نائب القوات : حزب الله زجّ لبنان في حرب دون أن يحسب القدرات المالية والعسكرية
تسليم السلاح = إعادة الإعمار
لا إعادة إعمار في لبنان من دون تسليم سلاح "حزب الله" كاملاً إلى الدولة اللبنانية. هذه هي الحقيقة الصعبة التي لا يريد أحد البوح بها صراحة. وذلك لأن المسألة تتضمّن اعتباراً معنوياً وأخلاقياً، أساسه أن المواطنين اللبنانيين الذين دمّرت منازلهم لا يمكن أن يتحمّلوا وزر الاعتبار السياسي المرتبط بالسلاح غير الشرعي، ولو أن جزءاً أساسياً منهم مؤيّد لهذا السلاح. ولكن هذا لا يمكن أن يكون جزءاً من حسابات دول أجنبيّة، مطلوب منها أن تتبرّع من أموال شعبها لإعادة إعمار لبنان، خصوصاً بعد تجربة ما بعد حرب تموّز 2006.
بعد حرب تمّوز، دفعت الدول العربية أموالاً طائلة لإعادة إعمار الجنوب والبقاع والضاحية (1،3 مليار من دول الخليج للإعمار، من دون احتساب أموال مؤتمر باريس الخليجية و قدرها 2 مليار دولار)، و قد شكّل ذلك "استثماراً" كارثياً لهذه الدول. لم "تخسر" استثماراتها فقط بمعنى أنها لم تحصل في مقابلها على مكاسب سياسيّة، بل على العكس تماماً، أدّت هذه الاستثمارات - التبرّعات إلى تقوية وضعيّة خصومها اللبنانيين، الذين سرعان ما استفادوا من وضعيّة "الانتصار" للانقلاب المتدرّج على التموضع الجيوسياسي اللبناني، بدأ باجتياح السابع من أيار 2008 وصولاً إلى الانقلاب السياسي التام عام 2011 مع سيطرة "حزب الله" وحلفائه على الحكومة اللبنانيّة. وقد شكّل هذا الحدث المفصلي نقطة انطلاق تحويل لبنان إلى مقر "القيادة والسيطرة" الإيراني في العالم العربي، يدير تمدّد "تصدير الثورة" من الضاحية وصولاً إلى اليمن، مروراً طبعاً بسوريا والعراق (مع نشاطات متفرّقة في الكويت والبحرين).
تحضرنا هنا المقولة الشهيرة المنسوبة (زوراً) للعالم البيرت إينشتاين، والقائلة إن الجنون هو تكرار نفس التجربة عدّة مرّات، وتوقّع نتائج مختلفة. ليس بين العرب اليوم "مجانين" بهذا المعنى، بل العكس تماماً، إذ إن السعودية تحديداً أعادت تعريف كل سياساتها تجاه الدعم الخارجي والتعامل معها ليس كدولة لها رؤية استراتيجية للمنطقة بل كصرّاف آلي (ATM (machine. هذا زمن انتهى حتى تجاه الحلفاء التاريخيين، وقد بدا ذلك جلياً في المقاربة الاستثماريّة الخليجية في مصر مثلاً.
هزيلة فعلاً مقاربة "حزب الله" عبر أمينه العام (الهزيل) لموضوع إعادة الإعمار. فقد بدا كمن يطالب بتزفيت طريق أو بحفر بئر مياه على الطريقة اللبنانيّة. هو بالفعل يتحدّث عن عشرة مليارات دولار، أي أكثر من نصف الناتج القومي اللبناني. "فلتهبّ الدولة اللبنانيّة وتعقد المؤتمرات وتأتي بالأموال": خفّة سياسيّة ممزوجة بعنجهيّة مرضيّة. لا يجرؤ حتى على تسمية الدول التي من المفترض أن تأتي منها الأموال، خوفاً من الحرج أمام جمهوره الذي طلب منه لسنوات الهتاف بحماسة منقطعة النظير بـ"الموت لآل سعود". ولا يملك شجاعة الاعتراف بأي مسؤولية عن الدمار، بل يتباهى بإيمان مستجدّ بدور "الدولة" التي لطالما عبّر وحزبه عن احتقارهم لها. "سنعيدها أجمل مما كانت"، قال السيّد نصرالله يومها، طبعاً من دون أي إشارة ولو رمزيّة إلى الدولة اللبنانيّة.
في مسألة إعادة الإعمار، لم يعد ينفع أبداً لا التهديد ولا الإغراء. التهديد الذي بدأ "حزب الله" تسويقه عبر قنواته (أبواقه) الإعلامية غير الرسمية - على قاعدة أن "البيئة" ستجعل من حياة اللبنانيين، شعباً ودولة، جحيماً إذا لم يتم إعمار ما تهدّم – لم يعد له الوقع المرتجى عند المتلقّي الأجنبي، وذلك بسبب القدرة المحدودة لدى "الحزب" وبيئته على التخريب وأيضاً لأن الابتزاز بورقة "الاستقرار" لم يعد لها رصيد جدّي في الخارج. أما الإغراء تحت شعار أن اللبنانيين الشيعة أمام مفترق طرق، وإعادة الإعمار ستحدد ما إذا كان الولاء لـ"الحزب" أم للدولة، ففي ذلك خفّة ومراهقة سياسية لا تقنع حتى الدبلوماسيين العرب والأجانب. فالحجّة المقابلة مثبتة بالأدلة والبراهين: بعد حرب تموّز قامت الدول العربية والغربية بتمويل إعادة الإعمار، ولم يغيّر ذلك من الولاء السياسي أو العقائدي لأي مواطن. هذا لا يعني أن إعادة الإعمار (يوماً ما) بإشراف الدولة لا تساهم بإقناع الناس بخيار الدولة، إلا أن ذلك يعتمد على الظروف السياسية والمالية والتنظيمية و الإعلامية المحيطة بعملية إعادة الإعمار. هي مسألة نضج التوقيت وحسن تنفيذ وكيفيّة إخراج. أما اليوم، فلو قام الأمير محمد بن سلمان يرافقه الرئيس نواف سلام بإعمار المنازل المهدّمة بأيديهما، فإن الشكر سيكون لـ"المقاومة".
كلّ المعطيات التي ذكرت هنا لا علاقة لها برأي اللبنانيين ومسؤوليهم. فلو كانت الدولة بقيادة الرئيس "المقاوم" إميل لحود و"ضمير لبنان" سليم الحص، لما استطاعا تغيير رأي الدول المتبرّعة. إعادة الإعمار لن تنتج ضعفاً لدى "حزب الله" بل العكس. ضعف "حزب الله" - تسليحياً ومالياً وتنظيمياً- هو الذي سيتيح بدء عملية إعادة الإعمار. ولكن هذا لا يعني أنه لو كان لدى الدولة اللبنانية أموال (من دافعي الضرائب) لوجب إعادة الإعمار "من دون قيد أو شرط". صحيح أن إعادة الإعمار (بالتأكيد) من مسؤولية الدولة، لكن الدولة عليها أن تتصرّف كدولة مكتملة الأوصاف كي يكون متاحاً لها صرف أموال المواطنين على إعادة الإعمار. بالمبدأ، الشرط الأول هو أن تتأكد من عدم حاجتها إلى إعادة (إعادة) الإعمار بعد عقد أو عقدين من الزمن، وبالتالي نزع سلاح الميليشيات بالكامل وفرض اعتراف علني ونهائي من "حزب الله" بنهاية حالة المواجهة العسكرية بين لبنان وإسرائيل. أما الشرط الثاني فهو محاسبة من تسبّب بالدمار (حزب الله) وفرض مشاركته (عبر الدولة) بإعادة الإعمار، وذلك عبر مصادرة أمواله وممتلكاته كافة وإنشاء صندوق لها تتم من خلاله المساهمة بإعادة الإعمار. أما اللبنانيون من دافعي الضرائب، فليس مسموحاً المساس بأموالهم قبل القيام بهذه الخطوات.
الأساس في هذه المرحلة التاريخية - بكل الملفات ولكن خاصة بإعادة الإعمار – مصارحة كل اللبنانيين وخصوصاً من تدمرت منازلهم بحكم الحرب التي أطلقها "حزب الله" في الثامن من أكتوبر، بأن أي دولة لن تتبرّع بدولار واحد لهذه المهمة ما دام "حزب الله" يتمسّك بسلاحه. فالدول ليست جمعيات خيرية. وقد حاولت التصرّف على هذا النحو وشاهدت بأم العين جزءاً من أصحاب المنازل المرمّمة يهتفون "الموت لآل سعود" و "الموت لأميركا". إيران غير مستعدة لتمويل إعادة الإعمار، فلا هي ولا وكيل ولي فقيهها الشرعي (نعيم قاسم) يدّعيان حتى استعدادهما لهذه المهمّة. فلتكن المعادلة بين الدول المستعدّة لإعادة الإعمار والدولة اللبنانية وأصحاب المنازل المهدّمة واضحة لا لبس فيها: تسليم السلاح = إعادة الإعمار.
صالح المشنوق-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|