إقتصاد

التضخم وانهيار العملة مستمرّان لا محالة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

*المشروعان مجموعة من التدابير الطارئة والجزئية وحوافز خجولة غير كافية ومعزولة عن أي حلّ شامل وبرنامج متكامل واضح المعالم

*إستهداف الشعب مباشرة عبر رفع الضرائب غير المباشرة التنازلية والرسوم المتفرقة على السلع والخدمات، مقابل إعفاءات للمصارف والنافذين

*موازنتان خالِيتان من أي رؤية إقتصادية وبرنامج إصلاحي فعلي ومدروس يعيد الثقة إلى المواطن والمستثمر ويعالج تداعيات الأزمة

*موازنتان من دون فذلكة وقطع حساب ملازم، لا تراعيان شروط صندوق النقد الدولي بضرورة أن تكون الموازنة إصلاحية

*تدابير خجولة لتوسيع القاعدة الضريبية وزيادة الإمتثال من دون تدابير موازية لإصلاح النظام الضريبي ولا مراقبة لحسن التنفيذ

*موازنات شبيهة إلى حد التطابق مع سابقاتها التي مهدت الطريق وسرّعتها للإنهيار الكبير الذي نشهد فصوله تباعاً منذ العام 2019

*العجز سيتم تمويله إما عن طريق استحداث إيرادات جديدة وبالتالي ضرائب ورسوم إضافية تفرض على كاهل المواطن وتعيق الإستثمار والنمو... أو عن طريق طبع العملة وزيادة الكتلة النقدية مما قد يفاقم التضخم وانهيار العملة وزيادة الأسعار وإفقار المواطنين أكثر فأكثر!

 

 

أعدت الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين ALDIC دراسة اكدت فيها ان من يطلع على مشروعي قانون موازنة عام 2023 وقانون موازنة عام 2024 المتزامنين في الطرح والتوقيت، ويتمعّن في مضمونهما، يكتشف بما لا يقبل الشك أن المشروعين هما بمثابة صورة مصغرة وأمينة لوضع وواقع السلطة التنفيذية التي سوف تتبناهما. أي عجز وتخبط وتمنيات وتدابير إصلاحية معدومة أو خجولة غير كافية ومعزولة عن الواقع وبعيدة كل البعد عن أي حلّ شامل وبرنامج متكامل واضح المعالم للخروج من الأزمة المستفحلة وإعادة توازن مفقود ورفد الخزينة بإيرادات مستدامة وذكية وليس كما هي الحال الآن، من حيث التخبط والولوج الحتمي إلى الضرائب غير المباشرة التنازلية، التي تطعن بمبدأ العدالة الضريبية والعقد الإجتماعي وتنذر بالإنهيار الكامل وزوال الدولة ومؤسساتها. وفي ما يلي ابرز ما جاء في الدراسة:

 

لا رؤية ولا خطة

 

بالفعل، إن مشروعي موازنتي 2023 و2024 شبيهان بالموازنات التي سبقتهما لناحية تجلّي رغبة المشترع في تأمين ايرادات لتغطية النفقات التشغيلية، خصوصاً للقطاع العام، ولكن بمعزل عن أي رؤية واضحة وخطة متكاملة أو برنامج إصلاحي يؤمن مقومات تنمية إقتصادية وإجتماعية مستدامة ومعالجات ناجعة وفعّالة لمكان الخلل في النظام المؤسساتي. ويُعتبر هذان المشروعان، بالصيغة التي أقرّا بها في مجلس الوزراء، اعترافاً غير مباشر بأن التضخم وانهيار العملة الوطنية مستمرّان لا محالة.

 

 

وقد جاءت هاتان الموازنتان تكريساً وتمدّيداً للسياسة المالية نفسها المعتمدة سابقاً، ومن دون قطع حساب، مما يكرّر المخالفات الدستورية التي كانت سائدة سابقاً ولا تزال.

 ومما لا شك فيه أن هذين المشروعين، على غرار سابقهما (أي مشروع موازنة 2022)، خالِيان من أي رؤية اقتصادية وبرنامج إصلاحي فعلي ومدروس يعيد الثقة إلى المواطن والمستثمر ويبلسم جراح شعبٍ نازفٍ وتائه. وعليه، يتضمن المشروعان مجموعة من التدابير الطارئة والجزئية وحوافز خجولة غير كافية ومعزولة عن أي حلّ شامل وبرنامج متكامل واضح المعالم، للخروج من الأزمة المستفحلة كما ومخالفات وتضارب فاضحٍ في بعض الأحيان مع نصوص قانونية أخرى مرعية، والأخطر: عدم قدرة أي منهما على إحداث التغيير المنشود أو أقله المباشرة به كما وتقاعس في التنفيذ وتجنب أي تدبير من شأنه الإزعاج أو الإرباك أو المواجهة... موازنات رفع عتب وتبرؤ من المسؤولية ليس إلا !!!

 

 

مفعول التضخم

إن فحوى الموازنة 2023 على سبيل المثال يتمثل بإعادة النظر بالشطور الضريبية والتزيلات الملازمة مع إعطاء الصلاحية لمجلس الوزراء (نتيجة للإعتراضات على تفويض وزير المالية كما كان مقترحاً أساساً) لمتابعة موضوع هذه التنزيلات والشطور وتعديلها عند الإقتضاء بشكل يواكب التضخم السلبي الذي يحصل في لبنان، وذلك استناداً إلى نسبة التضخم الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي بناءً على اقتراح وزير المالية.

 

 

بلا قطع حساب

إن مشروعي موازنتي 2023 و2024، اللذين أتيا دون فذلكة وقطع حساب ملازم أو تفسير وافٍ، لا يراعيان شروط صندوق النقد الدولي بضرورة أن تكون الموازنة إصلاحية، إنما يستهدفان الشعب مباشرة عبر رفع الضرائب غير المباشرة التنازلية والرسوم المتفرقة على السلع والخدمات بشكل شامل تقريباً، فيما يعفيان المصارف والنافذين، لغاية تاريخه، من المحاسبة وتطبيق القوانين المصرفية والتجارية النافذة، ويحميان مصالحهم ويحمّلان عبء تكاليف هاتين الموازنتين للمواطنين، لا سيما الموظفين وذوي الدخل المحدود والمتقاعدين التائهين دون دخل أو تعويض، مع العلم أن معظم الشعب اللبناني أو أكثريته الساحقة قد أصبح في حالة فقرٍ مدقع.

 

 

مراعاة الظروف

صحيح أن المشروعين الآنفي الذكر قد حاولا إلى حدٍ ما مراعاة الظروف الصعبة السائدة، وتجنب زيادة الضرائب المباشرة، في ظل ما يسود من حالة ركود وانكماش وتضخم مفرط، إلا أن ذلك قد أتى بمعزلٍ عن خطة تعاف عادلة وموضوعية متوافق عليها. وكل ذلك من دون إيجاد حلٍ نهائي لسعر الصرف في السوق المحلي وتقلب العملة وتهاوي قيمتها، ناهيك عن التضخم المفرط وموضوع الودائع المحجوزة إن لم نقل الضائعة والمنهوبة.

 

بكل صراحة، كان يُؤمل بنقلة نوعية وإصلاح فعلي في المالية العامة من خلال موازنة شفافة وشاملة وعصرية، سيما أن الظروف الإستثنائية الراهنة كانت تحتم موازنة إستثنائية جريئة وخلاقة، لا موازنات شبيهة إلى حد التطابق مع سابقاتها التي مهدت الطريق وسرّعتها للإنهيار الكبير الذي نشهد فصوله تباعاً منذ حين.

 

 

مهام الدولة الأساسية

هذا، ومن المفروض البحث مقدماً في الموازنة، وبالتالي في إصلاح المالية العامة، وبشكل أخص في مهام الدولة الأساسية؛ فعليها يقع واجب حماية الاقتصاد الوطني، وتأمين الحماية الإجتماعية، ونشر العلم والمعرفة، وزيادة الثروة وحسن توزيعها بشكل عادل. كذلك عليها إعادة الإعتبار لصدقيتها وثقة المواطنين والخارج بها، وهذا الأمر يُكرّس بإصلاحات تشمل إجراءات طارئة وسريعة لخفض العجز وطمأنة الدائنين وتثبيت النقد ومكافحة الفقر المتفشّي وإعادة إطلاق العجلة الإقتصادية، ومن شروط ذلك، تأمين الواردات وترشيد الإنفاق عبر تحديد الحاجات الفعلية وقواعد وآليات الجباية والإنفاق، فضلاً عن المراقبة الفعّالة. فالموازنة هي الأداة الأساسية للمالية العامة، هي وسيلة للتدخّل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق البرامج والوعود التي التزمتها السلطات السياسية والتي يقتضي كما وفي كل ديمقراطية تشاركية أن تُحاسب على أساسها.

 

 

عملياً، المطلوب اليوم قبل الغد، وبالتزامن مع تنفيذ أي برنامج إنقاذي، خفض تدريجي في نسبة العجز إلى الناتج المحلّي قبل تأمين توازن الموازنة على المدى المنظور والوصول إلى فائض أولي سريعاً، بالإضافة إلى تنفيذ رزمة إصلاحات هيكلية وبنيوية وقطاعية أضحت معلومة المضامين والتفاصيل.

 

 

وهذا يحتم أن يكون مجموع النشاط الاقتصادي والاجتماعي موجّهاً بصورة سليمة وشفافة من خلال الموازنة. لذا يتعين على أي موازنة، لهذه السنة أو للسنوات المقبلة، أن تكون وسيلة لإطلاق الإصلاح الفعلي ولتنفيذ خطة التنمية المستدامة.

 

 

بعض التناقضات

ومن جهة ثانية، وكمثال على التناقضات التي تعتريهما، يعتمد مشروع موازنة 2023 مثلاً (ومشروع موازنة 2024 شبيهاً له لهذه الناحية) على بعض التدابير الخجولة الآيلة إلى توسيع القاعدة الضريبية وزيادة معدّل الإمتثال من دون إعتماد ما يلزم من تدابير موازية لإصلاح النظام الضريبي ومراقبة حسن تنفيذ تلك التدابير لكي لا تبقى حبراً على ورق كما هو معتاد وذلك، لجعل هذا النظام أكثر عدالة ولتنويع الإيرادات. وكان من المتاح مثلاً، لو كانت نية التغيير والإمتثال والإلتزام فعلية وجادة، مكننة الإدارة الضريبية وتمكينها من خلال وسائل متطورة وحديثة لا سيما من خلال تفعيل إجراءات تطبيق القانون رقم 55 تاريخ 27/10/2016 لتبادل المعلومات الضريبية، بشكل يتلاءم مع ما هو مطلوب من قبل المنتدى العالمي للشفافية وفي المعاهدة المتعددة الأطراف (MAC)، بحيث تقوم الدولة ممثلة بوزارة المالية، من جهة وتمهيداً، بطلب التبادل غب الطلب في ما خص الحالات المشبوهة أو المشكوك فيها. ومن جهة ثانية، تطبيق ما تبقى من شروط وإلتزامات محددة في خطة العمل المتوافق عليها مع المنتدى للوصول إلى المرحلة الثالثة من تقويم الالتزام (Pier review) ليتسنى تلقي المعلومات العائدة للمقيمين في لبنان، عن طريق التبادل التلقائي السنوي للمعلومات (CRS وMCAA).

تمويل العجز؟

وأخيراً وليس آخراً، تقتضي الإضاءة على عجز الموازنتين المرتقب من دون أي تفسير أو توضيح على كيفية تغطية هذا العجز وتمويله، علماً أن الدولة اللبنانية في حالة توقف غير منظم عن الدفع منذ آذار 2020 وغير قادرة على الإستدانة، لا من الداخل ولا من الخارج وذلك، قبل الإتفاق مع صندوق النقد الدولي البعيد المنال، كما أنه ليس في استطاعتها الإتكال على تمويل مصرف لبنان بعد موقف الحاكم الجديد بالإنابة الرافض لأي تمويل غير قانوني، مما يعني أن هذا العجز سيتم تمويله، إما عن طريق إستحداث إيرادات جديدة، وبالتالي ضرائب ورسوم إضافية تفرض على كاهل المواطن وتعيق مسار الإستثمار والنمو، أو عن طريق طبع العملة وزيادة الكتلة النقدية البالغة 58 تريليون ليرة تقريباً حالياً، مما قد يفاقم التضخم وانهيار العملة وزيادة الأسعار وإفقار المواطنين أكثر فأكثر، في غياب أي بوادر تحسن للنمو والحركة الإقتصادية الفعلية والمنتجة في المدى المنظور.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا