بين "صينية البطريرك" و"خيمة السيد": نزوح ألف عائلة مسيحية
ربما لم يكن البطريرك بشارة الراعي موفّقاً في صياغة عباراته وتظهيرها، وهو يدعو "الرعايا إلى تقديم مبالغ مالية ولمّ الصواني يوم الأحد وتقديمها إلى أهلنا القادمين من البلدات الجنوبية الذين يتركون بيوتهم، وهذا يعني مزيداً من الفقر".
لكن الحملة التي شُنّت على البطريرك تؤشر، بحجمها وأسلوبها، أن وراء الأكمة "قلوب مليانة" وليس تحسساً من أسلوب أو عبارة.
واذا كانت "بيئة المقاومة" هي التي قادت حملة النقد والهجوم والتجريح، إلا أنها لم تكن المقصودة، بالدرجة الأولى، في كلام الراعي عن "لمّ الصواني".
فالكنيسة المارونية ومؤسساتها ومنظماتها باشرت، منذ اليوم الأول لدخول لبنان في حرب غزّة، في التحضير لأسوأ السيناريوهات، ومن بينها كيفية احتضان ومساعدة القرى الجنوبية المسيحية. لا تتردد الكنيسة في مساعدة أي لبناني يطلب مساعدتها "لكن، بشكل عام، يستفيد من النبع من يكون الأقرب إليه"، على ما يقول رئيس رابطة كاريتاس لبنان الأب ميشال عبود لـ"المدن". ويؤكد أن "ما يساق من تجريح في حق البطريرك يكشف نوايا مبيتة في النفوس والقلوب تتحين أي فرصة للانتقاد"، قبل أن يضيف "لن يثنينا ذلك ككنيسة عن القيام بعملنا. ولا نستغرب كثيراً ما نسمعه. فالمنتقد لا يعرف رسالة الكنيسة وكيفية عملها".
مساعدات كاريتاس والتحضير للأسوأ
عبود الذي ترأس، مساء أمس الخميس، اجتماعاً مع "كاريتاسات" الجنوب، يكشف لـ"المدن" أنه "وصلت إلى كاريتاس لوائح إحصائية من الأساقفة وأقاليم كاريتاس وبعض البلديات الجنوبية، تفيد أن نحو ألف عائلة نزحت من رميش وعين إبل ودبل والقوزح وعلما الشعب ومرجعيون. ولدينا الإمكانية للوصول إلى هؤلاء جميعاً، كما لأبنائنا الذين لا يزالون مقيمين في منازلهم".
يؤكد عبود "إن معظم النازحين أقاموا عند أقارب لهم، وقلة من بينهم استأجرت منازل مؤقتاً. وقد استطعنا الوصول إلى معظم النازحين، وأمّنا لهم حصصاً غذائية. كما أوصلنا الفرش والحرامات لمن هم بحاجة اليها. ووزعنا الأدوية للمرضى، وقد صاروا على تواصل مع مراكزنا الطبية لمتابعة احتياجاتهم". يضيف "بدأنا بتوزيع 200 دولار لمرة واحدة، ستشمل 460 عائلة هم الأكثر حاجة، ليتمكنوا من تدبير أمورهم مرحلياً".
ويشير عبود إلى أننا "تحضّرنا للسيناريو الأسوأ. ووضعنا خطة وبرنامج، بالتعاون مع منظمة الأغذية العالمية و"الكاريتاسات" الشقيقة في العالم، لكيفية الوقوف إلى جانب الناس في حال وقوع الحرب. يتضمن ذلك تحضير وجبات ساخنة ووسائل تدفئة وفرشات وأدوية وتفاصيل كثيرة، نتمنى ألاّ نضطر إلى الوصول إليها".
ويضيف "لقد طلبنا من الرؤساء العامين والرئيسات العامات للرهبانيات والأساقفة، تزويدنا بأديار يمكن أن تكون مراكز إيواء في حال الحاجة إليها. وقد كان الجميع متعاوناً، ووضعت بعض الأديار في تصرفنا. إلى اليوم لم نحتج إلاّ إلى مركز كرم سده. أما المركز التابع لأبرشية انطلياس والآخر للآباء الكبوشيين فلم نحتج إليهما، كما عشرات الأديرة التي أكد القيّمون عليها استعدادهم لاستضافة النازحين فيها".
الصينية وفلس الأرملة
في 19 تشرين الثاني عام 2017 أطلق البابا فرنسيس الاحتفال باليوم العالمي للفقر من أجل "تحفيز الكنيسة على الخروج من جدرانها لمقابلة الفقر في الأشكال الّتي يظهر فيها ضمن عالمنا اليوم"، على ما قال حينها. وأضاف إن الفقر يسائلنا يوميًّا في آلاف الوجوه المطبوعة بالألم، والتهميش، والاستغلال، والعنف، والتعذيب، والسجن، والحرب، والحرمان من الحرّية والكرامة، والجهل، والأمّية، والطوارئ الصحيّة، ونقص العمل، والإتّجار والعبوديّة، والنفي والبؤس، والهجرة القصريّة. يحمل الفقر وجه نساء، ورجال، وأطفال يُستَغلّون لمصالح حقيرة، ويدوسهم المنطق الملتوي للسلطة والمال...".
سبع سنوات والكنيسة "تحتفل" في هذا اليوم من دون ضجيج. و"الصواني" تلمّ يومياً في كل القداديس من أيام الرسل إلى اليوم، كفعل محبة وتضامن ومشاركة. جزء غير قليل منها يذهب للمساعدات الاجتماعية في الرعايا. وربما أهم ما في هذه "الصينية" أن "الفقراء يساعدون الفقراء"، تماماً كفلس تلك الأرملة في النص الإنجيلي، وأن أحداً لا يعرف كيف ولمن تذهب المساعدات.
لذلك ربما، حين خصص البطريرك النازحين من الجنوب بـ"لمّ الصينية" تحسس بعضهم، وإن لم يعبّروا. فمن شنّوا الهجوم على الراعي لم يكونوا المقصودين بكلامه. أما الجنوبيون النازحون من المسيحيين، فلم يستسيغوا كثيراعبارة "لمّ الصواني" من أجلهم. ففي "الخطاب الاجتماعي" حين يقال، "بدو لمة صينية" يكون الشخص المقصود واحداً من اثنين: إما شديد الفقر حدّ البؤس ويحتاج إلى مساعدة طارئة، وإما محتالاً يدعي الفقر فيقال تهكما عنه "بدو لمّة صينية".
خيمة السيد وفنادق الأعداء
تبقى ملاحظة أخيرة على من ثاروا على كلام البطريرك، وهو لا يقصدهم أصلاً، ترى ألم يشعر أحد منهم بالإهانة والمس بحقوقه وكرامته الإنسانية وهو يستمع إلى الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، يتحدث عن عوامل الضغط على العدو الاسرائيلي ومن بينها كما قال: "...ضغط المهجرين في الداخل، هؤلاء ليسوا مثلنا يذهبون إلى الخيم والمدارس، هؤلاء يجلسون في الفنادق، وإذا لم يجلسوا في الفنادق يغضبون ويتظاهرون...".
لكن.. هؤلاء لا يطالبون بطريركاً بـ"صينية" ولا سيداً بـ"خيمة". هؤلاء يتمسكون بحقوقهم و"رفاهيتهم"، ويطالبون دولتهم بها ويتظاهرون متمسكين بتلك الحقوق، حتى في أشد الحروب قساوة. والمؤلم أن يحسد اللبنانيون أعداءهم. على الأرجح، بعض اللبنانيين.. فعندنا لا صوت يعلو على صوت المعركة.
دنيز عطالله - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|