الصحافة

تهريب النازحين ليس عملية بريئة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

سألني ذات يوم، وقبل نحو عشر سنين، أحد العمال السوريين الذي كان يعمل في الجوار، وكان موجوداً في لبنان منذ ما قبل الحرب الدائرة في موطنه منذ العام 2011، عما اذا كنتُ أملك "واسطة" له لإدخال أفراد عائلته الى لبنان هرباً من الجحيم السوري، إذ إنه من غير اللاجئين ولا تتيح له الإجراءات تسهيل مهمته، قلت: لا. فأجابني: "ظننت أنك ستوفر عليّ مالاً وفيراً أدفعه مقابل تلك الخدمة". سألته: "ولمن تدفع المال، وما الذي يضمن لك إتمام خدمة إحضار عائلتك بأمان؟". لم يفكر بالإجابة، ولم يشكك في الأمر. قال: "يوجد مكتب خدمات في بر الياس (البقاع) تدفع له لقاء عدد الأشخاص، ويتنوّع الرسم بحسب جنس المهرّب، وعمره، وأيضاً وفق آلية \التهريب. قطعُ منطقة معبر المصنع سيراً على الأقدام ليلاً يكلف 50 دولاراً لكل فرد. أما عبر السيارة فـ 150 دولاراً للبالغين، و100 للصغار، و50 للاطفال الرضّع". ابتسمت لظنّي أنه سيقع فريسة عصابات سرقة. نصحته بالتروّي، ومضيت في سبيلي، لأسباب عدة أوّلها عدم أخذ الموضوع على محمل الجد، ولأنني لا اريد ان اشارك أو اكون وسيطا في عمليات تهريب اشخاص، وبالتأكيد لا اريد مضاعفة الاضرار التي تصيب بلدي.

بعد أسبوع تماماً، عرّفني الى زوجته وأطفاله. وأخبرني كيف قصد بر الياس في الموعد المحدد لتسلّمهم مع أغراضهم.

هذه القصة تدفع الى التفكير في عصابات التهريب ومَن يؤمّن لها الحماية، ولم أصدّق منذ ذلك الحين، أن بعض المسؤولين الأمنيين غير عالم بما يجري، أو غير متورط في العملية.
واليوم، يتوافد النازحون الجدد زرافات، وكلما أوقف الجيش مجموعة منهم يتبين أن عددها يقارب أو يفوق المئة. النازح، أو الهارب، أو اللاجئ، لا يعمل على جمع كتيبة أو سرية من معارفه ليهربوا معاً، بل يعمل على اجتياز الحدود بعدد محدود لا يلفت النظر.

قد نكون أمام معضلة كبيرة تتجاوز فقراء السوريين الهاربين من جحيم بلادهم، الى عصابات منظمة تحظى بغطاء سياسي وأمني، تضرب مقومات صمود البلد، وتهدد كيانه من أجل مصالح آنية ودولارات صارت تفتح الشهية عليها بعد تناقصها ظاهريا في سوق لبنان.

لا يهم كثيراً اذا كانت معابر التهريب في الشمال أو البقاع إذ ليس من فريق لبناني واحد يستفيد من تلك الأعمال، كما من الصفقات، فأمام الصفقات تسقط الاعتبارات السياسية والحزبية والمناطقية والمذهبية. المصالح تجمع ولا تفرّق.


بالأمس القريب أوقف الجيش شاحنة كبيرة تنقل حجارة فوق مستودع مستحدث لنقل النازحين. ولا يعتبر هذا عملاً عفوياً يقوم به إنسان بمفرده، لا يحظى بأي غطاء.

والمعابر المفتوحة على نقل السلاح وتهريب المخدرات والكبتاغون تحديداً، وكذلك المازوت والمواد الأولية، لن تكون مقفلة أمام الأفراد، سواء أكانوا نازحين، أم غير ذلك. ويجب ألا يسقط افتراض أنهم مدفوعون الى لبنان، أو أنهم ينتمون الى تنظيمات إرهابية تفتش عن أماكن خاصرتها الأمنية رخوة، أو تدبّ فيها الفوضى و"كل مين إيدو إلو".

قرارات مجلس الوزراء، وتعميم وزير الداخلية، ستبقى حبراً على ورق إذا لم تُدعم بقرار سياسي واضح لأصحاب سلطة الأمر الواقع الذين بيدهم الحل والربط، والسماح والمنع، والتسهيل والعرقلة.

"النهار"- غسان حجار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا