عيترون تفرغ من سكّانها: خوف وقلق
لا يهدأ الطيران التجسّسي فوق عيترون والقرى الجنوبية، ويؤرق صوته الأهالي، تخرقه بين الحين والآخر غارات على أطراف البلدة، وآخرها استهداف مسيّرة إسرائيلية سيارة «رابيد» كانت تقلّ عمّالاً سوريين ولبنانيين كانوا في طريقهم لتفقّد مزرعة دجاج حيث يعملون، غير أنّها لم تصبهم بشكل مباشر، فقط حاصرتهم، وبصعوبة تمكّن عناصر من الصليب الأحمر من سحبهم.
التطوّر الدراماتيكي للمعركة اليوميّة حوّل عيترون بلدة خالية من السكّان الذين يشبّهون الحياة داخلها بلعبة قمار على الحدود، في تأكيد واضح على خطورة الوضع، بعدما بدأت الأمور العسكرية تتدحرج بسرعة كبيرة، وإن لم تصل إلى حرب مفتوحة.
حال من الرعب تسيطر على البلدة الفارغة نسبياً من سكّانها، وهدوء يرافقك في تجوالك فيها. يبلغ تعداد سكّانها 2000 نسمة تقريباً، رفض 250 شخصاً منهم المغادرة بحسب الأهالي.
ما يقلقهم، ليس الحرب بعناوينها العريضة، بل المناوشات اليومية، وهذا يجعل المعركة تطول أكثر. بعد تجاوزك وادي الحجير الذي بدا فارغاً، إلّا من بعض الرعاة، تتّجه صعوداً نحو عيترون، لطالما وقف سكّانها في وجه الانتهاكات الفاضحة لإسرائيل عند «الخط الأزرق»، كان آخرها قبل شهرين تقريباً. حقول التبغ ترافق العابر نحو البلدة، تختفي حركة السيارات منها، فالحذر يسيطر عليها، كما على القرى المجاورة؛ ميس الجبل وحولا، اللتين تتعرّضان للقصف يومياً.
في الطريق نحو عيترون تصادفك محطات محروقات مقفلة، وصيدليات أغلقت أبوابها ومحال تجارية توقّفت عن العمل. الحركة التجارية معدومة، توقّفت الدورة الاقتصادية نهائياً، وهذا حكماً له تداعياته على سكان البلدة. بالكاد تجد عابر سبيل يمرّ على الطريق. من بقوا داخل البلدة يلتزمون منازلهم خشية تطوّر الأوضاع فجأة. يجهل الكلّ توقيت القصف، وهذا يسبّب مزيداً من التوتر.
لم تنسَ البلدة بعد معارك حرب تموز 2006 الدامية، ما زالت تلك الصورة عالقة في الأذهان، غير أن سيناريو الحرب اليوم مختلف. «زهقنا من الهرب»، تكفي كلمة غادة حجازي للدلالة على سبب بقائها في عيترون. تواصل قطاف الزيتون مع ابنها وزوجها من شجرة أمام منزلها، باقي الحقول المتاخمة للحدود قبالة الموقع الإسرائيلي محرّمة عليهم، بسبب القصف العشوائي. ترفض المغادرة «لأن المسألة غير واضحة، ولا أحد يعرف المدة الزمنية».
تغيّرت يوميات عيترون، لم تعد البلدة الصاخبة التي تعجّ بالحياة ليلاً ونهاراً، غيّرت الحرب المجهولة واقع أهلها، ومع ذلك يرفض يوسف إغلاق محلّه لإصلاح الدراجات الهوائية والنارية، «إذا أقفلنا كيف نعيش؟»، في محاذاته يجلس عدد من الشبان، يتابعون الأخبار، فالكلّ يترقّب تطوّرات الأمور، خاصة بعد تكثيف الاعتداءات على عيترون وميس الجبل وحولا، هذا الثالوث بات محطّ الأنظار نتيجة تعرّض المواقع الإسرائيلية المواجهة له لعمليات كثيفة.
على بعد أمتار قليلة من موقع المالكية يقف مصطفى مصطفى الستيني، يدخّن سيجارته، يتأمّل الحقول الفارغة والطرقات التي تخلو من المارّة، لم يغادر عيترون كما فعل أقرباؤه «لوين بدك تروح؟ بدك تتبهدل، أفضّل الموت في أرضي هنا». يمضي نهاره داخل القهوة بصحبة أصدقاء جيله، يلعبون الطاولة، ويحلّلون الأوضاع الأمنية، يؤكد «الحرب ما زالت عالجبال» أي على أطراف البلدة، لكنّ الخوف يسود ليلاً».
الحياة على الحدود بمثابة لعبة قمار بالنسبة الى مصطفى، وكذلك قاسم المصري الذي يعيش «على أعصابه» على حدّ وصفه «فالوضع خطير جداً، ولكن لن نغادر». اللافت في قرى القطاع الشرقي هو غياب تام لدوريات قوات الطوارئ الدولية عن الطرقات، لقد التزمت مقارّها فقط. لا يحسد أبناء عيترون على واقعهم، فهم يعيشون يومياتهم بطعم الخوف والقلق معاً، ومع ذلك يفضّلون البقاء في البلدة، لسبب بسيط «من يغادر يعِش الذلّ»، وهو ما يرفضه الكل.
رمال جوني -"نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|