مشوار السوق بده شوال مصاري.. هكذا يحمل السوريون أموالهم
بعد سنوات مريرة من الحرب، أجبر التضخم وانهيار العملة المحلية ملايين السوريين على تغيير عاداتهم.
فلم تعد النساء يحملن محفظة النقود الصغيرة، لعدم جدواها.
هذا ما أكدته أمينة الياسري التي اشترت حقيبة كبيرة تستوعب كمية أكبر من النقود التي باتت تضطر إلى حملها من أجل التسوق اليومي لشراء السلع الأساسية في ظل غلاء الأسعار.
وقالت السيدة التي تعمل مدرسة للغة الروسية في معهد خاص بدمشق، لوكالة أنباء العالم العربي "فوتة (مشوار) السوق صار بدها شوال مصاري (نقود)"، مشيرة إلى صعوبة شراء السلع الأساسية نظرا لغلاء الأسعار وانخفاض قيمة الليرة السورية.
كما أردفت "في كل مرة أذهب إلى غرفة المحاسبة لأقبض راتبي الشهري وأطلب أن يكون من فئة خمسة آلاف ليرة، وهي أكبر فئة نقدية من العملة المحلية، لا أحصل سوى على رزم جميعها من فئة 500 ليرة تزن كيلوغراما واحدا تقريبا، وهو ما جعلني بحاجة لحقيبة يد كبيرة سعرها بنصف الراتب الذي سيوضع بداخلها شهريا".
وتابعت قائلة بنبرة ساخرة "عندما أرى حقيبتي مكدسة بالنقود أتوهم بأنني من أصحاب الثراء إلا أن مبلغ 500 ألف ليرة الذي أقبضه لا يكفي أسبوعا واحدا فقط لشراء المواد الغذائية والأساسية لعائلتي".
معاناة أمينة ليست فردية، بل إن الكثير من الموظفين وغيرهم من التجار وشركات الصرافة يعانون من أزمة تتعلق بتداول العملة المحلية التي تواصل الانهيار أمام العملات الأجنبية.
وقال مهند سليمان، الذي يملك مخزنا لتجارة الملابس في حي البرامكة في دمشق، إن ضعف العملة الورقية بات يشكل أزمة حقيقية ومسألة معقدة، سواء للزبائن أو للعاملين في المخزن.
كما أضاف "يأتي الزبائن لشراء ما يملأون به محلاتهم الصغيرة، يحملون معهم ثمن البضاعة التي يمكن أن تكون 75 مليون ليرة في أكياس وحقائب، ولكن المشكلة ليست هنا، إنما تكمن في عد هذه المبالغ الذي يستغرق أحيانا ساعة رغم وجود العداد الآلي".
من جهتها، أوضحت الباحثة والأستاذة بكلية الاقتصاد رشا سيروب أن البعض بات يرفض التعامل بالعملات الصغيرة التي فقدت قوتها الشرائية رغم أنها ما زالت مقبولة قانونيا، وقالت "الإشكالية الفعلية الحاصلة هي في إحجام بعض الأشخاص والأنشطة عن قبول هذه العملات كأداة لتسديد المدفوعات". وعزت زيادة التضخم إلى العديد من الأسباب المتشابكة والمترابطة، معتبرة أن أحد الأسباب الأساسية يتمثل في "رفع أسعار حوامل الطاقة (النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي والكهرباء) التي أدت إلى رفع تكاليف الإنتاج".
كذلك، من بين أسباب التضخم الأخرى، وفقا لأستاذة الاقتصاد، تحول سوريا إلى اقتصاد استهلاكي يعتمد على تلبية الاستهلاك المحلي عن طريق الاستيراد، إضافة إلى سعر الصرف. وأضافت أن انخفاض العرض هو أحد أسباب التضخم.
بدوره، أرجع الخبير الاقتصادي عامر شهدا موجات التضخم التي تشهدها سوريا إلى القرارات الحكومية برفع الأسعار من أجل زيادة مواردها، مضيفا أن هذه الموارد لا تُستخدم في تمويل مشاريع إنمائية "وإنما تُستخدم في تغطية العجز في الموازنة". وقال "عجز الموازنة يتعلق بالهدر وعدم وجود شفافية أو قواعد بيانات يمكن من خلالها حساب الاحتياجات الحقيقية للبلاد"، وهي أمور يرى أنها تشكل 50 بالمئة من أسباب التضخم في سوريا.
في المقابل، رأت سيروب أن التحول إلى الدفع الإلكتروني وسيلة تعكس تقدم الدول وترسي مبادئ الشفافية في المعاملات التجارية وتساعد المؤسسات الحكومية على معرفة الأرقام الضريبية الحقيقية والفعلية.
وأكدت ضرورة تحول سوريا نحو الدفع الإلكتروني "خاصة أننا في القرن 21، وهو أمر له الكثير من الإيجابيات ويقلل الفساد، كما أنه يمكن أن يساعد الحكومة في تحصيل مستحقاتها الضريبية".
غير أن شهدا يرى أن تأثير الدفع الإلكتروني على التضخم في سوريا سيكون بطيئا وحلا طويل الأمد نتيجة الافتقار إلى ثقافة الدفع الإلكتروني وعدم وجود بنية تحتية تساعد على ذلك.
يذكر أن سعر الصرف في البلاد انخفض من حوالي 47 ليرة للدولار في 2010 إلى أكثر من 15 ألف ليرة للدولار هذا العام، ما فاقم من التضخم وتدهور قيمة العملة المحلية.
إذ قفز معدل التضخم إلى 228 بالمئة، وفقا لخبراء اقتصاديين أميركيين. علما أن المصرف المركزي السوري لم ينشر في موقعه على الإنترنت أي بيانات عن التضخم منذ أغسطس آب 2020، عندما قفز إلى ما يقرب من 140 بالمئة على أساس سنوي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|