هل ضعُفَت القدرة الردعية الإسرائيلية لـ"حزب الله"؟
تعتقد باحثة جدّية في مركز أبحاث أميركي مهم أن مرحلة من الهدوء النسبي أعقبت حرب تموز 2006 التي شنّتها إسرائيل على لبنان و"حزب الله" فيه، وهي لا تزال مستمرة. وتعزو ذلك الى انشغال "الحزب" بتنفيذ استراتيجيا الجمهورية الإسلامية الإيرانية حليفته في المنطقة بدءاً بسوريا الأسد التي شهدت ثورة شعبية عارمة عليها كادت تطيحها عام 2011. وتوسّع نشاط "الحزب" لاحقاً فشمل العراق واليمن ولا سيما بعدما شنّت المملكة العربية السعودية وحلفاء لها حرباً على حوثييه حلفاء إيران عام 2015 بعد نجاحهم في السيطرة على التحرّك الشعبي الواسع ضد نظام علي عبد الله صالح وإقامتهم "دولتهم" فيه. كما تعزوه أيضاً الى انشغال "الحزب" بتعزيز ترسانته العسكرية وخصوصاً في مجال الأسلحة الصاروخية التي أثبتت مقدرتها الردعية في حرب 2006، ولكن في جوّ من الهدوء ربما تلافياً لإثارة مخاوف أعدائها في المنطقة. لكن الباحثة الجدية نفسها تعتقد، استناداً الى معلوماتها، أن "حزب الله" استأنف أخيراً مقاربته الأكثر عدائية تجاه إسرائيل، إذ وجد نفسه بعد سنوات من القتال في الإقليم مضطراً، لأسباب تتعلّق بسمعته، للانخراط مرة أخرى في ما يسمّى "المقاومة" وذلك في وقت بدا فيه أن الردع الإسرائيلي له دخل مرحلة التآكل، علماً بأن إسرائيل كانت تعتبر حيازته الصواريخ الموجهة بدقة عالية خطراً عليها واعتزامه زيادة عددها والحصول على صواريخ أكثر تطوراً منها خطاً أحمر. لكنها رغم ذلك لم تنفّذ خطوات عسكرية عملية للحد من نجاحه على هذا الصعيد، فضلاً عن أن ردودها على استفزازاته في السنوات القليلة الماضية كانت "معيّرة" بدقة، موحيةً بذلك أنها "مردوعة" أو غير راغبة حالياً في جولة قتال عسكري جديدة معه. ومع ضعف الردع الإسرائيلي أصبح "حزب الله" أكثر تجرّؤاً. انطلاقاً من ذلك كان الاتفاق على الخط البحري الفاصل بين إسرائيل ولبنان لحظة مفصلية. وقد هدّد "حزب الله" في أثناء المفاوضات بواسطة أميركا بتنفيذ هجوم على "ورشة" الحفر والتنقيب الإسرائيلية على الغاز في "بحرها" إذا بدأت تصدير إنتاجها منه قبل التوصّل الى اتفاق مع لبنان على البلوكات النفطية والغازية. تسبّب التهديد بتأخير الضخ والتصدير نحو شهرين أي الى ما بعد توقيع اتفاق الترسيم.
الى ذلك، ترى الباحثة الأميركية الجدّية نفسها أن "حزب الله" أصبح أكثر تجرّؤاً في الأشهر الأخيرة من جرّاء الاضطراب أو الهيجان الشعبي الذي شهدته إسرائيل خلالها وهو لا يزال مستمراً. ذلك أنه اعتبر التظاهرات الشعبية الضخمة في تل أبيب والقدس وغيرهما ضد "المبادرة الإصلاحية للقضاء" إشارة الى انتهاء أو وفاة الحكم الإسرائيلي المتماسك. ولا شك في أن تقارير عن رفض طيّاري الاحتياط في الجيش الإسرائيلي العودة الى الخدمة إذا طُلب منهم ذلك أقنع "الحزب" بأن "الجاهزية" الدائمة الإسرائيلية للحرب قد ضعُفت.
هل للأسباب المُشار أعلاه دورٌ في دفع "حزب الله" الى معاودة استفزازه لإسرائيل التي زادت التشنّج والضغط على حدودها مع لبنان؟ يبدو أن "الحزب" قد غيّر وضعه وتموضعه وحتى موقفه وذلك بزيادته التوتر على الحدود مع إسرائيل، علماً بأنه منذ وجود قوات "اليونيفيل" في جنوب لبنان لم ينفّذ عمليات خرق للقرارات الأمنية لمجلس الأمن. لكن يبدو أن هذا الوضع تغيّر. فهو يُحافظ على قواعده العسكرية ومراكز مراقبته على الحدود ويُنفّذ تدريبات تقوم بها وحدات "الرضوان" وهي من قوات النخبة لديه. أما لائحة استفزازات الحزب في النصف الثاني من السنة الماضية فمذهلة وربما صاعقة، إذ إن مجموعات فلسطينية أطلقت صواريخ على إسرائيل من مناطق سيطرته في جنوب لبنان. وهو أطلق مسيّرات من دون طيّار الى الداخل الإسرائيلي وأطلق قذيفةً مضادةً للدبابات عبر الحدود. كما نصب خيمتين "عسكريتين" على أرضٍ "إسرائيلية". وحاول بعض العاملين معه تعديل الفاصل الحدودي. كما أنه فجّر قنبلة على طريق في مدينة مجدّو البعيدة 64 كيلومتراً عن لبنان.
هل ردّت إسرائيل على ذلك كله وبماذا؟ تُجيب الباحثة الأميركية نفسها أن ردودها كانت نسبية ومعيّرة وغير قاتلة. السبب هو أنها تركّز على إيران التي تُحرز تقدّماً مهمّاً في مشروعها النووي. يعني ذلك أن "حزب الله" لم يدفع شيئاً من جرّاء ما فعله ويفعله. وحظوظ تجدّد الاشتباكات تكبُر. ما الذي يمكن استخلاصه من ذلك كله؟ أمران، الأول أن قدرة إسرائيل على ضرب قوات "الحزب" في أي وقت صارت مردوعة أو بالأحرى لم تعد مُطلقة لأسباب كثيرة متنوّعة بعضها داخلي بعد انقسام شعبها على نحو كبير، كما بعد حرصها على عدم التسبّب بوقف مشروعها لاستخراج الغاز من بحر كاريش المتاخم لبحر "قانا" اللبناني. وبعضها الآخر خارجي مثل الحرص على تعميم "اتفاقات أبراهام" على دول عربية عدة ولا سيما المملكة العربية السعودية في الخليج.
في اختصار، يبدو أن إسرائيل و"حزب الله" ليسا في وارد الحرب الآن، محدودةً كانت أو شاملة، ولأسباب متنوّعة معروفة من العالم كله. أسطع دليل على ذلك مسعى الموفد الأميركي العالي المستوى آموس هوكشتاين في زيارته الأخيرة لبيروت لإقناع دولة لبنان و"الحزب" بتفاهم من 3 نقاط. الأولى سحب "حزب الله" خيمتيه من منطقة سيطرة إسرائيل، علماً بأن واحدة منها هي على خط الحدود تماماً، أما الثانية فداخل الخط الإسرائيلي بأمتار قليلة فقط. والمقابل لذلك انسحاب إسرائيل من أراضٍ لبنانية لم تحتلها في حرب سابقة واعتُبرت دائماً الجزء اللبناني من قرية الغجر. ويشمل الاتفاق الأرض غير المبنيّة والقسم الذي بنى عليه مواطنون سوريون "غجريون" يحملون هويّات إسرائيلية. وهذا أمرٌ كشفته وسائل الإعلام اللبنانية قبل وقت قصير.
سركيس نعوم- النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|