هل أنهت حرب غزة "حوافز" التطبيع مع إسرائيل؟
الحرة
مقترحات لدور سعودي
ويبرز التحليل ضغوطا يعيشها محمد بن سلمان في الداخل والخارج، إذ يدفع القادة الأميركيون والأوروبيون المملكة للقيام بدور قيادي في غزة ما بعد حماس، بينما تحث المجموعات الإقليمية والمحلية الرياض على دعم الفلسطينيين بشكل أكثر فعالية.
وفي هذا السياق، يقول، جيسون باك، في تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي، إن الغرب يجد في الحرب المستعرة في غزة، فرصة لا تعوض لإعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط السياسية.
ويعتقد باك أن الدبلوماسيين الغربيين الذين يخططون لليوم التالي بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة يجدون أنفسهم في مواجهة خيارين، إما استثمار الحرب لإضعاف أعدائهم فقط، أو السعي إلى إعادة تشكيل تكتلات القوى القائمة في المنطقة.
وبالنسبة للخيار الثاني، يقترح باك أن الحل الأمثل لمرحلة غزة ما بعد الحرب هو تشكيل إدارة قطرية مصرية سعودية إماراتية للقطاع، لقطع الطريق على إيران التي تدعم حركة حماس، وتشكل تهديدا أساسيا لإسرائيل، إلى جانب تقليم أظافر روسيا التي تسعى لاستغلال ما يجري لتوسع نفوذها في المنطقة.
ويرى باك بأن هذا السيناريو ينعش ويضفي الشرعية على محادثات السلام بين المملكة إسرائيل، والتي توقفت بسبب الحرب، خاصة القصف الإسرائيلي العنيف والمدمر الذي يستهدف المدنيين في قطاع غزة، والذي دفع الرياض إلى إدانته والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
لكن غاوس يشير في تحليله الذي نشرته فورين أفيرز إلى أن السعودية لا تملك القدرة ولا الرغبة في نشر قوات على الأرض في غزة ما بعد الحرب أو تمويل إعادة إعمار غزة على نطاق واسع.
واقترح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن الدول العربية يمكن أن تلعب دورا في إدارة غزة ما بعد الحرب. وقد بدأت بالفعل المناقشات الدبلوماسية على هذا المنوال.
وتدعو المقترحات الأكثر طموحا المملكة العربية السعودية إلى المساهمة بأفراد عسكريين وإداريين لحكم غزة بعد الحرب.
ولا تزال المقترحات الأكثر تواضعا تسند للسعوديين دور تمويل إعادة إعمار غزة، لكن الرياض لن تسمح بأن يُنظر إليها على أنها تعمل على تنظيف الفوضى الإسرائيلية في غزة.
ولا تتمتع قوات الأمن الداخلي السعودية بأي خبرة في العمل خارج حدودها، وفق غاوس، الذي أشار إلى أن الأداء الضعيف للجيش السعودي في اليمن لا يساهم في دعم فكرة نشره في أماكن أخرى. ولم تعمل القوات السعودية قط كقوات حفظ سلام تحت راية الأمم المتحدة.
ومن الممكن أن تكون السعودية على استعداد للعب دور مالي في الإدارة الانتقالية التي توافق عليها الأمم المتحدة والتي تؤدي إلى عودة سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة، وفق التحليل.
لكن هذا الدور لن يشبه صفقات المساعدات السعودية السابقة، والتي كانت بمثابة إغراق نقدي على العملاء المفضلين.
وقد أوضحت الرياض في المفاوضات الأخيرة مع مصر التي تعاني من ضائقة مالية أنها تفضل فرص الاستثمار، وليس التحويلات النقدية.
وسيكون نهج السعودية تجاه غزة مماثلا، كما يرى غاوس، ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتلطيف الصفقة بنوع المكاسب الدبلوماسية غير المتوقعة التي كانت الرياض تسعى للحصول عليها من واشنطن مقابل التقارب مع إسرائيل.
طموحات محمد بن سلمان وعقبات الصراع
ولا يمكن تحقيق أهداف محمد بن سلمان الاقتصادية الطموحة للمملكة إلا في شرق أوسط مستقر وفي ظل علاقات قوية مع الولايات المتحدة. وستشكل هذه الأجندة طويلة المدى مسار عمله في الصراع الحالي، وفق غاوس.
قبل هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل، خطت إدارة بايدن خطوات ملحوظة في جهودها للتوسط في الاعتراف السعودي بإسرائيل.
كانت هناك عقبات كبيرة في طريق التوصل إلى اتفاق، وهي المصالح المتباينة للأطراف الثلاثة. وكان السعوديون يطالبون بتحركات إسرائيلية ملموسة لتحسين الآفاق السياسية للسلطة الفلسطينية، على الأقل فتح إمكانية إجراء مفاوضات نحو حل الدولتين.
لكن هذا الأمر واجه صعوبا نظرا للتكوين اليميني المتطرف للحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث أن مثل هذه الخطوات لم تكن قابلة للتنفيذ، وفق غاوس.
وكانت مطالب الرياض من الولايات المتحدة أيضا بعيدة المنال، بما في ذلك ضمان أمني رسمي والمساعدة في بناء بنية تحتية نووية مدنية سعودية من دون الضمانات التي طلبتها واشنطن من الشركاء السابقين.
ومع ذلك، يقول تحليل فورين أفيز إن شعورا كان موجودا لدى الأطراف يوحي بإحراز تقدم. فقبل أقل من ثلاثة أسابيع من هجوم حماس، قال محمد بن سلمان لشبكة فوكس نيوز الأميركية "كل يوم نقترب أكثر" في إشارة إلى مفاوضات التطبيع مع إسرائيل.
ربما كان الأمر كذلك، لكن القضية الفلسطينية كانت ستشكل دائما عائقا، وفق غاوس، الذي يعتقد أنه على الرغم من أن المحرمات في دول الخليج ضد العلاقات مع إسرائيل قد تراجعت في السنوات الأخيرة، إلا أن الجماهير العربية لا تزال تهتم بالقضية الفلسطينية.
ولهذا السبب، وقبل حرب غزة، كانت الرياض قد أصرت على أنه سيتعين على إسرائيل أن تفعل شيئا جوهريا بشأن القضية الفلسطينية كشرط أساسي للتطبيع معها.
وفي أغسطس، عينت السعودية أول سفير لها لدى الفلسطينيين، وهي خطوة فسرها مراقبون على أنها دليل على التزام الرياض بالضغط من أجل الحصول على ضمانات إسرائيلية نيابة عن الفلسطينيين.
ولتحقيق التقارب مع الرياض، ستحتاج إسرائيل إلى بذل مزيد من الجهد مما فعلته في الفترة التي سبقت اتفاقيات إبراهيم، وفق ما يرى غاوس.
واتفاقيات إبراهيم هي سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والبحرين والمغرب والسودان والإمارات تمت في الفترة 2020-2021. برعاية من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.
وكجزء من تلك الصفقات، وافقت إسرائيل على التخلي عن الخطط التي طرحتها لضم 30 بالمئة من الضفة الغربية، وتوسيع سيادتها على الأراضي التي تحتلها حاليا، هي خطوة لو نفذتها إسرائيل فإن من شأنها أن تقتل فعليا احتمال حل الدولتين.
ويشير التحليل بأن لدى الرياض مصلحة في إنهاء القتال وإحراز تقدم نحو تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، لكن ليس لديها سوى القليل من الأدوات التي يمكنها أو ستستخدمها لتحقيق هذا الهدف في الوقت الحالي.
دوافع التطبيع باقية
السعودية لم تظهر أي استعداد لاستخدام الأدوات المتاحة لها، مثل قدرتها على خفض إنتاج النفط أو صادراته للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، وفق غاوس، الذي أوضح أنه على الرغم من أن الاتفاق الإسرائيلي السعودي غير مطروح على الطاولة في الوقت الحالي، إلا أن الحوافز التي دفعت السعودية إلى التفكير في الاعتراف بإسرائيل لم تختف.
ويقول غاوس إن الخسائر الفادحة التي ألحقها الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة بالمدنيين الفلسطينيين قد زادت من الرهان بأن أي خطوات متواضعة لن تكون كافية بعد الآن لتحقيق سلام بين إسرائيل والمملكة.
ويعقد غاوس أنه طالما ظلت إسرائيل منشغلة بغزة، وما دام الرأي العام العربي يتم حشده لدعم الفلسطينيين، فإن الصفقة الإسرائيلية السعودية لن تكون ناجحة.
لكن غاوس يقول إن أزمة غزة ستنتهي، كما تنتهي كل الأزمات. ومن المرجح أن يستغرق ذلك أشهرا وليس أسابيع، مما يؤدي إلى تعليق أي جهود دبلوماسية أخرى في الشرق الأوسط.
وطالما ظلت القوات الإسرائيلية في غزة، فإن فرص استعادة الزخم في الحوار الإسرائيلي السعودي غير المباشر الذي تتوسط فيه إدارة بايدن ضئيلة أو معدومة.
لكن العوامل التي دفعت تلك المفاوضات لم تتغير. ترغب إسرائيل بشدة في إقامة علاقة أوثق مع السعودية. ويرغب السعوديون في أن يكونوا قادرين على الاستفادة من الاقتصاد الديناميكي لإسرائيل، كما فعلت الإمارات منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم.
ولا تزال كل من إسرائيل والسعودية تنظر إلى إيران باعتبارها تهديدا إقليميا، وتوفر ثقلا استراتيجيا للسعي إلى إقامة علاقات اقتصادية أوثق.
إن المطالب السعودية بأن تتخذ إسرائيل بعض الخطوات الملموسة نحو إقامة الدولة الفلسطينية ستظل تشكل عقبة، ولكن ربما أقل من ذلك إذا أدت الحرب في غزة إلى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة أكثر مرونة.
اتفاقات مع أميركا
يشرح غاوس أن كل اتفاق عربي مع إسرائيل كان في جوهره اتفاقا عربيا مع الولايات المتحدة.
ويقدم التحليل أمثلة للتدليل على هذه الحجة، فمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979، فتحت الباب أمام المساعدات الخارجية والعسكرية الأميركية لمصر. واتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية لعام 1994، أعادت الأردن إلى حظوة واشنطن بعد دعمها لصدام حسين في حرب الخليج 1990-1991. واتفاقيات أبراهيم للفترة 2020-2021، تضمنت اعتراف الولايات المتحدة بضم المغرب للصحراء الغربية، ورفع تصنيف الولايات المتحدة للسودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ووعد من إدارة ترامب بأن الإمارات يمكنها شراء طائرات مقاتلة من طراز F-35، وهو التزام أرجأته إدارة بايدن لاحقا. وسيظل احتمال الحصول على هذا النوع من الفوائد جذابا بالنسبة للسعودية، بغض النظر عما يحدث في إسرائيل وغزة.
فالعودة إلى المفاوضات الإسرائيلية السعودية ستعني أيضا العودة إلى المفاوضات الأميركية السعودية بشأن قائمة طلبات الرياض المتمثلة في ضمان أمني ودعم أميركي للتطوير النووي السعودي من دون قيود الضمانات التي فرضتها واشنطن على الآخرين، يقول غاوس.
وإذا تمكنت الولايات المتحدة من إعادة التركيز على الدبلوماسية الإسرائيلية السعودية، وعندما تتمكن من ذلك، يجب عليها أن تفكر في ما إذا كانت جائزة التطبيع الإسرائيلي السعودي تستحق تكلفة الالتزامات العسكرية الأميركية الجديدة والمخاطر الأكبر لانتشار الأسلحة النووية في المنطقة ـ وفق غاوس.
وفي الوقت الحالي، يعتقد غاوس أن واشنطن يمكنها أن تؤجل مثل هذه المخاوف، فطالما استمر الصراع في غزة، فإن الصفقة الإسرائيلية السعودية ستظل على الجليد.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|