مستقبل مُرعِب... دول وشركات ورجال مال وأعمال يسخّرون العالم لتمويل مصالحهم...
إذا نظرنا الى خريطة التحالفات والمشاريع الاقتصادية العالمية الجديدة، نجد ما يقول لنا إننا نتّجه الى مكان مُرعب فعلاً.
مشكلة كبيرة
فالفقراء سيزدادون فقراً، ومرضى الأرض سيُعانون أكثر، والفئات المهمّشة ستتألّم من ظروف أشدّ تهميشاً لها، فيما لا نسمع إلا بتحالفات وطُرُق وممرّات اقتصادية وتجارية مُتزايدة، بتمويل "خرافي" بضخامته، وبأفكار لا يمكن لمخيّلتنا أن تنجح في استيعاب تفاصيلها الدقيقة، وانعكاساتها الآتية، والتي قد لا تكون إيجابية للشعوب، بل لحفنة من الأنظمة والحكام والدول حول العالم.
الاقتصاد العالمي أمام مزيد من التعقيد، وهو يتحوّل الى اقتصاد نُخَب عالمية، والى اقتصاد شركات، واستثمارات، والى اقتصاد دول ورجال مال وأعمال يبنون العالم بشكل "تمويلي" لمصالحهم الخاصة، لا وفق ما تقتضيه العدالة الاجتماعية، وضرورات مكافحة الفقر، والجوع، والمرض، والأزمات الحياتية والمعيشية. وهذه مشكلة كبيرة جدّاً.
فقراء الهند
بالنّظر قليلاً الى الجالسين حول أكبر طاولات الاقتصادات العالمية، شرقاً وغرباً، سواء دول "مجموعة السّبع"، أو "مجموعة العشرين"، أو مجموعة "بريكس"، أو غيرها من طاولات المؤتمرات الاقتصادية الإقليمية... نجد أن تلك الدول تستضيف، تتحدّث، توقّع على اتّفاقيات، وتنتزع مكاسب... ولكنّها تُخفي ما فيها من سياسات فاشلة لمكافحة الفقر والجوع والمرض... وهي تتصرّف مع شعوبها مثل من يُخفي أوساخ منزله خلف الأبواب، في أوان استقبال الزوار الأجانب.
فعلى سبيل المثال، هدمت الهند بيوت آلاف الفقراء فيها، وحظّرت على سكان الأحياء الفقيرة الخروج من أحيائهم خلال مدة انعقاد قمة مجموعة العشرين، بشكل زاد من معاناة الفقراء الذين يعتمدون على الأعمال اليومية ليعيشوا. ونقلت الحكومة الهندية الآلاف من الذين يعيشون تحت الجسور وعلى الأرصفة، الى ملاجئ تخلو من أي تسهيلات، وذلك من أجل إخفاء ما فيها من فقر أمام وسائل الإعلام العالمية التي ترافق زعماء دول المجموعة.
كما أمسكت السلطات الهندية مئات الكلاب والقرود الشاردة التي تجوب شوارع العاصمة نيودلهي في العادة، خلال مدة انعقاد قمة مجموعة العشرين، حتى تظهر بأبهى صورة مثالية أمام أعيُن زعماء العالم، خلال تنقّلاتهم بمواكبهم هناك.
كشف طبي
وما فعلته الهند يمكن للولايات المتحدة الأميركية، والصين، وروسيا... ولأي دولة كبرى في العالم أن تفعله بفقرائها، وبمرضاها...
فعلى سبيل المثال هنا أيضاً، قد يبقى المريض من دون كشف طبي لأسابيع عدّة في كندا مثلاً، أو في بعض أغنى دول الإتحاد الأوروبي. وحتى إن بعض الفئات الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي تعيش في فقر ملموس، رغم تحسُّن الأرقام على هذا المستوى بالمقارنة مع كانت عليه قبل أعوام، وذلك وسط دعوات من جانب بعض الخبراء الى ضرورة تركيز الدول الخليجية على زيادة الاستثمار في مهارات المواطنين، كأولوية بعيدة المدى، والى عدم النظر حصراً الى المشاريع الضخمة المرتبطة بخلفيات جيوسياسية.
مشاريع ضخمة
حذّرت الخبيرة في الاقتصاد النّقدي الدكتورة ليال منصور من أن "الحديث المركّز على الازدهار الاقتصادي، وعلى مشاريع مدّ الجسور، وإنشاء سكك الحديد، ونقل الطاقة، والتكنولوجيا، وغيرها من الأمور، هو أكثر ما قد يلفت انتباه الدول النامية التي بدلاً من أن تركّز على تحسين أحوال الفقراء فيها، وعلى رفع مستوى التعليم، والطبابة، وتحسين القوانين وظروف الحياة اليومية، والتقدّم في مجالات حقوق الإنسان، والممارسة السياسية، قد تحوّل اهتماماتها الى المشاريع الضخمة لمنافسة دول أخرى، وكأن المنافسة تقتصر على تلك المشاريع فقط".
وأوضحت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" أنه "يمكن تشبيه هذا الوضع بإنسان يعاني من أمراض شديدة، ويُخفي أمراضه بلباس جميل جدّاً، وغالي الثّمن جدّاً، الى درجة أنه قد ينافس بمظهره كل الناس. ولكن هل هذا يعني أن صحته جيّدة، أو أنه ليس بحاجة الى علاجات قد تكون مُكلِفة وطويلة الأجَل؟ بالطبع لا".
وأضافت:"تلك الأمور دقيقة جدّاً. وهناك الكثير من المشاكل في الدول النامية، من أبرزها أنها لا تمتلك الأبحاث المتوفّرة في الدول المتقدّمة، ولا الحدّ الأدنى من استقلالية القضاء، ولا محاربة الفساد، مهما دخلت بمشاريع عالمية، ومهما أكثرت من تصوير نفسها بمظهر قوي جدّاً".
"بريكس"
وأشارت منصور الى أن "بعض الدول الخليجية تنجح على المستوى الاقتصادي حالياً، لأنها تشهد تنوّعاً اقتصادياً مستقلّاً عن النفط. فالاعتماد على النفط وحده يمنع من امتلاك أساس الاقتصاد القوي والمزدهر بشكل جدّي. فالثّراء المالي ليس قوّة، بل تفعيل العمل والإنتاج، بعيداً من الاتّكال على النّفط وحده".
وتابعت:"لا شكّ في أن كتلة مجموعة "بريكس" تكبر، ولكنّها مُحاطة بضجة إعلامية من خارج عالم الواقع أيضاً. فمن هي البلدان التي تنضّم الى "بريكس" أصلاً؟ هي دول منبوذة بمعظمها من الولايات المتحدة الأميركية، أو تعاني من مشاكل وعقوبات أميركية، أو يحكمها العمل بقرارات عشوائية تتسبّب بمشاكل اقتصادية لها، وبزيادة نِسَب الفقر فيها. وحتى إن الصين وضخامتها الاقتصادية، تعاني من مشاكل اقتصادية لا يُستهان بها".
الدولار الأميركي
وردّاً على سؤال حول استعمال العملات المحلية بالتجارة بدلاً من الدولار الأميركي، أجابت منصور:"الحديث عن تلك الأمور ليس علمياً تماماً حتى الساعة، لأن لا دراسات علمية ملموسة وتراكمية وبنيوية في شأنها. ولكن على سبيل إبداء الرأي، يمكن القول إن السعودية مثلاً تستعمل "بريكس" كسلاح سياسي وجيوسياسي في وجه الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً أن العلاقات بين الرئيس الأميركي جو بايدن والقيادة السعودية هي من الأسوأ، على مرّ سنوات العلاقات الأميركية - السعودية".
وختمت:"قد تتحسّن العلاقات بين واشنطن والرياض من جديد، في ما لو أُعيد انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب مثلاً، وهو ما قد ينعكس على زيادة السعودية لإنتاج النفط أكثر مستقبلاً. ولكن بالاستناد الى تجارب الماضي، لم ينجح أحد بمحاربة الدولار الأميركي، رغم أن المحاولات كانت كثيرة في الماضي، ومنها في ليبيا والعراق وفنزويلا".
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|