ من ارتفاع "موجات النزوح"
"النهار"- مجد بو مجاهد
إذا كانت هناك سُبُلٌ مُعتَمدة بهدف الحدّ من عودة موجات النزوح السوريّ في اتجاه الأراضي اللبنانية التي برزت إلى الواجهة في الأسابيع الماضية، فإنّ الحلّ المنتهج يعتمد خصوصاً على الجيش اللبناني الذي يكثّف مراقبته للحدود البرية. وقد استطاع في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلّل غير الشرعي عبر البرّ إحباط محاولة تَسلُّل نحو 700 من الأشخاص الذي حاولوا الانتقال إلى لبنان عبر الحدود اللبنانية السورية بين 16 و23 آب الماضي. وكذلك، أحبطت وحدات من الجيش بتواريخ مختلفة من الأسبوع التالي حتى 30 آب المنصرم محاولة عبور نحو 850 سوريًّا عبر الحدود البرية. وقد نجحت دوريات الجيش في منع تسلّل عدد وصل إلى 1100 من الذين حاولوا تجاوز الحدود في الأسبوع المنصرم أيضاً. وتؤشّر هذه الأرقام إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الذين يُحاولون الانتقال إلى الداخل اللبناني، مع ترجيح ديبلوماسيين لبنانيين مواكبين لعمل اللجنة الوزارية المعنيّة أسباب متعدّدة لذلك. وأوّلها تردّي الأوضاع الاقتصادية في مناطق سكنهم وضيق سُبُل العيش فيها، ما يجعل المعطى الاقتصادي هو الأساسي إضافة إلى عودة الاحتجاجات في الداخل السوري التي تتخذ بُعداً مرتبطاً بواقع الأوضاع المعيشية أيضاً.
وإلى ذلك، تلفت أوساط رئاسة الحكومة اللبنانية لـ"النهار" إلى أن الخطة التي أعدّتها اللجنة الوزارية بدأت حيّز التنفيذ من خلال منع تدفُّق المزيد من النازحين إلى الأراضي اللبنانية عبر الاعتماد على تكثيف الإجراءات الأمنية حدودياً وسط تدابير عملية بدأت تُتَّخذ بفعالية على مستوى الجيش اللبناني تحديداً الذي يبلور مساعيه للحدّ من موجات بدت وكأنها أشبه بظواهر نزوح عادت تلوح في الأفق وإن بوتيرة أعداد باتت تُناهز الآلاف في الأسابيع الماضية. وبذلك، تتوقّف المسألة على قدرة القوى الأمنية للعمل على ضبط الحدود اللبنانية السورية. وعملياً، تعتبر الهواجس قائمة من استقطاب المزيد من القادمين السوريين إلى لبنان بالحدّ الأدنى إذا كانت عبارة "نزوح" ضخمة في مضمونها. ويُعاد التذكير بأنّ المنهجية التي احتكمت اليها اللجنة الوزارية وعلى رأسها رئاسة الحكومة في إعداد الخطة الهادفة إلى منع تدفق أي موجات نزوح لا تستطيع البنية التحتية للبلاد تحمّلها، تقوم على اعتماد أسلوب مكثّف في مراقبة الحدود اللبنانية السورية. وفي سياق متّصل، العمل على بلورة سياق تنسيقيّ بين المراكز الأمنية اللبنانية من جهة والقائمقامين والبلديات اللبنانية بغية أن يتحمّل أي شخص مسؤولية استضافة أحد من النازحين غير الشرعيين. وثالثاً، اتخاذ إجراءات تطاول من يعمل على إيواء نازحين إذا لم يحوزوا أوراقاً شرعية.
وهناك بين المراقبين السياسيين اللبنانيين من لا يلغي الاعتبارات المتشابهة بين موجات النزوح الحالية ومسبّبات بقاء النازحين في لبنان، وذلك لناحية الأسباب السياسية الطابع وليست أمنيّة المضمون. ويتمثّل الحلّ بالنسبة إلى متابعين سياسيين لبنانيين معارضين للنظام السوري، في موافقة ذلك النظام على الحلّ السياسي وعدم الاستمرار في تعنّته ورفضه وجوب اعتماد تعديلات دستورية واتخاذ خطوات لعودة النازحين أبعد من مجرّد التعبير عن مواقف عامّة ما يفتح المجال أمام بدء بوادر حلحلة لأزمة النزوح في لبنان. ويُضاف إلى الأسباب الحائلة من دون انطلاقة العودة الفعلية للنازحين تعرّضهم للمضايقات أو التوقيف أو الإلحاق في الخدمة العسكرية، واتخاذ النظام السوري مسألة النازحين "ورقة ضغط" في كباشه السياسي القائم للإبقاء على وضعه الحالي خارج الإصلاحات السياسية المتوجبة.
من جهته، يعتبر الخبير في السياسات وشؤون اللاجئين زياد الصائغ أن "من المُلحّ في مكان فهم طبيعة موجات النزوح الجديدة من المعابر غير الشرعية في ظلّ صمتٍ مطبق للمنظومة، وفي تقديري أن ثمة عملاً مُمنهجاً مشبوهاً لتغطية هذه الموجات. أما الحديث عن تخوّف اللجنة الوزارية من هذه الموجات، فيؤكّد الارتياب والاشتباه الذي أشرت إليه، إذ إنّ المُشكلة معنيّة بضبطها وليست الاستعراض الشعاراتيّ. وفي حين رفعت اللجنة الوزارية شعار العودة، ها هي في مكان مناقض تُحذّر من موجات نزوح. ويكفي هذا التناقض للتثبّت من أجندة ملتبسة خطيرة".
وهل هناك قدرة فعلية وسط واقع الدولة الحالية للحدّ من أي موجات نزوح اذا حصلت باتجاه لبنان؟ ومن يتولى فعلياً تسهيل قدوم نازحين؟ يقول الصائغ لـ"النهار" إن "أي قدرة فعلية تنبع من إرادة فعلية. الإرادة غائبة عن إقرار سياسة عامّة لمعالجة أزمة النزوح السوري أساسها ديبلوماسية العودة منذ العام 2012. في أيّ حال ما نشاهده اليوم على الحدود يحاكي تَغوُّل مافيات تهريب البشر، وتالياً نحن أمام جريمة منظّمة توازي جريمة التهريب غير الشرعي المستمرّة".
وإلى أي مدى المخاوف جدية من موجات نزوح كبيرة إضافية، أو أن الهواجس تحتاج إلى إجراءات احترازية إضافية فقط؟ يجيب أن "كلّ المخاوف مشروعة وكلّ الهواجس بقدر واقعيتها تبقى من قبيل الاحتراز الاستباقي. هكذا تقوم الحوكمة الرشيدة في أي أزمة، لكن نحن ممّن نطلب الاحتراز؟ من منظومة متورّطة هي بالكامل في عدم إنجاز تنظيم عودة النازحين. السياق بات مكشوفاً، وعلى القوى المجتمعية الحيّة والقوى السيادية الإصلاحية في لبنان والاغتراب التنبّه إلى ما تحيكه قوى الأمر الواقع للبنان".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|