هذه هويته الحقيقية... من هو الأميركي الذي عُثِرَ عليه في ريف دمشق؟
فلسطينيو لبنان... من مُطارَدة تأشيرة الهجرة إلى المطالبة بفتْح الحدود
قلبتْ عمليةُ «طوفان الأقصى» وما أعْقَبَها في غزة، مزاجَ الشارع الفلسطيني في مخيمات لبنان رأساً على عقب، وأعادت ضخَّ دماءِ العزيمةِ والإصرارِ على الكفاح في شرايين أبنائها بعدما حَوّلَتْهم الأحداثُ السياسيةُ والأمنيةُ على مدى عقودٍ، مجرد لاجئين مُهَمَّشين يسعون وراء قوتِ يومهم ويعيشون الإحباطَ واليأسَ ما دَفَعَ كثيرين منهم إلى الهجرة واللجوء إلى أمكنةٍ خلف البحار.
اليوم، في مخيمات لبنان يرفع اللاجئون رؤوسَهم عالياً، فقد استعادتْ القضيةُ الفلسطينيةُ مركزيّتَها ومحوريّتَها في المعادلةِ السياسيةِ العالميةِ، بدءاً من الدول العربية وصولاً إلى المجتمع الدولي، وفرضتْ الاهتمامَ بها مجدداً ووضْعها على سلّم الأولويات، بعدما تَرَسَّخَ الاقتناعُ في أعقاب 75 عاماً من عمر النكبة، بأن «لا سلام ولا استقرار في المنطقة من دون حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية».
داخل المخيّمات، تَغْلي الدماءُ في عروقِ جيل الشباب، وهم استبدلوا دعوتَهم إلى فتْح أبواب اللجوء والهجرة، بالمطالبة بفتْح الحدود الجنوبية للبنان للمشاركة في العمليات العسكرية والعمل على التظاهرات والمَسيرات على الشريط الشائك، نصرةً لغزة وشعبها ومقاومتها، وذلك ترجمةً لاقتناعٍ بأن الشعب الفلسطيني في الداخل سواء في غزة أو الضفة أو القدس أو أراضي الـ 48 واحد، وهو جزء من المعركة في مواجهة إسرائيل التي تتمتع بدعمٍ دولي ولا سيما أميركي.
ويقول الباحث في الشؤون الفلسطينية الكاتب علي هويدي لـ «الراي»، إن عملية «طوفان الأقصى» انعكستْ على المزاج الفلسطيني طوفاناً في كل نمط حياته، فلم يعد يبالي كثيراً بمعاناته المعيشية وهو يشاهد كل يومٍ بأمّ العين المجازر والجوع، فيما جيل الشباب بدأ يسأل عن كيفية الانخراط في حركات المقاومة بعد ترسيخ نهجها، وتحوّل الناطق باسم كتائب القسام «أبوعبيدة» رمزاً بطولياً في عيون الأطفال وكبار السن وهو يرفع من معنوياتهم في ظل العدوان.
ولم يعد مفاجئاً في الشارع الفلسطيني الانطباعُ بأن جيلَ الشباب يجنح نحو عودة العسْكرة. فما جرى في غزة أثبت لأبناء المخيمات أن قرارات الأمم المتحدة لا تُطبَّق إلا على الضعفاء، وأن الحق لا يُستعاد عبر مجلس الأمن والشجْب بل عبر القوة على قاعدة«لا يموت حق وراءه مُطالِب، فكيف إذا كان مُقاوِماً».
تَزايُدُ الرغبة بالعسكرة مردّه إلى أن تشكيلات فلسطينية كحركتيْ «حماس» (كتائب القسام) و«الجهاد الإسلامي» (سرايا القدس) انخرطتْ للمرة الأولى منذ خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، سواء في عملياتِ تَسَلُّلٍ خلف خطوط العدو أو عمليات اشتباكٍ أو إطلاق صواريخ، وسَقَطَ لكل منهما مقاتِلون (9 من حماس و4 من الجهاد) على طريق القدس ونصرةً لغزة وشعبها ومقاومتها.
وتقول مصادر فلسطينية لـ«الراي» إن «طوفان الأقصى» لم تكشف فقط عن قوة «حماس» العسكرية ومدى تنسيقها مع «حزب الله» وحركات المقاومة الأخرى، فهي زفّت مقاتلين سَقَطوا من مختلف المخيمات خصوصاً من عين الحلوة، والرشيدية والبرج الشمالي والبقاع وبيروت وسواها، في إشارةٍ إلى مدى انتشارها بعد حضورها السياسي داخل المخيمات، وقد باتت ندّاً لحركة «فتح».
وليس أدل على ذلك من دعوة ممثّلها إلى جانب ممثل «الجهاد» للمشاركة في استقبال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في مطار رفيق الحريري الدولي، أكثر من مَرة.
وعلى المستوى السياسي، حَضَرَ بقوةٍ وَهْجُ حركات المقاومة، خصوصاً «حماس» و«الجهاد» و«الجبهة الشعبية»، في مقابل تَراجُعِ شعبية «فتح» ومعها السلطة الوطنية التي غابت عن الميدان، وإن كانت شاركت في النشاطات الداعمة والوقفات والمسيرات داخل المخيمات، ولكن الأهمّ أن حرب غزة دفعت إلى تَناسي الخلافات ولو موقتاً وكرّستْ وحدةَ الموقف في الدعم والنصرة والمؤازرة والذي تُرجم عملياً في الضفة الغربية وانعكاساتها على مخيمات لبنان.
ويقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية فتحي كليب لـ«الراي»، إن «أهمّ ما تَغَيَّرَ بعد عملية طوفان الأقصى أن اللاجئين في لبنان تناسوا همومهم وأوجاعَهم وتوحّدوا دعماً للمقاومة ورفْضاً لحرب الإبادة خصوصاً بعد الأحداث الأمنية المؤسفة التي شهدها مخيم عين الحلوة والتي انعكست على العمل المشترك بعد توقف الاجتماعات المركزية الموحدة».
ويؤكد «أعاد 7 أكتوبر تصويبَ بوصلة السلاح الفلسطيني إلى مكانها الصحيح لدحر الاحتلال وتحرير الأرض وتحقيق العودة».
ويضيف «بمجرد سماع الأخبار، تناسى أبناء المخيمات أوجاعَهم وخرجوا في مسيراتِ فرحٍ وتأييد لهذه العملية التي لم يَسبق لجيلٍ أو جيلين من اللاجئين أن شهدوا مثلها. وأخذتْ هذه التحركات الشعبية والمشتركة أهميةً متزايدةً بعد بدء العدوان الإسرائيلي وما رافقه من جرائم يومية، ما دفع باللاجئين وبالفصائل الفلسطينية إلى تنظيم تحركات مشتركة بمشاركة كل التيارات، تحت عنوان واحد هو رفْض العدوان ودعم المقاومة الفلسطينية في القطاع. ومن المؤكد أن أموراً كثيرة ستتغيّر في ذهنيةِ تفكيرِ الكثير من فئات الشعب الفلسطيني لجهة الاقتناع بإمكان تحقيق النصر على العدو الإسرائيلي إذا توافر الحد الأدنى من شروطه».
وعلى المستوى الشعبي، فإن التحوّل الأكبر تجلّى مع «طوفان الأقصى» وبعدها في سقوط الرهان على التفاوض مع إسرائيل التي ورغم مرور 30 عاماً على اتفاق «أوسلو» في سبتمبر 1993 لم تطبّق أياً من بنوده، بل على العكس زادت القضم وبناء المستعمرات وملأت السجون وأقامت جدار الفصل العنصري وحاولت تدنيس المسجد الأقصى وتهويد القدس وطرد السكان الأصليين منها.
في أزقة المخيمات الضيقة، تسمع بوضوح وقوة شعارات التأييد لحركات المقاومة. ولم يعد أبناؤها يبالون كثيراً بالمعاناة المعيشية أمام ما يشاهدونه من مجازر إسرائيلية، يعيشون الغضب ويشاركون في المسيرات ووقفات التضامن.
ويقول القيادي في «الجهاد» جهاد محمد لـ«الراي»، إن «ما جرى شكّل هزيمة للوعي الإسرائيلي ووضَع الاحتلال في أزمة وجودية حقيقية وضُربت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر».
ويضيف: «قبل (طوفان الأقصى) جرتْ محاولاتٌ كثيرةٌ لضرب فكرة العودة ولكن بعدها تجدّدت حالة الوعي لدى الشعب الفلسطيني عموماً ولدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خصوصاً الذين صاروا يعتبرون أن العودة إلى ديارهم وأرضهم أصبحت حقيقةً ولم تعُد إلا مسألة وقت... رغم كل ما يمارسه الاحتلال الصهيوني من مجازر في محاولةٍ لكسر إرادة المقاومة في غزة، وهو ما أَفْشَلَتْه إرادةُ وصمود شعبنا الذي كان يخرج من بين الركام ليؤكد التصاقه بهذه المقاومة وأن الوحشية الإسرائيلية لن تكسره، وأن الفلسطينيين لن يسمحوا بتكرار سيناريو النكبة مرة أخرى».
ويرى أن «هذا الإصرار والتصميم أعطى بكل تأكيد اللاجئين الأملَ في العودة إلى ديارهم وزاد من تَمَسُّكهم بهذا الخيار الذي أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من تحقيقه».
الراي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|