إعترافات زوجة معنَّفة: "الرجل الذي أُحب... يغتصِبني"!
كتبت كارين عبد النور في "نداء الوطن": تسع سنوات كاملة مرّت على إقرار القانون رقم 293/2014 من أجل حماية النساء من العنف الأسري. وها هي حملة «اتّحدوا!» لمكافحة العنف ضدّ المرأة التي أطلقتها الأمم المتحدة تطلّ علينا هذا العام وحالات التعنيف في تصاعُد مستمرّ. العنف ضدّ المرأة لا يقتصر على الشقّ الجسدي، إنما يتعدّاه ليشمل الجنسي والنفسي كما العاطفي والاقتصادي. تخبرنا سارة (إسم مستعار)، ابنة الـ22 ربيعاً، كيف يمارس زوجها عليها العنف الاقتصادي والنفسي: «يمتنع عن إعطائي مصروفي ويمنعني من الالتحاق بأي وظيفة لأبقى معتمِدة عليه مادياً اعتماداً كلّياً. وفي حال حصلت من أمي على مبلغ معيّن من المال يخلق شتّى أنواع الأعذار لأخذه مني. أما عاطفياً، فهو يشعرني دوماً بأن لا قيمة لي في هذه الحياة، كما ينتقد جميع تصرّفاتي وطريقة تربيتي لأطفالي. ثم ينهيني عن الخروج مع رفيقاتي ويراقب هاتفي باستمرار متوجّهاً إلي بمختلف أنواع الشتائم والإساءات اللفظية».
قصة هنادي (إسم مستعار) مختلفة، لكن بالتأكيد تلقى صدى لدى الكثير من النساء. «يجبرني زوجي على القيام بأفعال جنسية لا أريدها وعلى مشاهدة بعض الأفلام المقزّزة، وهذا ما لا يمكنني تقبّله. يمارس معي العنف بطريقة ساديّة كما يطلق على جسدي مختلف التوصيفات الجنسية المنفّرة حتى أمام رفاقه. أنا انسانة متديّنة، ورغم ذلك يفرض عليّ شرب الكحول ليستبيحني جنسياً. نعم، الرجل الذي أُحب... يغتصبني»، تقول وتشهق بالبكاء.
لكن مهلاً. فالعنف لا يميّز بين المرأة والرجل. غسان (إسم مستعار)، الذي تواصلنا معه على أساس أنه المعنِّف، فاجأنا بكلام استشفّينا منه أنه يُعنَّف على يد زوجته. كيف ذلك؟ «تمارس بحقّي مختلف أنواع القمع. فهي تستلذّ بتجريدي من كافة حقوقي وإشعاري بالذنب في حال قمت بأي عمل يفرحني. تخيّلوا أنها نهتني عن هوايتي المفضلة، وهي ركوب الدراجات النارية، ودفعتني لبيع درّاجتي بعد الضغط النفسي والإحساس بالذنب الذي أغرقتني فيه ولم أقوَ على مواجهته. لقد وصل بها الأمر لركلي وصفعي، وحتى تهديدي، أحياناً».
التمييز... قانوني!
بالعودة إلى حماية المرأة من العنف الأسري، مضت عقود والحكومات اللبنانية المتعاقِبة لم تعترف سوى بعددٍ قليل فقط من الإصلاحات الهادفة إلى معالجة التمييز المنهجي وعدم المساواة بينها وبين الرجل. في هذا السياق، يلفت الباحث في قضايا حقوق المرأة والطفل، المحامي ميشال فلّاح، في اتصال مع «نداء الوطن» إلى أن التمييز القانوني ضد المرأة شكل من أشكال التعنيف المُمَنهج. ففي العام 1996، انضمّ لبنان إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بموجب القانون رقم 572، غير أنه تحفّظ على بعض البنود التي تمنحها حقّاً «مساوياً» لحقّ الرجل. كذلك، أقرّ مجلس النواب في العام 2020 تعديلات على قانون العنف الأسري رقم 293/2014. بيد أن التعديلات جاءت منقوصة بحيث لم يُؤخذ باقتراح تعديل المواد المتعلقة بتجريم الاغتصاب الزوجي ووضْع عقوبة له وتخصيص أمر الحماية للنساء منعاً للممارسات الكيدية من قِبَل بعض الرجال، كما شمول الأطفال ضمن أمر الحماية لغاية عمر 18 عاماً، ناهيك بإلزامية جلسات التأهيل للمعنِّف.
ويضيف: «يمكن القول إن المرأة اللبنانية حصلت بالفعل على جزء من حقوقها في ما يتعلق بالعمل والنشاطات المهنية، كما أُدخلت تعديلات على القوانين تنصفها إلى حد ما - منها قانون تجريم التحرّش الجنسي، وتعديل قانون العنف الأسري. لكن القوانين لا تزال مجحفة بحقّها لا سيّما في ما خصّ قانون الأحوال الشخصية، وقانون حقّ نقل جنسيتها إلى أولادها». ثم إن المواد التمييزية ضد النساء تتعدد في قانون العقوبات، ومنها المادة 252 التي تبيح ارتكاب الجريمة بفعل «ثورة غضب» وعادةً ما يتم اللجوء إليها تحت عنوان «جرائم الشرف» بهدف تخفيف الأحكام. وفي هذا الإطار، جاء في دراسة لمنظمة العمل الدولية أن تقليص الفجوة بين الجنسين بنسبة 25 في المئة يزيد الدخل القومي في لبنان بواقع 9 مليارات دولار. فسواء على الصعيد المهني أو في مختلف المجالات الحياتية، أثبتت المرأة اللبنانية مراراً كفاءة عالية على الرغم من التمييز الجندري الذي لا يزال مترسّخاً مجتمعياً بسبب الذهنية السائدة.
في ظل غياب التفعيل الصارم لقوانين إدانة وتجريم أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة والرجل، سواءً بسواءٍ، تبقى التوعية هي الأساس. فبرأي قاروط، يقع على عاتق المرجعيات الدينية توجيه كل طرف على احترام الطرف الآخر وإعطائه القيمة التي يستحقّها. ويبقى الدور الأهم هو ذلك المرتبط بالعائلة، حيث يأتي دور الأب في تعريف ابنته على قيمتها وعدم التقليل من شأنها، كما عدم تعنيف الأم أمام الأولاد كي لا يخيَّل إليهم بأن تكرار المشهد يجعله طبيعياً. هذا إضافة إلى دور المدارس والجمعيات الأهلية والإعلام في توعية الأطفال على ملاحظة مؤشرات العنف وأنواعه وكيفية الحماية منه.
حملة «اتّحدوا!» التي أطلقتها الأمم المتحدة منذ العام 1991 تمتدّ من 25 تشرين الثاني حتى 10 كانون الأول. وهي تذكّرنا سنوياً بأن الطريق ما زال طويلاً أمام المرأة لتحصل على حقوقها كاملة تحقيقاً للمساواة، أسوة بحروب خيضت ونضالات هدفت إلى إلغاء التمييز العنصري، مثلاً. وهكذا، لا مناص من المرور بالمراحل نفسها هنا، لأن تغيير ثقافة المجتمع يتطلب وقتاً وجهداً وسنوات من النضال. وبانتظار تحصيل الحقوق، لا بدّ أيضاً من إعادة تعريف الأدوار بشكلها الصحيح. «إن مفهوم المساواة لا يعني إعطاء المرأة حقّ ممارسة العنف ضدّ الرجل أو تجريده من دوره، لأن من شأن ذلك تجريدها بالمحصلة من أنوثتها. فتمكينها واجب، لكن المحافظة على أنوثتها وتبادُل الاعتراف بالقيمة مع الرجل – إفساحاً له هو الآخر في التعبير الصحّي عن رجولته - شرط شارط لحسن توزيع الأدوار»، كما تختم قاروط.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|