الاتفاق السريّ
أصبح ثابتاً أن حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة الواقعة بين حدود لبنان وفلسطين المحتلة، أكبر بكثير من تلك التي يجري بشأنها التفاوض المتسارع. وأصبح معلوماً أن لبنان تنازل عن حدوده القانونية الثابتة والتي تتمثل بالخط 29 المبني على التطبيق السليم للقواعد القانونية والفنيّة في هذا المجال.
مسار التنازل هذا، سببه الحقيقي أن من يدير عملية التفاوض لا يرغب بترجمة التهديد باستهداف المنشآت الإسرائيلية القائمة في حقل كاريش ولا يرغب برؤية انطلاق عملية الاستخراج دون أن يتمكن من الردّ، فأصبحت بالتالي سياسة التفاوض بأن يحصل الاتفاق بأي ثمن وأن يوصف هذا الأمر على أنه انتصار. وبالفعل بدأت عملية تصوير استثمار الثروات النفطية على أنها المخرج الوحيد من الأزمة المالية الاقتصادية. والنقاش الدائر في الجهة المقابلة بين طرفي الصراع السياسي في إسرائيل يعزّز هذه الرواية، حيث أصبح الاتفاق مع لبنان مادة انتخابية يَتّهِم فيها نتنياهو خصمه لابيد بالخضوع للتهديدات.
هناك من يخشى اليوم أن تكون قوة الردع من الجانب اللبناني قد فقدت تأثيرها منذ تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020، حين جرى طمس الحقائق التي كانت تشير إلى ضربة إسرائيلية، بهدف تجنّب الردّ عليها والدخول في حرب مدمّرة. واليوم يحصل سيناريو مماثل إذ يعتقد الإسرائيلي أن التهديدات من الجانب اللبناني ليست جدية وأن أحداً لن يجرؤ على أية خطوة من شأنها إشعال حرب. أما ما يوصف بأنه تنازل من الجانب الاسرائيلي فهو ليس تنازلاً تحت التهديدات اللبنانية بل استجابةً للضغوط الأميركية.
رغم كون الاتفاق مرفوضاً على نطاق واسع على طرفي الحدود، قد ينتهي المسار الحالي إلى إبرامه بسبب الرغبة الأميركية بحصوله لزيادة مصادر الغاز إلى أوروبا. ولكن السؤال الذي يجب طرحه، هو ما الذي يضمن أن إسرائيل لن تنسحب من الاتفاق بعد انتخاباتها إذا تغيرت فيها الأكثرية الحاكمة؟ أو أن يقوم نتنياهو بتمزيقه على طريقة حليفه ترامب؟
يجري الحديث بأن رئيس حكومة العدوّ قد يلجأ إلى اعتماد السريّة لتمرير الاتفاق وإلى إبرامه في الحكومة المصغّرة وعدم طرحه على "الكنيست" والحكومة الموسّعة تجنباً لكشف بعض تفاصيله. وهذا يطرح تساؤلاً منطقياً على الجانب اللبناني حول السريّة أيضاً. فإذا كان في الاتفاق ما يستدعي إخفاءه فهذا يسري في الجانبين وإلا ما نفعُ السريّةِ من جانبٍ واحد إذا كان الفريق الآخر لن يعتمدها.
المعاهدات السرية أشارت إليها ضمنياً المادة ٥٢ من الدستور حين نصت على أن " تُطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تُمكِّنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة". واللجوء الى طابع السرية الذي أتاحه النص الدستوري يسمح بتجنّب الرقابة البرلمانية، وقد شهد لبنان مثل هذه الحالة في ما يعرف باتفاق القاهرة الذي وُقِّع في العام ١٩٦٩ مع منظمة التحرير الفلسطينية. لكن الاتفاق يبقى بحاجة إلى أكثرية الثُلثين في مجلس الوزراء للموافقة عليه باعتباره من المواضيع الأساسية وفق نص المادة 65 من الدستور.
حقل قانا الذي ارتضى به لبنان دون التأكد من حقيقة ما يحتويه كمّاً ونوعاً، يمتد ثلاثين كيلومتراً جنوب الخط 23، ويبدو أن الانتصار اللبناني المزعوم يتعلق بموافقة الجانب الآخر على وقوعه كاملاً في حصة لبنان، لكن يجري الحديث عن تعويضات سوف تقدّمها الشركة المستخرِجة لإسرائيل مقابل موافقتها على ذلك. من يمكنه القول بأن تلك التعويضات ليست سوى حصة إسرائيل من حقل قانا ؟ وفي حال صحّ ذلك، ألا يكون استثماراً مشتركاً بين الطرفين لحقل واحد؟ أوَلَم يتنازل لبنان عن حقّه في حقل كاريش بحجة عدم المشاركة التي اعتبرها من قبيل التطبيع؟
"النهار"- زياد شبيب
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|