الصحافة

مطلوب مبادرة عربية داعمة لإعادة تكوين سوريا الجديدة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

حق طبيعي ومشروع، طال إنتظاره، بأن يبتهج الشعب السوري ويحتفل ويفرح، لتحرير نفسه من حكم الظلم والقمع والإجرام لعائلة الأسد و”عصابته”، ومن حقه أن يعبّر عن تلك اللحظة التاريخية بكل حماس وتعاطف وجداني، وأن يتطلع الى بناء “سوريا جديدة”، على أسس ومرتكزات الدولة والمواطنة والدستور وإرادة الشعب، بعد الانتهاء من حكم النظام “المخابراتي”، الذي أعاد عاصمة “الأمويين” بكل ما تمثله من إرث حضاري، الى دولة متخلفة مهترئة متحللة، لا مكان فيها إلا للزمرة المحيطة بطاغيتها.

لكن ليس من حق الشعب السوري على الرغم من تعطشه للفرح والشعور بالعزة والكرامة، أن يبقى محتفلاً ومزهواً، في وقت مطلوب من هذا الشعب العربي الأصيل التسلح بالوعي، والإنتقال بالثورة من الحالة العسكرية الى الحالة المدنية، وتغليب الحكمة والتعقل، والاقلاع والابتعاد عن الثأر والتصرفات الانفعالية، وصولاً الى تضافر الجهود لمنع إنزلاق سوريا نحو “الفوضى والتقسيم”. قد يقول قائل إن هذه المطالب يجب أن توجه الى قيادات الثورة التي أطاحت النظام، كونها المناط بها الانتقال السلمي من مرحلة الدولة المخابراتية الى مرحلة الدولة المدنية.

بالتأكيد هذه المطالب ستكون العناوين العريضة والمنطلقات الأساسية لعمل القيادات الجديدة في هذه المرحلة الانتقالية المفصلية والبالغة الخطورة والدقة، لكن تقع على الشعب السوري “المتحرر” مسؤولية تاريخية في تثبيت هذه العناوين وتنفيذها، وإلزام القيادات الجديدة بها، من خلال تحول الشعب السوري بكل أطيافه الى “قوة” ضغط ومراقبة وتأثير، وأن يصر بشتى الوسائل الديموقراطية على أن يكون الخيار الشعبي هو القوة الأساسية في رسم معالم “سوريا الغد” التي يتطلعون اليها، وليس أي قوة عسكرية لأي فصيل مدعوم بالسلاح أو المال أو من الخارج، على غرار تجربتي لبنان وأفغانستان. فالمرحلة المقبلة التي ستشهدها سوريا لا تقل أهمية عن اللحظة التي أعلن فيها سقوط نظام الأسد، خصوصاً وأن القوى الكبرى تسعى إلى تحقيق مكاسب داخل الحدود السورية في ظل تغير اللاعبين بعد انهيار نظام الأسد، إذ تستمر الضربات الجوية الاسرائيلية والتركية والأميركية على سوريا على الرغم من خلو سمائها من المقاتلات السورية والروسية للمرة الأولى منذ سنوات.

بناءً عليه، وإنطلاقاً من الدور والموقع الاستراتيجيين تاريخياً على الصعيد العربي المحوري لسوريا، فإن المطلوب خلال هذه المرحلة الانتقالية، التي سترسم مصير البلاد وتحدده، على صعيد الحكم والدستور والقيادة، وبالتالي الهوية السياسية، أن تواكب عملية إعادة “التكوين” إحاطة عربية جماعية وفردية، وفقاً لمشروع متكامل، يتبنى بصورة أساسية ما تم إقراره في جنيف، ودعمه من المجتمع الدولي، القائم على حوار سياسي، وإصلاح سياسي يعتمد على دستور وانتخابات حرة وشفافة.

وكذلك، على الدول العربية أن تسارع الى حسم موقفها بصورة نهائية وصريحة من الحكومة الانتقالية، خصوصاً وأن طبيعة أداء من وصلوا إلى السلطة من المعارضة ولغة الخطاب التي استخدموها وعمليات التسليم والتسلم، تميزت بهدوء وسلاسة، بعيداً من أساليب التعالي أو تغليب منطق الإنتصار، ما يشي بأنهم يتمتعون بالوعي وبعد النظر والقدرة على تحمل المسؤولية، وفهم طبيعة التركيبة “المجتمعية” المعقدة للشعب السوري. وكان لافتاً البيانات التي صدرت عن الدول العربية المؤثرة، وفي مقدمها السعودية والإمارات ومصر، التي أشارت إلى احترام خيارات الشعب السوري، ما يوحي بدور ما لتلك الدول في المسار الانتقالي.

من الضروري في هذا السياق، التذكير بأن أي ابتعاد عربي عن سوريا اليوم سيعني هيمنة الدول الطامحة والساعية الى وضع اليد عليها، وتعويم “الإسلام السياسي”، لتأجيج حرب طائفية مذهبية عرقية، تفضي الى تقسيم سوريا، وهو ما سيعيد تكرار تجارب الانسحاب العربي من العراق ولبنان واليمن، وهو انسحاب ترك فراغاً سرعان ما ملأته قوى إقليمية أخرى وحولته إلى أوراق للضغط على العرب وتهديد أمنهم القومي.

بناءً عليه، على الدول العربية المؤثرة مراعاة أهمية عامل الوقت بالنسبة إلى السوريين كخيار ضامن لاستقرار سوريا والحفاظ على هويتها وعمقها العربيين، ما يتطلب مبادرة جماعية سريعة، ليكون لهم دور مؤثر وفاعل، من خلال فتح قنوات تواصل مباشرة مع القيادة الجديدة في سوريا، إضافة إلى مروحة إتصالات مع الدول المعنية بالوضع الداخلي فيها، وفي مقدمهم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا وإيران، لقطع الطريق أمام إندفاعية الطامعين للسيطرة على سوريا من خلال توزيع المصالح والنفوذ في ما بينهم.

زياد سامي عيتاني-لبنان الكبير

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا