الذكاء الاصطناعي والطب: نقلة نوعية غير مسبوقة
أحدث الذكاء الاصطناعي نقلةً نوعية في عالم الطب لم نكن حتى لنتخيلها، تاركاً بصماته الإيجابية في تغيير هذا العالم نحو الأفضل، وتحسين كل شيء بدءاً من التشخيص إلى قرارات العلاج وصولاً إلى الرعاية الصحية، في صورةٍ مطمئنة تبشر بمستقبلٍ واعد يحمل المزيد من الإيجابيات في المجال الطبي.
ثورة في علم الأشعة
نشرت المجلة الأوروبية لعلم الأشعة مؤخراً، دراسة أُجريت في المملكة المتحدة، تقارن بين النتائج السريرية التي تمكن 30 متخصصاً في الأشعة من اكتشافها في 2848 عملية مسح معقدة للدماغ بالأشعة المقطعية بمساعدة وبدون مساعدة نظام التعلم العميق الذي أنشأته شركة "أناليس Annalise"، وهي شركة أسترالية للذكاء الاصطناعي لديها مكاتب في المملكة المتحدة.
النتائج كانت مذهلة طبعاً، إذ وجد الباحثون أن الذكاء الاصطناعي كان مفيداً بشكلٍ خاص في مساعدة أطباء الأشعة على تفسير أصعب عمليات فحص الدماغ. وكانت الفوائد أكثر وضوحاً عند مساعدة أخصائيي الأشعة في الكشف عن النتائج الدقيقة، وما لذلك من انعكاساتٍ مهمة على المرضى والأطباء.
أهمية الخلاصات العلمية التي توصلت إليها الدراسة، تحدث عنها نيك وزنيتزا، استشاري الأشعة في مستشفيات جامعة "كوليدج لندن" قائلاً "تضيف هذه الدراسة التي أُجريت بشكلٍ جيد دليلاً إضافياً يشير إلى أن أدوات الدعم السريري بالذكاء الاصطناعي دقيقة وتحسن مراجعة أطباء الأشعة للصور المقطعية للدماغ. كما أن المعلومات الإضافية التي قدمها الذكاء الاصطناعي لأخصائيي الأشعة لا يبدو أنها تزيد من الوقت المستغرق لمراجعة عمليات الفحص".
تشخيص الأمراض ووصف العلاج.. أمثلة مذهلة
يتطلب تشخيص الأمراض بشكلٍ صحيح سنوات من التدريب الطبي. وحتى في هذه الحالة، غالباً ما يكون التشخيص عملية شاقة وتستغرق وقتاً طويلاً. في العديد من المجالات، يتجاوز الطلب على الخبراء العرض المتاح بكثير. وهذا يضع الأطباء تحت الضغط وغالباً ما يؤخر وصف العلاج المناسب وتجنب تفاقم الوضع الصحي لبعض المرضى.
وقد حقق التعلم الآلي، وخصوصاً خوارزميات التعلم العميق مؤخراً، تقدماً هائلاً في تشخيص الأمراض تلقائياً، ما يجعل التشخيص أرخص وأكثر سهولة. وبدت هذه النتائج واضحةً في الكشف عن سرطان الرئة أو السكتات الدماغية بناءً على الأشعة المقطعية، وتقييم خطر الوفاة القلبية المفاجئة أو أمراض القلب الأخرى بناءً على مخططات القلب الكهربائية وصور التصوير بالرنين المغناطيسي للقلب، وتصنيف الآفات الجلدية في الصور الجلدية، إضافةً إلى العثور على مؤشرات اعتلال الشبكية السكري في صور العين.
حالياً، يستخدم مركز "ميموريال سلون كيترينج للسرطان" في الولايات المتحدة، نظام كمبيوتر يُسمى "واتسون أونكولوجي Watson Oncology" من تصميم شركة "أي بي أم IBM" المتخصصة في مجال تصنيع وتطوير الحواسيب والبرمجيات، يحدد أدوية لعلاج مرضى السرطان بكفاءة مساوية أو أفضل من الخبراء البشريين. ويمكنه أيضاً تحليل المقالات الصحفية للحصول على رؤى حول تطوير الأدوية إضافةً إلى تصميم العلاج.
وفي معهد "نايت للسرطان" التابع لجامعة "أوريغون" الأميركية، استطاع مشروع "هانوفر" التابع لشركة "مايكروسوفت"، تحليل البحوث الطبية وتوقع خيار العلاج الدوائي الأكثر فعالية للسرطان بكفاءة متساوية مع أي خبيرٍ بشري.
أما هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، فتستخدم من جانبها منصة" DeepMind" التابعة لشركة "غوغل" للكشف عن بعض المخاطر الصحية من خلال تحليل البيانات التي تم جمعها باستخدام تطبيق الهاتف المحمول. وتقوم هذه المنصة بتحليل الصور الطبية التي تم جمعها من مرضى هيئة الخدمات الصحية الوطنية بهدف إنشاء خوارزميات رؤية الكمبيوتر للكشف عن الخلايا السرطانية.
بدورها، أقرت جامعة "ستانفورد" الأميركية، بأن أداء خوارزمية الأشعة التي تستخدمها كان أفضل من أخصائيي الأشعة البشريين في تحديد الالتهاب الرئوي، بينما في مواجهة تحديات إدارة اعتلال الشبكية السكري (DR)، كان أداء نظام كومبيوتر الذي تستخدمه الجامعة موازياً لكفاءة أطباء العيون.
اكتشاف الأدوية
بالنسبة لشركات التكنولوجيا الحيوية، تُعدّ العمليات التقليدية لاكتشاف أدوية جديدة مجرد تخمينات مكلفة. لكن موجة جديدة من منصات تطوير الأدوية، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أضحت تساعد الشركات على استخدام مجموعاتٍ ضخمة من البيانات لتحديد علامات استجابة المريض بسرعة وتطوير أهداف دوائية قابلة للتطبيق بتكلفةٍ أقل وأكثر كفاءة.
يستغرق تطوير دواء جديد في المتوسط أكثر من 10 سنوات وإنفاق مليارات الدولارات. وتتمثل رؤية عدد من الشركات باستخدام الذكاء الاصطناعي لجعل اكتشاف الأدوية أسرع وأرخص. ومن خلال التنبؤ بكيفية تفاعل الأدوية المحتملة في الجسم والتخلص من المركبات غير المفيدة، يمكن لنماذج التعلم الآلي تقليل الحاجة إلى العمل المعملي المضني.
حالياً، يشهد العالم بناء مختبرات جديدة لاكتشاف الأدوية عبر الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء المعمورة. فمثلاً، افتتحت شركة "إكسينتيا Exscientia" العالمية للأدوية في العام الماضي مركزاً جديداً للبحوث في فيينا. وفي بداية هذا العام، افتتحت شركة "إنسيليكو ميديسين Insilico Medicine"، وهي شركة متخصصة في اكتشاف الأدوية ومقرها هونغ كونغ، مختبراً جديداً كبيراً في أبو ظبي. وإجمالاً، هناك حوالي عشرين دواء حول العالم تم تطويره بمساعدة الذكاء اصطناعي، وهو الآن في مرحلة التجارب السريرية أو سيدخل قريباً في تلك المرحلة.
تسريع التجارب السريرية
من الصعب العثور على مرشحين مناسبين للتجارب السريرية. وإذا ما قام الأطباء باختيار المرشحين الخطأ، فسوف يؤدي ذلك إلى إطالة أمد التجربة، ما سيكلف الكثير من الوقت والموارد.
يمكن للتعلم الآلي تسريع تصميم التجارب السريرية من خلال تحديد المرشحين المناسبين تلقائياً إضافةً إلى ضمان التوزيع الصحيح لمجموعات المشاركين في التجارب. كما يمكن أن تساعد الخوارزميات في تحديد الأنماط التي تفصل بين المرشحين الجيدين والسيئين. ومن الممكن أن تكون بمثابة نظام إنذار مبكر للتجربة السريرية التي لا تسفر عن نتائج حاسمة، ما يسمح للباحثين بالتدخل في وقتٍ مبكر، وربما إنقاذ عملية تطوير الدواء.
تحديد المستجيبين للعلاج
يستجيب المرضى للأدوية وجداول العلاج بشكلٍ مختلف. ومن الصعب جداً في بعض الأوقات تحديد العوامل التي يجب أن تؤثر على اختيار علاجٍ محدد لمريضٍ معين.
لكن التعلم الآلي بات بإمكانه أتمتة هذا العمل الإحصائي المعقد، والمساعدة في اكتشاف الخصائص التي تشير إلى حجم استجابة المريض لعلاجٍ معين. ويتعلم النظام ذلك من خلال الإسناد الترافقي للمرضى المماثلين ومقارنة علاجاتهم ونتائجهم. وبذلك، تسّهل هذه التوقعات على الأطباء تصميم خطة العلاج الصحيحة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|