تشريع إدارة البلد من دون المسيحيين
أكبر مخاوف الكنيسة المارونية في إطالة الشغور الرئاسي السابق بين 2014 و2016 كما في الشغور الرئاسي الحالي كان دوماً أن يعتاد اللبنانيون كما يعتاد الخارج غياب الرئيس المسيحي. أكبر المخاوف التي بدأت تتسرّب إلى "الانتليجنسيا" المسيحية راهناً لا سيما غير المتحزّبة والمراقبة بقلق التحولات في المنطقة وما يمكن أن تسفر عنه بقصد أو من دون قصد، أن يعتاد البلد والخارج معاً إدارة البلد (خصوصاً في زمن انهيار كارثي) من دون المسيحيين ولوقت طويل، ولا سيما مع التحول الخطر في قيادة الجيش مطلع السنة المقبلة كما حصل مع التحول في حاكمية المصرف المركزي. فإن تسيير إدارة هذه المرحلة الصعبة وما يليها في الأشهر المقبلة، من تاريخ البلد ولا رأي ولا كلمة ولا أي حضور مسيحي على أي مستوى في السلطة في الداخل وأكثر في الخارج، من شأنه أن يظهر أنه يمكن الاستغناء أو بالأحرى عدم توقف الحياة على كل مستوياتها في لبنان على ذلك.
لا بل يُعتقد أنه قد يكون مقدمة لمطالب بتغييرات مستقبلية يصعب الجدل في شأنها، لا سيما أن الوجود المسيحي في كل من فلسطين أو العراق أو سوريا تراجع على نحو مخيف على نار التطورات التي أكلت رصيد المسيحيين وحضورهم، ولو أن هذه التطورات لم تكن تستهدفهم في الأصل وكانوا أحد الأضرار الجانبية لهذه التطورات المأساوية، إذ يعمي الطموح السياسي الجارف للسلطة والرئاسة لدى البعض الرؤية فيما لا يمكن القول إن زعماء الأحزاب المسيحيين استقتلوا في الآونة الأخيرة من أجل الدفاع عما رأوه يوماً، ولا سيما التيار العوني، أنها حقوق المسيحيين.
وذلك فيما يتزعّم التيار إطاحة التمديد لقائد الجيش جوزف عون بغاية إطاحة احتمال انتخابه لرئاسة الجمهورية بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن الآخرين على الأرجح، وكان هو رأس الحربة في السعي على نحو مبكر إلى حصر التبعة الانهيارية بالحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة حجباً لمسؤولية عهد ميشال عون في قيادة البلد إلى الانهيار الكارثي، بغض النظر عن مدى مسؤولية سلامة في هذا الإطار أيضاً.
ولو أن هناك وعياً سياسياً شعبياً لوجب أن تنهال الأسئلة: أين تجد حقوق المسيحيين موقعها في هذا السياق وكيفية الدفاع عنها إزاء هذا الأداء في ظل الزعم بأن حكومة تصريف الأعمال يجب أن لا تقوم مقام رئيس الجمهورية، ولكن يُتاح المجال أمامها لتعيين رئيس الأركان لعدم وجوب ترك الجيش من دون قيادة ولو بالوكالة على رغم سعي وزير الدفاع ليكون رئيس الأركان موالياً له أو من يمثّله. ومن باب الإحراج المحتمل لموضوع حقوق المسيحيين لدى من صم آذان الناس بزعم الدفاع عنها، "الصمت" المطمئن لتولي رئيس الحكومة (وهي راهناً حكومة تصريف الأعمال المحدودة الصلاحية) جولة على الدول العربية تسويقاً لوجهة نظر لبنان وتفادياً لامتداد الحرب إليه فيما أمر مماثل كان ممنوعاً على رئيس الحكومة وفي وجود رئيس للجمهورية.
ثمة من يعتقد أنه رغم صعوبة توقع الانعكاسات لما يجري رغم الوضع الداخلي في لبنان، فإن هذا الأخير لم يخرج في أدبياته حتى الآن عن الإطار المعروف. ولكن التطورات الخطيرة الحاصلة ربما تحمل معها متغيرات، بحيث لا يصعب مقاربة الشأن الرئاسي في لبنان كما كان قبل هذه التطورات. هل سيبقى "حزب الله" فعلاً في حاجة إلى رئيس للجمهورية لا يطعن في الظهر حسب قوله فيما أظهر قدرته على إدارة إحدى المراحل الأكثر خطورة راهناً من دون وجود رئيس كلياً وفيما يعلن أنه يريد الرئيس غطاءً سياسياً له كما كان إميل لحود وميشال عون بالنسبة إليه أثبت عدم حاجته إليه أم الأمر مجرد انتصار سياسي له.
والسلطة لم تبخل بتظهير العجز الكلي من جهة لوجود قرار الحرب في مكان آخر، فيما مطالبتها بالتمسك بالقرار 1701 ووقف اعتداءات إسرائيل في ظل إعلان الحزب بنفسه عن مشاغلته العدو من الجنوب أمر سوريالي من جهة أخرى، لأن السياسة الخارجية لا تنفصل بدورها عن وجود قرار الحرب والسلم خارج الدولة. يُضاف إلى ذلك أنه لم يبرز أي مرشح رئاسي في لبنان ولا حتى أي رئيس محتمل للجمهورية يمكن أن يقول ما قاله رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني السبت الماضي. فهذا الأخير، بما ومن يمثل، حذّر أطرافاً لم يسمِّها من التجاوز على سلطات الدولة، (والمقصود القوى العراقية التي تطلق صواريخ ومسيّرات ضد القواعد الأميركية).
وقال إن الحكومة وحدها هي من تقرر موقف الدولة من أي حدث ومن أي أزمة إقليمية مشيراً إلى أن "موقف العراق الرسمي يهدف إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة وفتح ممرّات للإغاثة الإنسانية"، علماً بأن موقفه يتطابق ومواقف سياسية أخرى داخل الائتلاف الحاكم في الإطار التنسيقي ولا سيما رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ورئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، اللذين قالا إن "قرار الحرب والسلم صلاحية حصرية للبرلمان"، إذ يرفض العراق أن يتحول إلى لبنان في هذا الإطار رغم تعدّد أوجه الشبه في الأعوام الأخيرة. ولبنان حتى الآن لا يتمتّع بترف الحصول على رئيس لا يعترض على تغييب قرار الدولة في الحرب والسلم فحسب، بل يعترض حتى على تسليح مجموعات أو إتاحة المجال لمجموعات مسلحة من الجنوب في عملية استباحة كلية ليس لساحة الجنوب فقط بل لسيادة لبنان على نحو يسأل البعض ألا يمكن أن يكون تسليح هذه المجموعات أو إتاحة العمل المسلح لها حافزاً وسبباً لتسلح مجموعات طائفية أخرى. والخوف الأكبر أن يجد ترحيل قادة حركة حماس والتنظيمات الأخرى مكاناً في لبنان على ضوء الحلول للتطورات المرتقبة.
هذا كله كان في جوهر الصراع السياسي في سنة الفراغ الرئاسي الذي تمدد إلى مواقع مهمة أخرى، بحيث يخشى كثر أن الضغط أكبر بكثير على القوى السياسية المسيحية منها خاصة، ما لم تحسن لعب بعض الأوراق السياسية المتاحة.
"النهار"- روزانا بومنصف
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|