إقتصاد

2023 بدأت بآفاق سوداويّة وتنتهي باستقرار اقتصادي وتفاؤل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أتت سنة 2023 محمّلة بأعباء وانهيارات ومصائب ما سبقها من الأعوام وما دلف إليها من تشرذم سياسي فعل فعله السلبي والقاتل في الاقتصاد، لذا من الخطأ جداً الحديث عن المشهد النقدي والمالي والاقتصادي في سنة 2023 من دون الأخذ في الاعتبار سلبيات وانعكاسات أحداث تلك الأعوام على المسار الاقتصادي لسنة 2023. هذه السوداوية تلوّنت بآثار الخطوات الناقصة التي أقدمت عليها الدولة إن من خلال خسارة #مصرف لبنان دولارات طائلة على تمويل الدولة ودعم بعض الحاجات أو من خلال التسرّع بإقرار #الموازنة العامة لعام 2022 التي أسّست لفوضى مالية وضريبية أربكت المشهد النقدي والمالي خصوصاً حيال تعديل أسعار الصرف من دولار رسمي إلى دولار جمركي إلى دولار الضريبة على القيمة المضافة. وقد دفعت هذه الأحداث إلى اتخاذ مصرف لبنان قراراً برفع سعر الصرف الرسمي بدءاً من شهر شباط 2023، مع الإشارة الى أن السلطة صاحبة الاختصاص في اتخاذ قرار من هذا الحجم هي السلطة التشريعية، ولكن الكل يعلم أن مصرف لبنان أعطي صلاحيات استثنائية في إدارة الأزمة خلال سنوات الإبادة الاقتصادية (2019 - اليوم).

أطلت علينا سنة 2023 بكم كبير من الاضطرابات النقدية وارتفاع مطّرد لسعر الصرف وصل الى حدود 140 ألف ليرة في الفصل الاول من السنة، بالاضافة الى ضغوط صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية على السلطة الحاكمة للشروع فوراً بإجراء إصلاحات مالية جذرية وإقرار قوانين تسمح للمؤسسات المانحة والدول الصديقة بمدّ لبنان ببعض الأوكسجين الدولاري لمساعدته على الخروج من أزمته.

ولكن، ما لبثت أنواء الاضطرابات أن هدأت حتى استقر سعر الصرف على ما دون المئة ألف ليرة بدءاً من الربع الثاني من السنة الى حين تم تثبيته على 89 ألف ليرة. هذا الاستقرار بشقيه السياسي والاقتصادي سمح لغالبية القطاعات الاقتصادية بإعادة برمجة وإطلاق نشاطها ما جعل معدل النمو يقترب من 2% قبل أن تنفجر حرب غزة وتنكفئ الحركة الى مربع الجمود في انتظار ما ستؤول إليه الامور.

وقد صنع موسم الصيف السياحي المفاجأة الكبرى التي لم يتوقعها أهل القطاع فتضاعفت أعداد السياح والمغتربين بما زاد من نسبة الإشغال في الفنادق والمؤسسات المطعمية، بالاضافة الى حركة المطار وقطاع تأجير السيارات، لتدخل البلاد في النصف الثاني من 2023 مرحلة بدء نشاط ملحوظ في معظم القطاعات بعدما تأكد أن لا فراغ سيحل في إدارة مصرف لبنان بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة، وأن سياسات شفط ما أمكن من الليرة من السوق وتقليص منسوب التضخم والاستمرار في آلية دفع أجور القطاع العام والعسكريين والمتقاعدين بالدولار مستمرة، يضاف إليهما إلغاء منصة صيرفة وتصلب الحاكم بالإنابة وسيم منصوري في رفض تمويل الدولة من دولارات الاحتياط الباقية في مصرف لبنان. المحطات التي صبغت المشهد الاقتصادي سنة 2023 تدرجت ما بين العسر واليسر. هذه المحطات أبرزها:

- في مطلع السنة اتخذ مصرف لبنان قراراً بتجميد العمل بأحكام التعميم الأساسي رقم 157 - منصة صيرفة لجهة تأمين دولارات مدعومة سعر الصرف للمودعين بسقف مليار ليرة لكل مودع شرط تأمين المبلغ نقداً.

- بدء مسيرة الارتفاع الحاد في سعر صرف الدولار في السوق الموازية، ولم يكن ذلك إلا إحدى الهزات الارتدادية لزلزال إقرار موازنة 2022.

- موافقة وزارة الاقتصاد على توصية القطاع الخاص، وخصوصاً أصحاب السوبرماركت، بدولرة أسعار الاستهلاك ولكن مع إبقاء عملة التسديد (لبناني أو دولار) للمستهلك. انعكس هذا الإجراء إيجاباً على سعر الصرف بسبب تدني الطلب على الدولار خصوصاً من قبل تجار الجملة والمستوردين بعدما أصبحت إيراداتهم بالدولار، وكذلك الأمر لجهة نفقاتهم وطالت هذه الدولرة الرواتب والأجور في مؤسساتهم.

- كان لافتاً التقرير الذي أصدره صندوق النقد الدولي في الربع الأول من سنة 2023 تحت المادة الرابعة (Article 4) والذي كان واضحاً وصريحاً ومباشراً لجهة رفضه موازنة 2022، ورفضه التعديلات التي تضمّنها قانون السرية المصرفية بنسخته المستحدثة، والأهم اتهامه السلطة الحاكمة بالمماطلة في اتخاذ القرارات الإصلاحية الضرورية وتأتي هذه المماطلة المتعمدة على حساب الوطن والمواطن.

- تعديل سعر الصرف الرسمي في الربع الأول من السنة ليصبح 15 ألف ليرة للدولار الواحد ولكن هذا التعديل كان متوقعاً لأن مصرف لبنان كان قد بشّرنا به.

- متابعة العمل بأحكام التعميم الأساسي رقم 161 الصادر في 16 كانون الأول 2021 الذي بموجبه يؤمن مصرف لبنان الدولار للدولة لصرف رواتب وأجور القطاع العام بالدولار الأميركي، وعلى سعر صرف مدعوم (الوجه الآخر لمنصة صيرفة) وتم تعديل هذا السعر في الأيام الأخيرة لعام 2023 ليصبح 89500 ليرة للدولار الواحد.

- إصدار التعميم الأساسي رقم 165 في النصف الأول من السنة الذي بموجبه سمح مصرف لبنان للمصارف بفتح حسابات جديدة محررة من أي توظيفات إلزامية لدى مصرف لبنان، على أن تقدم المصارف بالمقابل لأصحاب الحسابات خدمات دفع اساسية بالبطاقة الإلكترونية والشيكات والتحويل.

- تعديل أحكام التعميم الأساسي رقم 158 وتوسيع رقعة المستفيدين من أحكامه. كان تعديلاً مرحباً به من قبل أصحاب الحسابات التي تستوفي شروط التعميم؛ وكانت ردة الفعل ارتفاعاً ملحوظاً وكبيراً في عدد المودعين الطالبين الاستفادة من التعميم.

- انتهاء ولاية حكم رياض سلامة في آخر تموز على رئاسة السلطة النقدية، وتسلّم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان مركز الحاكم وفق قانون النقد والتسليف بعد أن كان هناك تهديد من نواب الحاكم بالتقدم باستقالة جماعية. أهمية هذا الانتقال هي أن الحاكم بالإنابة يتمتع بكامل صلاحيات الحاكم الأصيل. ومع تسلّم الدكتور وسيم منصوري المنصب وجّه رسائل واضحة إلى السلطة السياسية:

- توقف رسمي بالعمل بأحكام التعميم الأساسي رقم 157 (تأمين دولارات للمودعين على سعر صرف مدعوم).

- إصرار مصرف لبنان على التوقف عن تأمين التمويل للسلطة وهذا ما معناه رفض مصرف لبنان تحمّل خسارة فرق سعر الصرف في تأمين دولارات الدولة.

- المحافظة على عدم إحداث انعطافة استراتيجية في السياسة النقدية خوفاً من إحداث اضطرابات في سعر الصرف في السوق الموازية.

- تخلي مصرف لبنان عن الصلاحيات الاستثنائية التي مُنحت له منذ إندلاع الأزمة النقدية في لبنان وأهم هذه الصلاحيات هي تحديد سعر الصرف الرسمي.

- ضبابية في مصير الموازنة العامة لعام 2023، والتقدم بمشروع الموازنة العامة لعام 2024 ضمن المهل الدستورية وكأنه مناورة دستورية، إما تُقر في المجلس النيابي بموجب قانون مع تعديلات من قبل اللجان النيابية، أو بموجب مرسوم وزاري إذا فشل المجلس في إقرارها.

- إبراء ذمة لبنان من تهم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وعدم إدراجه على "اللائحة الرمادية" من مجموعة العمل المالية الدولية (Financial Action Task Force – FATF، مع الإشارة الى أن اتهامات تبييض الأموال جاءت من جهة البنك الدولي بسبب تفشي الاعتماد على الأوراق النقدية في التداول التجاري في الداخل اللبناني، ونموّ اقتصاد الظل غير الرسمي.
- استقرار في سعر الصرف في السوق الموازية الذي كان سيد الموقف في النصف الأخير من سنة 2023، وعكس كل التوقعات.

- إقبال لافت من المؤسسات التجارية للاستفادة من أحكام التعميم الأساسي رقم 165 وفتح حسابات مصرفية جديدة والعودة إلى توطين رواتب وأجور موظفيها في حسابات مصرفية مما شكل انعطافة إيجابية في عمل المصارف وعودة الحياة إليها. والمصارف الأكثر حظاً في هذه الإنعطافة هي المصارف التي أثبتت قدرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد الوطني.

- موسم صيف مميز لجهة السياحة والإنفاق الترفيهي في الداخل اللبناني.

ولكن لبنان يطوي سنة 2023 بحذر وترقب، إذ وفق خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد محمد فحيلي، فإن أحداث غزة وتداعياتها على الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة يرافقها خوف من توسع الحرب لتطال الداخل اللبناني من بنية تحتية وغيرها. كما أنه بعد تعديل سعر صرف منصة صيرفة بات من المتوقع تعديل سعر الصرف الرسمي، واستناداً إلى ما بشرنا به حاكم مصرف لبنان بالإنابة، تعديل سعر الصرف الرسمي بات ضرورياً ويجب أن يترافق مع إقرار موازنة 2024 وما قد يكون لذلك من تداعيات على السحوبات من الحسابات المصرفية المعنونة بالدولار المحلي. والأهم هو استمرار الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وما لذلك من تداعيات سلبية على اكتمال السلطة الذي هو الممر الإلزامي لإقرار القوانين الإصلاحية وتنفيذها.

وبغض النظر عن تقاعس السلطة عن أداء مهامها، يتوقع فحيلي أن يكون المشهد في سنة 2024 إيجابياً اقتصادياً ونقدياً. وستستمر مكونات القطاع الخاص بتظهير قدرة استثنائية على الصمود والتأقلم مع المتغيّرات الاقتصادية، ولن يكون هناك أي مبرر اقتصادي لعودة الاضطرابات إلى سعر الصرف في السوق الموازية. سيكون من الصعب جداً لجم التضخم في لبنان لأن التضخم اليوم هو ظاهرة عالمية يعاني منها عدد من الاقتصادات حول العالم.

 "النهار"- سلوى بعلبكي

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا