نصيحة مصرفيّة لصندوق النقد: فتّشوا عن وصفة جديدة
تحفٌظ وفد صندوق النقد الدولي عقب اختتام زيارته الأخيرة إلى لبنان، على "غياب خطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ما أدى إلى انخفاض كبير في الودائع القابلة للانتعاش بما يعيق توفير الائتمان للاقتصاد. بينما يتم التقدّم بشكل جيد في العمل على القانون المعدَّل لإعادة هيكلة المصارف، فإنه يجب أن يكتمل حتى يمكن تقديمه مرة أخرى إلى البرلمان...".
هذه المواقف تُظهر أن الوضع لا يزال على حاله بعيداً عن حلول جريئة جذرية تنطلق بقطار الإصلاحات إلى شاطئ النهوض الاقتصادي الحقيقي...
مصدر مصرفي لـ"المركزية" يتوقف عند تحفظ صندوق النقد، متسائلاً "إلامَ يستمر في غضّ الطرف عن تقصير الدولة في وضع رؤية إنقاذية للوضع المالي والنقدي في البلد، ووقوفها موقف المتفرّج خلال فترة السنوات الأربع من الانهيار، في حين أن المصارف نجحت في بقائها صامدة طوال تلك الفترة إلى اليوم. فالدولة لم تضع حتى اللحظة أي خطة استراتيجية لتأمين مخزون استراتيجي من المواد الأوّلية كالطحين والفيول...إلخ، على وقع التحذير من شهر تشرين الثاني المقبل حيث لا يعود الجيش اللبناني قادراً على تأمين المازوت والبنزين لآليّاته!".
ويستغرب "كيف أن هذه الدولة لم تعمل على هيكلة نفسها خلال أربع سنوات من استفحال الأزمة المالية في البلاد؟! وماذا فعلت طوال تلك الفترة سوى صرف ما تبقى من أموال الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان التي تعود إلى المودِعين دون سواهم!".
ويكشف أن "خطة صندوق النقد هدفت إلى "فرط السُبحة" منذ اليوم الأول، كي لا يبقى أي قطاع صامداً في لبنان. ولو نجحوا في ضرب المصارف وتجريده من كل شيء، لكانت هيكليته انهارت نهائياً وانهار كل شيء معها... لكن القطاع المصرفي بقي صامداً محافظاً على استمراريّته، وكذلك الاقتصاد عاد وانطلق مجدداً عبر كتلة نقدية مُدَولرة، وأصبح الاقتصاد مدولراً أكثر من السابق حين كانوا ينتقدون الدولرة دفاعاً عن الليرة اللبنانية... لكن عندما رأى المنتقدون حجم الكتلة النقدية الهائل بالليرة وتحميلها بالأكياس لتغطية تكاليف التبادل التجاري وغيره، عادوا حاملين لواء الدولرة، وتأقلمت السوق معها لتبقى المصارف وحدها خارج النمو والأرباح... الأمر الذي استنفر الجانب الأميركي ليُعلن أن ليس المطلوب إبقاء السوق خارج المنظومة المصرفية وتركها مفتوحة على الفوضى و"الفلتان المالي"!".
في غضون ذلك، يُضيف المصدر، "لا يزال صندوق النقد متمسّكاً بـ"أسطورته" المرتكزة على ضرورة إعادة هيكلة المصارف، وأغفل الصندوق أن المصارف قد تمت هيكلتها وانتهى الموضوع... إذ كل مصرف تراجع حجمه إلى النصف وصرف نصف موظفيه، كما أنه باع أحد فروعه في الخارج أو أحد عقاراته لتأمين استمراريّته... في حين طُلِب من المصارف إعادة رسملتها بالدولار النقدي! فأي مصرف سينجح في إعادة رسملته بالدولار "كاش" في ظل غياب الإصلاحات وعدم انتخاب رئيس للجمهورية حتى اليوم، ولا حتى تعيين حكومة فاعلة كاملة الصلاحيات؟!".
كما يشير في السياق، إلى "أن غالبية كبار المقترضين سرقوا أموال المودِعين - تماماً كما أعلن النائب السابق وئام وهاب - عندما اقترضوا بمليارات وملايين الدولارات وسدّدوها بالـ"لولار" تحت ضغط قضائي مُحكَم! فلو سدّدوها بالدولار الأميركي لكانت المصارف ردّت 50 في المئة من الودائع. فكبار المقترضين يستمرون في استنزاف الودائع الموجودة، خوفاً من تغيير القانون المرعي الإجراء"، مستعرضاً مسحاً حدّد كيفية صرف الحجم الأكبر من الأموال على النحو الآتي: 20% تسديد ودائع إنسانية كجامعية وغيرها، 20% كانت موجودة في الخارج صُرفت، 10% خسائر تمت تغطية الجزء الأكبر منها... أي نسبة 50% استفادت من الوضع، إضافة إلى رفد بعض المقترضين المصارف بالشيكات بدل إعطائها الأموال النقدية بالدولار...
في خلاصة العرض، يكرّر المصدر القول إن "الدولة لم تحرّك ساكناً طوال السنوات الأربع الأخيرة وحتى اليوم... كل ما فعلته هو فرض ضرائب جديدة وزيادة أخرى قائمة، وهنا يجدر السؤال ماذا تقدّم الدولة للشعب كي تزيده أعباءً ضريبيّة هو في غنى عنها في ظل الظروف القاسية التي يمرّ بها من النواحي الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية... حتى إصلاح الطرقات يتم بمبادرات مناطقية فردية! ماذا توفّر الدولة لمواطنيها كي تفرض عليهم زيادة في الضرائب والرسوم وأخرى جديدة؟!".
ويتابع: لقد خرج الاقتصاد بكل قطاعاته، من الأزمة التي أصابته في الصميم، علماً أن ذلك لا يعني أن الأزمة قد حُلَّت، لكن الوضع الاقتصادي قام من كبوته وتخطى مرحلة الانهيار التي استعرت منذ أربع سنوات، ودوزنت القطاعات نشاطها "بالتي هي"... إلا الدولة لم تفعل شيئاً طوال تلك الفترة ولم تضع رؤية أو خطط استراتيجية انطلاقاً من مسؤوليّتها اتجاه مواطنيها واقتصادها... بل لا تزال الفوضى على حالها، وكل إداراتها ومؤسساتها العامة في حالٍ من التخبّط... مجهولة المصير!
في ضوء هذه الوقائع، لم يفهم صندوق النقد حتى الآن، أن وضع البلاد يتطلب وصفة جديدة بعد أربع سنوات من الانهيار، يختم المصدر المصرفي بعد أن يسأل "ماذا يريد صندوق النقد؟ هل يريد إفلاس لبنان، حتى إذا ما أنتج الغاز والنفط بكميات تجاريّة، يكون مرهوناً من جيل إلى جيل؟!".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|