عربي ودولي

القصة الكاملة لـ"كتائب القسام": مُقعدان غيّرا وجه الشرق الأوسط(1)

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكن ليخطر ببال عبد الله صيام عام 1952 أن الفتيان الذين يدربهم على شاطئ غزة سيخرج من بينهم مَن يؤسس لمرحلة اقتحام عسقلان التي تهجّر منها. ولن يكون هذا سوى الفتى الذي أُصيب بشلل نتيجة خطأ وقع أثناء التدريب، أحمد ياسين، ابن قريته الذي عاش يتيماً.

التأسيس والانتفاضة
قُتل العقيد صيام وهو يقود معركة خلدة عام 1982، وقد بعث برسالته الأخيرة "لقد التحم المقاتلون بالأيدي". في العام التالي، يُعتقل أحمد ياسين ويُحكم بخمسة عشر عاماً سجناً، بتهمة حيازة أسلحة والعمل على إزالة "إسرائيل"، لكن جنديين إسرائيليين من أصل ثمانية جنود أسرتهم حركة "فتح" في لبنان، جرى مبادلتهما عام 1985 بأستاذ اللغة العربية الذي بات يُعرف بالشيخ أحمد ياسين، إضافة إلى آلاف الأسرى. في يوم إطلاق سراحه، اختلى الشيخ ياسين ببعض أصدقائه وتلاميذه في غرفة ببيته المتواضع بحي الصبرة بغزة، وقال لهم "إن خروجي بصفقة تبادل يرسخ قناعتي بأنه لا يجب أن نتوقف يوماً عن الإعداد العسكري".

في 8/12/1987 دهسُ مستوطن إسرائيلي مجموعة من الفلسطينيين عند حاجز إيرز، ومقتل أربعة فلسطينيين سيفجر "انتفاضة الحجارة". اجتمع ستة قادة من قطاع غزة ليلاً، وقرروا إطلاق حركة المقاومة الإسلامية التي ستُعرف اختصاراً بـ(ح م س)، قبل أن تصبح "حماس". قرار الانطلاقة جاء بعد تشاور واسع مع قادة الخارج والضفة الغربية. وسيوكل تأسيس جناح عسكري إلى شاب اشتُهر بصلابته أثناء عمليات التعذيب في السجن قبل أعوام قليلة، إنه صلاح شحادة، ابن يافا المحتلة اللاجئ في مخيم الشاطئ بغزة.

لاعب الكاراتيه الحائز على الحزام الأسود، سيجمع أولئك الذين كان يُدرّبهم سراً ويحدثهم عن المقاومة، أو حتى يخوض معهم صحراء النقب بعيداً من العيون في "تجهيز نفسي على مرحلة مقبلة"، ويؤسس "المجاهدون الفلسطينيون". يطمئنهم أن السلاح لن يكون عائقاً رغم ندرته، أو حتى انعدامه. فتنطلق العملية الأولى في بداية نيسان من عام 1988 بحي الصبرة. ثلاثة من الاستخبارات الإسرائيلية قتلى. وقد أوقعت بهم سكاكين التنظيم العسكري الجديد.

في الأسر
تتصاعد عمليات هذا التنظيم، وأكثرها بالسلاح الأبيض، فيشن الاحتلال حملته الأشد ضد الحركة الوليدة في نهاية العام نفسه، ويعتقل المئات من بينهم صلاح شحادة، الذي أصرّ على عدم الاعتراف بمسؤوليته عن كل هذه العمليات، رغم تراكم الأدلة.

شهران مضيا من العام التالي، قبل أن تنفّذ الوحدة (101) في "المجاهدون الفلسطينيون" عمليتها الأكثر جرأة: أسر أول جندي إسرائيلي خلال الانتفاضة. اختاروا رقم (101)، في تطابق مع رقم الوحدة الإسرائيلية (101)، التي نفّذت بقيادة أرييل شارون مذبحة قبية عام 1953 في الضفة الغربية. النتيجة أن آفي سبورتس سُجّل كأول جندي يأسره الجناح العسكري لحركة (حماس)، جرى قتله لعدم إمكانية الاحتفاظ به.

قبل أن تصحو "إسرائيل" من صدمتها، كان جندياً آخر يقع في قبضة الجناح العسكري لحماس بشهر أيار من عام 1989، إنه إيلان سعدون الذي لم يُعرف مصيره إلا حين العثور على جثته بعد سبعة أعوام. اتهم الاحتلال صلاح شحادة بأنه يعطي أوامر أسر الجنود من داخل سجنه، وأخضعه لتعذيب شديد، من دون أن يعترف بمسؤوليته.

لكن حين واجهه قائد المنطقة الجنوبية اللواء إسحاق مردخاي في السجن وقال له "إن رجالك جبناء"، ردّ شحادة بانفعال "بل رجالك الذين بالوا وتوسلوا حين أسرناهم". رواية يرددها عناصر وكوادر الجناح العسكري لحركة "حماس"، للدلالة على أن مؤسس هذا الجناح صمد في جولات التعذيب، لكنه لم يحتمل التشكيك بصلابة عناصره.

ولادة الجناح العسكري
اعتقالات ستطال المئات من أعضاء الحركة، من بينهم الشيخ أحمد ياسين. يأتي الغوث هذه المرة من ولاية فرجينيا الأميركية. طالب الدكتوراه في الهندسة الصناعية موسى أبو مرزوق، المولود في مخيم رفح، والمهجرة عائلته من مدينة الرملة، يذهب إلى غزة مباشرة متخفياً، ويبدأ الاتصال بمن لم تطله الاعتقالات، ويعيد تشكيل التنظيم. ثم في زيارة أخرى، تقرر فصل العمل العسكري عن بقية الأعمال الإدارية، وأُطلق في أيار عام 1991 على المنضمين إليه "كتائب الشهيد عز الدين القسام".

اختيار الاسم لاعتبارات عديدة، أولاً للحضور الغائر لابن مدينة جبلة السورية الشيخ عز الدين القسام في الوجدان الفلسطيني، فمقتله نهاية عام 1935 في أحراش قرية يعبد قرب مدينة جنين، أشعل الثورة الفلسطينية الكبرى. وهو أيضاً السوري الذي يعطي للمعركة بعدها المابعد وطني، وثالثاً لما تتركه رمزيته الدينية من تأثير تعبوي على أفراد القسام. ورابعاً حاجة "حماس" الماسة بأن تثبت أنها امتداد لثورات الشعب الفلسطيني، في رد على الاتهامات بأنها نأت بنفسها عقوداً عن الصراع.

في شهر تموز من العام التالي، يتم إرسال محمد صلاح، من ولاية شيكاغو إلى الضفة الغربية، فيتصل بصالح العاروري، ويتم تأسيس تشكيلات للمقاومة هناك. يُعتقل العاروري ويمضي بالسجن 15 عاماً، قبل إبعاده، كما سيُعتقل صلاح بعدها ويمضي أعواماً بالسجن. يدّعي كاتبان إسرائيليان هما روني شكيد وابيبيا شابي أن كتائب القسام أنشأت سراً في الولايات المتحدة معسكراً لتدريب عناصرها، وإن صحت تلك الادعاءات فقد تكون المحاولة الأولى لإنشاء بنية عسكرية لحماس خارج فلسطين. ما يعطي مصداقية لكلامهما أن بعض من تدربوا في الولايات المتحدة نفذوا عمليات في فلسطين.

توافَق مشروع تأسيس كتائب القسام في الضفة الغربية مع رؤية العاروري واثنين كانا معه في السجن عام 1990. ثلاثتهم من رام الله، توصلوا بعد حوار مطوّل لخلاصة أن العمل الشعبي يمكن أن يتراجع، ولا بد من إطلاق عمل عسكري. إضافة للعاروري فإن الشخص الثاني هو عادل عوض الله الذي درس الرياضيات واغتيل عام 1998. أما الثالث فهو إبراهيم حامد الذي أتم دراسة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، وعاش مطارداً حتى عام 2006، حين قُبض عليه وحُكم بالسجن المؤبد 54 مرة.

النقلة النوعية
قبل انطلاق كتائب القسام بعامين، وبعد انطلاقتها مباشرة، تكثفت العمليات ما بين دهس وقتل بالسلاح الأبيض، أبرزها عملية طعن عامر أبو سرحان لمجموعة من الجنود في القدس، وقتل ثلاثة منهم عام 1990، وتعتبر كتائب القسام العملية بداية التأريخ لما تسميه "ثورة السكاكين".

ستحدث نقلة نوعية في عمل الجناح العسكري لحركة "حماس" مع خروج شاب فلسطيني من السجن في العام نفسه، ولم يكن يبلغ العشرين من عمره. ابن مخيم جباليا، عماد عقل، الذي سيصبح المطلوب رقم 1 في عام 1991. نفّذ أكثر من 40 عملية ضد أهداف إسرائيلية، قتل خلالها 15 إسرائيلياً وجرح العشرات، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين بالأسطورة.

عرفه الفلسطينيون بـ"الملثّم"، وهو يظهر في أفلام تسجيلية يهدد الاحتلال بعد كل عملية، وغالباً ما يحمل بندقيته الكارلو التي استهدف فيها قائد قوات الاحتلال في غزة، وهي قد تكون أول عملية مصورة في تاريخ الصراع الفلسطيني مع الاحتلال. يتنقل بين غزة والضفة والقدس، يؤسس المجموعات العسكرية، وينفّذ العمليات الجريئة من غزة إلى الخليل. راجت حينها عبارة القتل من مسافة صفر، كناية عن جرأته في الاقتراب من الذين يستهدفهم.

الشاب الذي شغل الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء طيلة أعوام، سيُقتل في اشتباك مسلح أثناء تواجده في منزل عائلة صديقه نضال فرحات في غزة نهاية عام 1993. أما نضال فسيصنع أول صاروخ قسام بعد ذلك بسنوات ثماني، ويُغتال عام 2003 وهو يحاول صناعة طائرة مسيرة. وستُصبح والدته رمزاً من رموز كتائب القسام بعد تداول تسجيل مصور لها وهي تودّع ابنها محمد قبل اقتحام مستوطنة عتصمونا، وتوصيه بكيفية إطلاق النار، فيقتل 9 جنود إسرائيليين ويجرح حوالى العشرين.
(يتبع)

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا