الصحافة

سقوط "قره باغ" غيّر وجه القوقاز

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

النّصر السّريع والحاسم لأذربيجان الذي أعادَ إقليم "قره باغ" إلى السّيادة الآذريّة، استندَ إلى مصالح إقليميّة ودوليّة تشابك فيها السّياسيّ والعسكريّ والمالي. هذه المصالح تمتدّ من تركيّا وإيران وروسيا وتتصل بدور الولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا في آسيا الوسطى والقوقاز.
بحسب معلومات لـ"أساس"، فإنّ قرار الانقضاض على أرمن "قره باغ"، بدأت حكايته من اللقاء الذي جمَع الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين مع نظيره التّركيّ رجب طيّب اردوغان في سوتشي، واستتبع في اللقاء الذي جمَع وزيري خارجيّة طهران حسين أمير عبداللهيان وأنقرة حقّأن فيدان مطلع أيلول الماضي.

في المعلومات أنّ صياغة القرار كانَ لها مستويات سيّاسيّة – عسكريّة عديدة:
أرمينيا التي تقع على الحدود مع روسيا وإيران وتركيا وأذربيجان غامرَت في الاقتراب من الغرب وتحديداً واشنطن وباريس ومع اتخاذ موقف ضدّ موسكو في حربها على أوكرانيا. وجهٌ من وجوه هذه المغامرة كان في الزيارة التي قامت بها زوجة رئيس الوزراء الأرمني نيكون باشنيان إلى العاصمة الأوكرانيّة كييف، ولقائها بالرّئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي.

1- طلبَت يريفان من واشنطن وباريس القيام بمناورات مُشتركة. ولئن وافقت واشنطن على الطّلب الأرمني، فإنّ باريس طلبت أن يكون لها حضوراً عسكريّاً على الأراضي الأرمنيّة، بحسب ما ذكر مصدرٌ إقليميّ واسع الإطلاع لـ"أساس".
2- الطّلب الفرنسي للتواجد العسكريّ في أرمينيا لا ينفصل عن التّوتّر الذي بلغَ أشدّه مع هجوم الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إيران، وذلك بعد تقارير تحدّثت عن دور الأخيرة في الانقلابات المُتعاقبة التي أسقطت حكومات موالية لفرنسا في القارّة الأفريقيّة. ترافق هذا الاشتباك السّياسيّ الفرنسيّ – الإيرانيّ مع احتدامه في لبنان يتعلّق بانتخابات رئاسة الجمهوريّة، فبعد أن كان الطرفان يتمسّكان بمرشّح واحد، فقد انسحبَت فرنسا من تأييدها لتُعلن أنّها وسيطٌ ولم تعد طرفاً.

كان أبرز محطّات هذا التشنّج، الانتقاد الذي وجهه وزير الخارجيّة الإيرانيّ من سفارة بلاده في بيروت للرّئيس الفرنسيّ، داعياً إيّاه للاهتمام بشؤون بلاده، وعدم التدخّل في لبنان.
3- قدّم باشنيان التزامات لواشنطن بتنفيذ العقوبات الأميركيّة على الحسابات الإيرانيّة في مصارف بلاده. كما تعهّد بعدم إبرام أيّ صفقة عسكريّة مع طهران، خصوصاً لجهة شراء مُسيّرات إيرانيّة، كانَت يريفان كشفت عن نيّتها اقتناء هذا النّوع من الأسلحة.
وعلى الرّغم من أنّ هذه الالتزامات لم تتحوَّل إلى وقائع، إلّا أنّها سارعَت في التّقارب الثّلاثي لرفع الغطاء عن أرمينيا والسّكوت عن الهجوم الأذربيجاني على الإقليم.
4- في اللقاء الذي جمَع عبد اللهيان وفيدان، حضرَت كلّ الأسباب المُتقدّمة في النّقاش الذي أفضى إلى اتفاقٍ تعهّد من خلاله وزير الدّبلوماسيّة التّركية لنظيره الإيرانيّ بتحييد ممرّ "زنغزور" الحدوديّ عن أيّ عمليّة أذربيجانيّة تطال إقليم "قرّه باغ". لكنّه لم يُقدّم أي ضمانات مُستقبلية تتعلّق بحق أذربيجان بإقليم "نخجوان" الآذريّ الواقع ضمن الحدود الأرمنيّة الحاليّة.
5- طلبَ عبد اللهيان من فيدان الحصول على التزامات من باكو، تضمن عدم استخدام أراضيها في أيّ عمل عسكريّ أو أمنيّ إسرائيلي أو أميركيّ ضدّ إيران. وقد ظهر التوافق بين الطّرفين على هذا الموضوع من خلال وزير الدّبلوماسيّة الإيرانيّة من أروقة الأمم المُتحدة في نيويورك، إذ أعلنَ أنّ بلاده تعترف بالسّيادة الأذربيجانيّة على إقليم "قره باغ". وذلكَ بعد لقائه نظيره الأرمنيّ على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة.
6- حصل هذا في الزّيارة التي قامَ بها وزير الدّفاع الرّوسيّ سيرغي شويغو إلى طهران في اليوم الذي بدأ فيه الهجوم على الإقليم.
بحسب المعلومات، نقل شويغو لطهران ضمانة بلاده لما اتفقَ عليه عبد اللهيان وفيدان مطلع الشّهر. وكذلك مضمون اللقاء بين بوتين وأردوغان، والتّفاهم حولَ إسقاط الإقليم موضوع النّزاع الآذري – الأرمني.

النّتائج السّياسيّة
بحسب المصدر، فإنّ ما حصلَ لا يعني قيام تحالف عسكريّ – سيّاسيّ ذا بُعد استراتيجيّ، إنّما هو تفاهم سيّاسيّ – عسكريّ، قامَ على مبدأ "إسقاط" وجود قاعدة أميركيّة – غربيّة في وسط آسيا تُهدّد نفوذ تركيا وروسيا وأذربيجان. وهي دُول تعاني من حروب حدوديّة وضغوطات اقتصاديّة.
إذا كانَ سقوط "قرّه باغ" غيّر وجه القوقاز، فإنّ التداعيات وصلت إلى داخل أرمينيا، إذ باتَ يُعاني رئيس وزرائها ضغطاً داخليّاً عبر تحميله مسؤوليّة الهزيمة العسكريّة للأرمن. ذلك أنّه لم تُسجّل أي سابقة من هذا النّوع في تاريخ الصّراع الآذريّ – الأرمنيّ على الإقليم، حيث حُسمَت المعركة الفاصلة بساعات قليلة.

روسيا وإيران، اللتان دعمتا الأرمن طيلة السّنوات الماضية، تطمحان إلى إسقاط حكومة باشنيان المُقرّب من الغرب. وتستغل المُعارضة تخلّي الحليفيْن التاريخيين عن أرمن "قره باغ"، جرّاء سوء التقدير السّياسي والعسكري للحكومة، التي لم تجد الغرب المُنشغل في الحرب الأوكرانيّة إلى جانبها.
كذلك خفّض الاتفاق المرحليّ الروسيّ – التركيّ – الإيراني من توتر العلاقات بين باكو وطهران، والذي طالما كان مسار كباش سيّاسيّ وأحياناً عسكريّ غير مباشر في إقليم قره باغ، ووصلتا غير مرّة إلى مشارف الحرب المُباشرة.
إثر هذا التفاهم، أعلنت إيران وأذربيجان إعادة العلاقات بينهما إلى المستوى الطبيعي، بعد برودة لأشهر، عقب الهجوم الذي طال سفارة باكو في طهران. كذلك ارتفعت وتيرة اللقاءات السّياسيّة وتبادل الزيارات بين الجانبيْن، وكان آخرها الثّلاثاء الماضي حين زارَ أحد مُساعدي الرّئيس الأذربيجاني إلهام علييف العاصمة الإيرانيّة، وبحثَ مُستقبل التعاون بين البلديْن، وعلى صعدٍ مُختلفة بينها التنسيق الحدوديّ على ما قال المصدر لـ"أساس".

ولئن عادَت العلاقة الإيرانيّة – الأذربيجانيّة إلى مستواها الطبيعي، لكنّ معبر "زنغزور" الذي تأجّلت معركته، قد يكون فتيل التفجير مُستقبلاً، خصوصاً مع النيّة التركية – الأذربيجانيّة لوصل تركيا بدول "العالم التّركيّ" في آسيا الوسطى، والتي تُشكّل السّيطرة الأرمنيّة عليه عائقاً جغرافيّاً أمامها.

ابراهيم ريحان - اساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا