الصحافة

صغار المودعين... والمبادرة الكويتية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعيد موجة الإقتحامات، التي قام بها تسعة من صغار المودعين لتسعة فروع مصارف في يوم واحد الجمعة الماضي، التذكير بتأخّر التركيبة السياسية الحاكمة في معالجة هذه المعضلة، وبمسؤولية أقطاب السلطة عن حرمان أكثرية اللبنانيين من حقوقهم البديهية.

بصرف النظر عمّا قيل حول أن العمليات التي حصلت يوم الجمعة مدبرة من جهات لها مآرب سياسية، أو من مجموعات تتوسّل التحريض الشعبوي في وقت لها ارتباطات سياسية معروفة، فإن هذا لا يلغي أن اللبنانيين يعانون بشكل يومي في المصارف للحصول على النزر اليسير ممّا يحتاجونه لتسيير ما يمكن من أمورهم الحياتية سواء في الغذاء أو الطبابة والاستشفاء، فضلاً عن الحالات الإنسانية التي تزداد مأسوية. وهم يُذلّون مهما كانت التفسيرات التي تتفتق عن بدع إدارات المصارف وعن تعاميم مصرف لبنان. بل إن كثراً منهم لا يفقهون طبيعة هذه التدابير المصرفية التي تختلف بين مصرف وآخر وبين المصارف ومصرف لبنان، فيضيّعون معظم نهارهم في هذا الفرع أو غيره، ويجري إيقاعهم في وضعية الخصومة مع بعض صغار موظفي الفروع المصرفية.

في 30 أيار الماضي اتّهم البنك الدولي في تقرير له عن «مراجعة الأداء والدروس المستفادة» حول لبنان، السياسيين اللبنانيين «بالقسوة لتأكيدهم أن الودائع في القطاع المصرفي المنهار في البلاد، مقدسة».

اعتبر التقرير أن هذا «المصطلح لا يتعارض مع الواقع بشكل صارخ فحسب، بل إنه يمنع إيجاد حلول لحماية معظم، إن لم يكن كل، أصحاب الودائع الصغار والمتوسطين بالدولار والنقد». كما أنه يشير إلى ضرورة اعتراف المصارف وكبار المودعين (وهم الشركاء الفعليون للسياسيين اللبنانيين) بضرورة تحمّلهم الخسائر الناجمة عن الانهيار بسبب السياسات السابقة.

توقع التقرير نفسه أن يتنامى العنف في البلد جرّاء الأزمة التي وقع فيها، بإشارته إلى أن لبنان «أضاع وقتاً ثميناً، والعديد من الفرص لتبنّي مسارٍ لإصلاح نظامه الاقتصادي والمالي، ولم يشرع بعد مرور عامين ونصف (التقرير أذيع في أيار) في تطبيق برنامج شامل للإصلاح والتعافي يحول دون انزلاق البلاد إلى مزيد من الغرق، وينطوي استمرار التأخير المتعمّد في معالجة أسباب الأزمة على تهديد ليس على المستوى الاجتماعي والاقتصادي فحسب، وإنما أيضاً على خطر إخفاق منهجي لمؤسسات الدولة وتعريض السلم الاجتماعي الهشّ لمزيد من الضغوط».

من نافل القول إن إضاعة الفرص أسبابها سياسية متعددة. والمحطات التي يمكن ذكرها في هذا المجال لا تحصى، باتت عامة الناس تدركها، من أثر الخلافات السياسية على الحصص والتنافس على السلطة، التي شهدت فترات من الاهتزازات السياسية والفراغ والتعطيل، ما لم يشهده أي بلد في العالم، فضلاً عن إفقاده الدعم الخارجي وعلاقاته الدولية والعربية الطبيعية بفعل ربطه بحروب المنطقة وبالمحور الإيراني.

إحدى محطات إهدار الفرص ما نصّت عليه المبادرة الكويتية في 22 كانون الثاني 2022 والتي حملها وزير الخارجية الكويتي إثر تأزم العلاقات مع الدول الخليجية. فالمبادرة التي تضمنت 12 بنداً، نصّ البند الثاني عشر فيها حرفياً على الآتي: «العمل مع البنك الدولي لإيجاد حلول لمسألة عدم تمكين المواطنين اللبنانيين من تسلم ودائعهم في البنوك اللبنانية».

أهمل المسؤولون اللبنانيون هذا البند، واهتمّوا بكيفية الرد أو التعليق على البنود الأخرى المتعلقة بتطبيق اتفاق الطائف، والقرارات الدولية المتعلقة بالسلاح غير الشرعي، ووقف تدخل «حزب الله» في شؤون الدول العربية، ووقف التهريب والتزام النأي بالنفس قولاً وفعلاً... فالتزموا بعضها واحتاروا في كيفية تبرير عدم قدرتهم على تنفيذ البعض الآخر المتعلق بـ»حزب الله». لكنّ البند الأخير كان بمثابة إشارة إلى الاستعداد الخليجي للمساعدة في حلّ أزمة الودائع بالتنسيق مع المجتمع الدولي. ومن الطبيعي أن لذلك مقابلاً وهو الحد الأدنى، مثل البند الرابع من المبادرة الذي نص على أن «سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولاً وفعلاً».

أزمة الودائع بقيت من دون حلول لأسباب سياسية، منذ أن قرر أقطاب في السياسة اللبنانية الامتناع عن إصدار قانون الكابيتال كونترول حتى يتمكنوا مع شركائهم من المتمولين من سحب أموالهم بالطرق الملتوية، وترك سائر المودعين يتخبّطون ويخسرون قيمتها. وإهمال البند 12 من المبادرة الكويتية والبنود المهمة فيها كانت خلفياته سياسية أيضاً، وليست الشعارات بادّعاء المحافظة على صغار المودعين.

وليد شقير - نداء الوطن

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا