أيّ نهاية ستُكتب لمشوار القائد في اليرزة؟
30 عاما أمضاها رياض سلامة في حاكمية مصرف لبنان، ليتسلم من بعده نائبه الاول وسيم منصوري.
12 عاما تولى خلالها اللواء عباس ابرهيم منصب المدير العام للامن العام، ليخلفه العميد الياس البيسري.
... واليوم، بعد نحو شهر، تنتهي ولايه قائد الجيش العماد جوزف عون، بعدما أمضى في القيادة 7 أعوام.
ضبابية وتأويلات كثيرة لا تزال تحيط بمصير العماد عون. تارة يحكى عن دور ل#مجلس الوزراء، وطورا تُرمى الكرة في ملعب مجلس النواب، ليسلك الامر المسار التشريعي...فهل سيلقى عون مصير سلامة وابرهيم؟
بعدما كثرت التحليلات عن مخارج لإبقاء سلامة في منصبه، غادر الأخير في أواخر تموز 2023، ليطوي بذلك صفحة طويلة في إدارة السياسة المالية والنقدية للبلاد، وسط الكثير من علامات الاستفهام والشوائب... وليختفي بعدها سلامة عن الأنظار والاضواء السياسية.
وفي آذار 2023، وبعدما "وُعد" ابرهيم بعدم التخلي عنه، وبإمكان إيجاد "مخارج" لتأجيل مغادرته منصبه، اقفل ابرهيم باب مكتبه، حين حانت "اللحظة الرسمية"، وترك المهمة للبيسري...فيما بقي، بين الحين والآخر، يسعى الى دور سياسي - علني ما.
فماذا سيكون مصير العماد عون؟ هل ستُملأ الساحة السياسية "بمخارج" وتسويات لابقاء قائد الجيش في منصبه، وبالتالي تأجيل تسريحه الذي يحين رسميا في 10 كانون الثاني 2024؟ أم ان المسألة ستُترك للحظتها الأخيرة، ويكون "ما كُتب قد كُتب"، فيخرج عون من اليرزة، ليتسلم غيره زمام القيادة، لاسيما ان اكثر من اسم بدأ يتردد في الكواليس؟!
أين قانون الدفاع؟
قانون الدفاع الصادر عام 1983، اكثر من واضح. فهو ينص على انه يتم تعيين قائد الجيش من بين الضباط العامين المجازين بالأركان، بمرسوم من مجلس الوزراء وبناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني. ويحمل قائد الجيش رتبة عماد ويسمى "العماد قائد الجيش" ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع.
ووفق المادة 55 من قانون الدفاع، امكن تأجيل التسريح في حالتين: الأولى، في وضع اعتلال لم يُبت به. الثانية، بناء على قرار وزير الدفاع المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارئ، وعند عمليات حفظ الأمن.
سوابق حصلت مع العماد جان قهوجي عام 2013 حين مدد له وزير الدفاع فايز غصن حتى 2015، ثم مدد له ثانية الوزير سمير مقبل حتى أيلول 2016.
إذاً، المسؤولية واضحة عند مجلس الوزراء. انما، حتى الساعة، الكثير من الروايات تدور في الكواليس، منها: تعيين رئيس أركان بالإنابة، الا ان ذلك لن يحل مشكلة الفراغ التي ستبقى قائمة في قيادة الجيش. "التمديد التقني" لقائد الجيش لمدة 6 أشهر، مقابل التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان.
تعيين قائد جديد. وإن كان الامر يبدو مستبعدا، كونه يحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية.
من هنا، تضيع مرحلة ما بعد جوزف عون بين "الفيتوات" السياسية التي يضعها "التيار الوطني الحر"، وعلى رأسه النائب جبران باسيل من خلال رفضه الذهاب الى تأجيل التسريح، وبين الصلاحيات المعطاة لوزير الدفاع قانونا، ومن بعده الى مجلس الوزراء، لتُرمى "كرة النار" أخيرا في ساحة النجمة. فعند أي نهاية ستُكتب القصة؟
سيناريو مشابه!
في 8 آذار 2017، رُقّي جوزف عون الى رتبة عماد، وعيّن قائدا للجيش. لاحقا، وبعد اقل من عامين، دخلت البلاد في أزمات متتالية غير مسبوقة.
من "حراك شعبي" وتحديات على الأرض، وُضع خلالها الجيش وقائده، في اكثر من "امتحان" واختبار... الى فراغ رئاسي دخل عامه الثاني، وتمدّد ليشمل اكثر من مرفق عام وإدارة ... ومنصب أمني... وصولا الى "اشتباكات" جنوبا على وقْع "طوفان الأقصى" في غزة، وسط انتشار للجيش اللبناني في الجنوب، بلا أي غطاء سياسي له... أو حتى قرار "بفرض السلم والحرب"، يُفترض ان تتخذه الحكومة!
كل هذه التحديات وُضعت امام الجيش وقائده، وهو الذي يُفترض ان يكون قاب قوسين من الرحيل...فهل سيكون سيناريو "إخراج" عون من اليرزة شبيهاً بقصة خروج سلامة وابرهيم؟ في البداية، تُطلق الوعود او المحاولات للإبقاء في المركز، ومن ثم يغادر الواحد تلو الآخر!
ففي الصيف الماضي، أدت الانقسامات بين القوى السياسية اللبنانية والشلل المؤسساتي غير المسبوق بتمدّده وشموليته، إلى انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون تعيين خلف له. وسرعان ما أوكلت المهمة الى منصوري بالوكالة...
فلا تعيين خلف تمّ، في غياب رئيس للجمهورية. ولا التوافق السياسي توافر لوضع حد لمصير إدارة حاكمية يفُترض ان تكون المسؤولة الأولى عن الإدارة النقدية للبلاد! اذ وفق قانون النقد والتسليف، يُعيّن الحاكم لولاية من ست سنوات، بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال، ويتعيّن على الحاكم الجديد أن يؤدي القسم أمام رئيس الجمهورية، أي المنصب الشاغر في البلاد.
خلال تلك المرحلة، كان منصوري هدّد بالاستقالة بهدف تعيين خلف لسلامة، ثم عاد وتراجع.
هكذا، تسلم منصوري المهمة وغادر سلامة... بلا تنفيذ لأي وعد، بعدما امضى المدة الأطول في العالم لحكّام المصارف المركزية.
وفي رواية عباس ابرهيم، يكاد السيناريو نفسه يتكرر. فبعد كلام كثير عن إبقائه في مركزه، خرج الأخير من المديرية العامة للامن العام، لا بل كان هو بنفسه من مهّد لاختتام مهماته الأمنية، اذ قال في كلمة له، قبل ايام من انتهاء ولايته: "هناك من نذروا أنفسهم لخدمة الوطن. لا مكان للتقاعس. وغداً سنكمل المشوار في ميادين متعددة".
قانونياً، كان يمكن تمديد ولاية إبرهيم عبر مسارين: الأول، صدور قرار إداري من وزير الداخلية، أو من مجلس الوزراء، بتعيين إبرهيم كمستشار لشؤون الأمن العام، من دون أن تكون له القدرة على التوقيع.
الثاني، عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب يتم خلالها تعديل قانون الموظفين، وهو ما لم يكن متاحا خلال شهر آذار الماضي، بسبب إقفال المجلس وعدم التشريع نتيجة تباينات بين الكتل وانقسامها.
اما عمليا، فلم تؤدِّ بعض الأحزاب الفاعلة في لبنان أي دور جدي وملموس لإيجاد مخرج قانوني لبقاء إبرهيم في منصبه، على رغم كل الكلام الذي كان قد قيل لعدم تركه منصبه، كما لو ان ثمة "مكافأة" له في ابقائه في مكانه. الا ان "حزب الله"، تحديدا، لم يخض معركة التمديد للواء ابرهيم بشكل فعّال، ليس إرضاءً فقط للحليف الدائم الرئيس نبيه بري ومسايرة له، إنما لوجود اكثر من علامة استفهام وتساؤل لدى قيادة الحزب عن إبرهيم وعلاقاته الغربية.
وبين الشقين القانوني والعملي، عُيّن العميد البيسري خلفاً لابرهيم. هو الذي تدرّج في الترقية من ملازم في الجيش حتى اصبح رئيسا لمكتب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سابقا الياس المر، والذي تعرّض معه لمحاولة اغتيال نتيجة انفجار عبوة ناسفة. بعدها نُقل البيسري الى الامن العام كرئيس لمكتب الشؤون الادارية ثم رئيسا لمكتب المدير العام حتى وصوله الى منصب مدير عام للامن العام بالوكالة.
هو "حكم الإنابات": قاعدة بدأت تتكرّس في الممارسة السياسية اللبنانية، منذ ان دخلت البلاد في شغور رئاسي في تشرين الأول 2022... فهل ستتكرس تلك القاعدة مجددا مع قائد الجيش، أم ان تأجيل التسريح سيسلك مساره هذه المرة، ويبقى عون على رأس المؤسسة العسكرية؟!
"النهار"- منال شعيا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|