إقتصاد

كيف تصبح الودائع متاحة للجميع؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما هي الوسائل المتاحة لكي يفكّ أسر الودائع المحتجزة منذ أكثر من 5 سنوات؟ وأي فئة من الودائع ستكون الأسهل والأسرع في الإفراج عنها؟ هذه التساؤلات باتت مطروحة بعد الإجماع على أن الأولوية في معالجة الانهيار ستمر عبر حلحلة معضلة الودائع.

شدّد وزير المالية ياسين جابر على أنه "من غير الوارد شطب أموال المودعين، ولا مصلحة للبنان بذلك، لكن هذا لا يعني أن غداً صباحاً ستعود الودائع"، مؤكداً أن الأولوية لصغار المودعين حيث سيتم وضع مبلغ "فريش" دولار في حساباتهم، ليس لسحبه إنما لاستخدامه تباعاً بسبب الظروف المعيشيّة، ثم إيجاد حلّ لباقي المودعين من خلال صندوق استرداد الودائع.

رغم أن إجمالي الودائع المصرفية انخفض من ذروة بلغت 174 مليار دولار في العام 2018 إلى 90 مليار دولار في العام 2024 بسبب عمليات الاقتطاع الضمنية (haircuts) وتسديد ديون القطاع الخاص بأسعار صرف مختلفة رغم الصراع القديم الجديد المتواصل في شأنها، إلا أنّ القطاع المصرفي لا يزال عاجزاً على استعادة دوره الأساسي في تمويل الاقتصاد واستئناف عمليات الإقراض للقطاع الخاص، رغم المبادرات النادرة التي يقوم بها بعض البنوك في هذا الإطار، أوّلاً بسبب نقص السيولة، وثانياً والأهمّ، بسبب عدم إيجاد حلّ للأزمة المصرفية منذ العام 2019 وفشل الحكومات المتعاقبة في إحراز تقدم في الحوكمة والشفافية والمساءلة وتوزيع الخسائر.

ما هي الخيارات المتاحة لتوفير المزيد من الحماية للمودعين؟

يبلغ إجمالي الودائع بالعملة الأجنبية للعملاء المقيمين وغير المقيمين 88 مليار دولار حالياً (منها 3 مليارات دولار ودائع غير مقيّدة أي fresh).

وقد طرح معهد التمويل الدولي في تقريره الصادر حديثاً، مجموعة من الخيارات التي من شأنها أن تساعد في تسوية الودائع أو جعلها متاحة خلال فترة تقلّ عن 8 سنوات، وذلك اعتماداً على فئة الودائع، ومع إعطاء الأولوية لاستعادة الودائع المتعلقة بالحسابات التي تقل عن 500 ألف دولار خلال فترة أقصر، والتي تمثل 97% من إجمالي عدد الحسابات وحوالى 60% من قيمة الودائع، شرط الأخذ في الاعتبار قضية استدامة الدين العام.

رهن جزء من الذهب

بما أنه لا يُسمح للحكومة ومصرف لبنان ببيع أي جزء من احتياطيات الذهب (التي تقدر قيمتها بنحو 27 مليار دولار اعتباراً من 14 شباط)، يقترح معهد التمويل الدولي ضمن أحد الخيارات لإتاحة جزء من الودائع، أن تبادر الدولة اللبنانية إلى رهن نصف الزيادة البالغة 12.8 مليار دولار من القيمة السوقية للذهب منذ نهاية عام 2019، وذلك من خلال البنوك الاستثمارية العالمية. ويمكن توزيع هذا المبلغ على المودعين الصغار والمتوسطين.

في هذا الإطار، اعتبر الخبير في الأسواق المالية وليد أبوسليمان أنه من الممكن أن يوفر الذهب سيولة فورية لصغار المودعين. وهذا يمكن أن يعيد بعض الثقة التي يحتاجها النظام بشدة.

المشكلة تكمن في قيمة الذهب التي يمكن أن تتبدل في أسوأ الأوقات. إن رهن تلك الاحتياطيات مقابل سيولة هو حل قصير المدى قد يخلق مشاكل أكبر لاحقاً، إذا شهد السعر انخفاضاً هائلاً.

تحويل الدين إلى شهادات

في سيناريو الإصلاح العميق الذي قدّر تداعياته معهد التمويل الدولي، من المتوقع أن تزيد احتياطيات النقد الأجنبي إلى 26 مليار دولار بحلول العام 2029، تضاف إليها احتياطيات الذهب البالغة 27 مليار دولار، ليصل إجمالي حجم الأصول إلى 53 مليار دولار. هذا الأمر سيؤدي إلى تقلّص حجم الفجوة بين أصول والتزامات مصرف لبنان بالدولار الأميركي من 62 مليار دولار في عام 2022 إلى 29 مليار دولار في عام 2029، مما يتيح إمكانية تحويلها إلى دين حكومي رسمي على شكل شهادات إعادة هيكلة. ومن الممكن بعد ذلك تحويل مثل هذه الشهادات إلى البنوك التي لديها ودائع بالدولار لدى مصرف لبنان، وهو ما يجعل مصرف لبنان قادراً على الوفاء بالتزاماته، ويصبح للبنوك مطالبات على الحكومة بدلاً من مصرف لبنان. ولكن هذا يتطلب خفضاً إضافياً يتجاوز نسبة 50% المفترضة على سندات اليوروبوند من أجل تحقيق ديون مستدامة.

رأى أبوسليمان أن هذا الاقتراح يمكن أن يعالج الإخفاقات التي تسبب بها مصرف لبنان من دون التسبب في فوضى كاملة. ويمكن أن يساهم أيضاً في إيضاح الصورة حول من الجهة المدينة وبماذا، وهو ما قد يكون خطوة نحو بعض النظام وسط كل هذا الالتباس.

أما سلبيات هذا الاقتراح، فتكمن بأن تحويل الالتزامات إلى شهادات إعادة الهيكلة يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الديون، وهذا أمر صعب على المودعين استيعابه. وقال: لا أحد يريد أن يرى مدخراته تتحول إلى ديون حكومية، خاصة عندما لا نعرف ما يخبئه المستقبل للاستقرار المالي في لبنان.

 استخدام  الودائع بالليرة

وفي سياق برنامج إصلاح شامل واتفاق مع صندوق النقد الدولي، قد يكون من الممكن الوصول إلى جزء كبير من الودائع الأجنبية المؤهلة، بالليرة اللبنانية. ومن شأن تنفيذ برنامج الإصلاح الشامل أن يعيد الثقة، ويضع الاقتصاد على مسار تعافٍ قوي، ويحسّن ميزان المدفوعات، مما يؤدي إلى تراكم أعلى بكثير لاحتياطيات النقد الأجنبي، واستقرار سعر الصرف على نطاق واسع. وبالتالي، يمكن لمصرف لبنان توفير سيولة كافية بالليرة اللبنانية، مما يسمح للبنوك بتلبية الطلب على ودائعها.

أشار أبوسليمان إلى أن الإيجابيات من هذا الاقتراح أنه إذا نجح اتفاق صندوق النقد الدولي واكتسب برنامج الإصلاح في لبنان زخماً، فإن استقرار الليرة اللبنانية يمكن أن يمنح المودعين وسيلة للوصول إلى أموالهم، وهو أمر في غاية الاهمية بالنسبة لأي شخص عالق في هذه الأزمة.

لكنه لفت إلى أن الليرة اللبنانية تتمتع بتاريخ من التقلبات التي يصعب تجاهلها. ويقول: ليس هناك ما يضمن استقرار العملة في أي وقت قريب، ومن المرجح أن ينظر العديد من المودعين إلى ذلك على أنه مقامرة محفوفة بالمخاطر. كيف يمكن لأي شخص أن يثق في عملة كانت في حالة سقوط حر لسنوات؟ تتوقف هذه الفكرة على الكثير من "ماذا لو".

صندوق استرداد الودائع

يمكن تسوية جزء كبير من ملف المودعين الكبار (55 مليار دولار، أو 65% من إجمالي الودائع)، الذين تتجاوز حساباتهم 500 ألف دولار عن طريق إنشاء صندوق استرداد الودائع. من ناحية الأصول، يمكن أن يشمل صندوق استرداد الودائع شهادات الإيداع التي تصدرها البنوك من حساباتها لدى مصرف لبنان.

أوضح أبوسليمان أن هذا الصندوق قد يكون هو الطريقة الأكثر منطقية لمعالجة الودائع الكبيرة دون قلب كل شيء رأساً على عقب. يمكن أن يوفر نوعاً من الهيكلية للعملية ويعطي المودعين فكرة أوضح عن الاتجاه الذي تسير نحوه الأمور. لكن المشكلة الكبرى هنا هي أننا نتحدث عن استخدام الأموال العامة لتسوية الديون الخاصة. وهذا أمر صعب، خاصة إذا كان المودعون الأثرياء يستفيدون أكثر. إنه حل طويل الأمد، ولكن عندما يعاني الناس، قد يبدو الانتظار وكأنه عمر كامل، مما يجعله حلاً غير سهل.

امتيازات لإدارة مؤسسات الدولة

يمكن للدولة اللبنانية منح امتيازات للشركات المتعددة الجنسيات والمستثمرين المحليين لإدارة واستثمار الكيانات المملوكة للدولة بما في ذلك قطاع الكهرباء، الاتصالات، كازينو لبنان وإدارة حصر التبغ والتنباك. وعندما تصبح هذه الكيانات فعّالة ومربحة، ستشجّع المودعين على الاكتتاب في رأس مالها.

رأى أبوسليمان أن هذا الاقتراح يمكن أن يجلب في نهاية المطاف رأس المال والخبرة التي يحتاجها لبنان بشدة. وإذا تمت خصخصة هذه القطاعات، فيمكننا أن نشهد بعض النمو الحقيقي مع مرور الوقت. إنها الخطوة الأذكى للمستقبل.

في المقابل، لا شيء من هذا سيساعد المودعين اليوم. إن فوائد خصخصة قطاعات مثل الكهرباء أو الاتصالات لا تزال بعيدة لسنوات، وربما لعقود من الزمن. إنها فكرة جيّدة على المدى الطويل، ولكن بالنسبة للأشخاص الذين لا يستطيعون الوصول إلى مدخراتهم في الوقت الحالي، فإن الأمر يبدو وكأنه أمل بعيد المنال أكثر من أي شيء ملموس.

صندوق النفط والغاز

من الممكن إنشاء صندوق للحفاظ ولإدارة عائدات النفط والغاز المحتملة للأجيال القادمة. ومن الممكن تخصيص جزء كبير من هذه العائدات للمودعين. علماً أن هذه العائدات قد لا تتحقق قبل عام 2032.

كما وأشار أبوسليمان إلى أن فكرة استخدام عائدات الغاز المستقبلية لتسوية الودائع هي فكرة تقدمية. إنها طريقة لتأمين الاستقرار على المدى الطويل وإنشاء مصدر للتمويل يمكن استخدامه لصالح الجميع.

ولكن هذه الإيرادات لن تأتي في أي وقت قريب. من المحتمل أن يكون هذا على بعد عقد من الزمان على الأقل، وبالنسبة للأشخاص الذين يكافحون الآن، فهذا يمثل الأبدية. إنها خطة لا تساهم في معالجة أزمة أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة اليوم، وهناك خطر حقيقي من أن تفقد زخمها قبل أن تبدأ.

باختصار، اعتبر أبوسليمان أن كلّاً من هذه الخيارات له مزاياه، ولكن أيّاً منها ليس مثالياً. "خلاصة القول هي أن النظام المالي في لبنان في أزمة، والأولوية يجب أن تكون لإعادة الأموال إلى المودعين، فهذا حقهم، بكل وضوح وبساطة. تعدّ إعادة بناء الثقة أمراً أساسياً، وهذا يعني أن هذه الخطط لا يمكن أن تكون مجرد حلول نظرية، بل يجب أن تكون قابلة للتنفيذ، ويتم توصيلها بوضوح، وتنفيذها بعناية. إذا كان لبنان سيخرج من هذه الأزمة، عليه أن يوازن بين الإغاثة على المدى القصير والاستقرار على المدى الطويل. سوف تتخذ قرارات جريئة وقيادية حقيقية، ولكن إذا تم تنفيذها بشكل صحيح، فلا يزال بإمكان لبنان أن يجد طريق العودة من حافة الهاوية".

رنى سعرتي-نداء الوطن

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا