عربي ودولي

في ذكرى رحيله: هل دفع صدام حسين حياته ثمناً لجريمة لم يرتكبها؟ ... هذا ما اعترفت به الاستخبارات الأميركية ثم تراجعت عنه!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عزت ابو علي – LebanonOn

تبقى الأسرار المحيطة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين كثيرة جداً ودون أن تُحصى، لكن ما هو حقيقي ذلك المشهد الذي قال عنه العرب بإنه مروع لحظة اعتلاء صدام حسين منصة الإعدام عشية نهاية العام 2006، عندما أنهى حبل المشنقة حياة الرجل الذي شغل العالم لأكثر من 23 عاماً من الزمن.

لم يكن خافياً أن إسقاط نظام صدام حسين كان أولوية أميركية إسرائيلية، فالرجل الذي خرج عن طوع واشنطن شكَّل بالنسبة إليها عامل قلق في أكثر منطقة تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية حيوية بالنسبة لها.

إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن كانت دائماً ما توجه أصابع الاتهام إلى صدام حسين بدوره في دعم الإرهاب وأحداث 11 أيلول، لكن بوش كان عاجزاً عن ربط النظام العراقي السابق بدلائل واضحة بشأن اتهاماته، ليجد في النهاية مخرجاً لتبرير غزوه وهو اتهام بغداد بامتلاكها أسلحة الدمار الشامل.

هذه الحُجة فضلاً عن تآمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت الدافع التي وجد فيها بوش مبرراً لتشكيل تحالف دولي وغزو العراق وإسقاط صدام حسين، حقَّق سيد البيت الأبيض هدفه لكنه بقي عاجزاً عن إيجاد دليل يُثبت امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وبعد أعوام ثبت كذب بوش وإدارته وعلى لسان استخباراته التي أقرَّت بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق.

سقوط حجة الغزو لم تُسعِف حياة صدام فالقضاء على الرجل كان أولوية بالنسبة لكل الأطراف على تناقضاتها (الولايات المتحدة الأميركية، إيران ودول الخليج العربي) حيث اجتمعت مصلحة جعل صدام حسين مجرَّد صفحة في كتاب تاريخ بين هذه القوى، فكانت المحاكمة.

التهم التي وُجِهَت لصدام ومعاونيه كانت الإبادة الجمعية، ومنها قضية حلبجة التي دفع صدام ونائبه طارق عزيز وابن عمه علي حسن المجيد المعروف بـ علي الكيماوي حياتهم ثمناً لها.

حلبجة هي منطقة كردية تعرَّضت لقصف بالأسلحة الكيماوية في أواخر أيام الحرب العراقية – الإيرانية وتحديداً في الـ 16 من آذار من العام 1988 إبان حملة "الأنفال".

كانت مدينة حلبجة مُحتلة من قبل الجيش الإيراني في ذلك الوقت، وعندما تقدَّم الجيش العراقي لاستعادة المدينة المحتلة وتحريرها فرَّت القوات الإيرانية ولكن ما لبثت وأن تعرضت المدينة إلى هجوم بالسلاح الكيماوي، في بداية الأمر اتهمت واشنطن طهران بالوقوف وراء الهجوم لكن واشنطن غيَّرت موقفها لتتهم العراق بتنفيذ الهجوم، ووقفت خلفها لترويج الادعاء كل وسائل الإعلام الغربية فضلاً عن الصحافة الإيرانية التي نشرت الصور فور وقوع الهجوم في صحفها واتهمت صدام بارتكاب إبادة جماعية ضد الأكراد.

هذه التهمة شكَّلت السبب الرئيسي لإعدام صدام وابن عمه علي حسن المجيد ووفاة أحد أهم أركان نظامه طارق عزيز في السجن.

يُقرُّ كبير محللي وكالة المخابرات المركزية الأميركية الـ CII ستيفان بيليتيري في كتابه الذي تحدَّث فيه عن قضية القصف بالكيماوي لمدينة حلبجة أن اتهام صدام كان مُشَوَّهاً ومُحَرَّفَاً بشكل أساسي في الولايات المتحدة الأميركية وفي المحكمة العراقية التي حاكمت صدام ومعاونيه أيضاً، في محاولة لإظهار الرئيس العراقي وكأنَّه الوحيد الذي كان يستخدم الأسلحة الكيماوية ولتوجيه الاتهام له بقتل بقتل المدنيين الأكراد بهذه الأسلحة وارتكابه الإبادة الجماعية لقتل شعبه مما عزَّز حكم الإعدام ضده، ويتابع ضابط المخابرات الأميركي السابق في كتابه رواية الحقيقة بناءً على الفحوصات المخبرية على سكان حلبجة أن طرفي الحرب استخدما الأسلحة بغية السيطرة على المدينة الاستراتيجية ضد بعضهما البعض مما أدى إلى إبادة الأكراد فيها، ويُقِرُّ بيليتيري أن استخدام الأسلحة من قبل الطرفين يُسقِط تهمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لأن العكلية كانت بين قوات متحاربة وليست ضد قوات مسلحة ومدنيين، وعلاوة على ذلك وبحسب بيليتيري فإنَّ وكالة الاستخبارات الدفاعية في واشنطن قامت بعمليات الفحوصات بعد المعركة بشكل مباشر وخلصت بناءً على فحص الجثث بأن نوع الغاز الذي قتل الأكراد كان مما يمتلكه الإيرانيون وليس الجيش العراقي، فالرجل يستند في ذلك إلى ترسانة إيران التي كانت أميركية بالكامل فالأسلحة المستخدمة سلمتها واشنطن لإيران إبان حكم الشاه الذي كان يُعَدُّ اليد اليمنى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وكذلك الأسلحة التي سلمت لإيران في القضية التي عُرِفَت بـ "إيران كونترا" والذي أمر فيها الرئيس الأميركي الاسبق رونالد ريغن إدارته بتزويد إيران بالأسلحة لقتال العراقيين مقابل إفراج إيران عن بعض الأسرى الأميركيين المحتجزين في لبنان غبان الحرب الأهلية اللبنانية لدى طرف يدين بالولاء للنظام الإيراني، وهذا الغاز الذي تمتلكه إيران والذي قتل الأكراد يُدعى غاز السيانيد.

يترك هذا الغاز خلفه آثاراً واضحة وهي ما ظهرت على الجثث التي فحصتها وكالة المخابرات الأميركية التي رأت أن أطراف أجسام الضحايا تحوَّلت إلى اللون الأزرق وهو ما يفعله فقط غاز السيانيد، بينما كان العراق يمتلك إبان قصف حلبجة غاز الخردل فقط الذي لديه تأثير مغاير تماماً لغاز السيانيد المملوك من قبل الجيش الإيراني، وهو ما يُثبِت بحسب بيليتيري أن إيران تتحمَّل مسؤولية قتل المدنيين الأكراد في حلبجة.

وحول تبدُّل موقف واشنطن من القضية يقول بيليتيري في كتابه أن الأمر لم يكن يعني شيئاً لواشنطن وخاصة إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، لكنه وحالما انتصر العراقيون في الحرب ضد إيران فتح بوش هذه القضية على مصراعيها لإلصاق تهمة الإبادة الجماعية بنظام صدام حسين تمهيداً لمحاسبته وتبرير القضاء عليه، فانتصار العراق في الحرب ودائماً بحسب بيليتيري أخلَّ بميزان القوى في الشرق الأوسط وجعله يميل إلى العراقيين وهذا ما لا تريده واشنطن لأن كل الدول باتت عاجزة عن مواجهة قوة العراق وفي مقدمتها إيران التي لم تعد قادرة على القتال في وقت كانت فيه كل الدول الخليجية المحيطة بالعراق ضعيفة وكان بإمكان صدام وخلال أسبوع واحد أن يسيطر عليها مجتمعة.

بناءً على ذلك يكشف بيليتيري أن الولايات المتحدة الأميركية أدركت حقيقة مُرَّة وهي أن العراق سيكون لها بمثابة المشكلة الخطيرة لها على صعيدي المصالح الاستراتيجية والحيوية لها في الشرق الأوسط وعلى أمن حليفتها الأستراتيجية الأولى "إسرائيل"، فالعراق بعد الحرب اكتسب الثقة وبدأ صدام حسين بإطلاق التصريحات كعبارة الدول العربية في الخليج هي المعنية فقط والمسؤولة عن أمن الخليج وهذه إشارات عراقية لضرورة خروج الولايات المتحدة الأميركية من المنطقة، بالإضافة إلى تصريحات صدام عن استعداده لقتال "إسرائيل" وتحرير فلسطين، ويؤكد بيليتيري أن هذه التصريحات العراقية دقعت الإدارة الأميركية للتحوُّل بمواقفها على الفور وتظهير العراق على أنه من دول "محور الشر" وتزامن ذلك مع الدعاية المُكَثَّفة في واشنطن والمناهضة لبغداد، وإحدى أهم التهم الرئيسية التي وُجِهَت ضد العراق في ذلك الوقت في الولايات المتحدة الأميركية هي تهمة إبادة الأكراد بالغاز، وتولى وزير خارجية واشنطن "شولتز" توجيه هذه الاتهامات وقيادة الحملات المناهضة لـ بغداد في البداية، وقال شولتز "لم يقتصر الأمر على استخدام العراقيين للغاز في حلبجة ولكنهم سيستعملون أسلحة الدمار الشامل ضد المناهضين لهم وصدام قتل 100 ألف كردي في هجومه".

بيليتيري ضابط المخابرات الرفيع ومحلل وكالة الاستخبارات المركزية يستند في تكذيب إدعاءات بلاده إلى نوعية الغاز المستخدم بناءً على نتائج فحص الجثث، وإلى دراسة التضاريس الموجودة في شمال العراق التي تُعيق انتقال الغاز بهذه السهولة ليبلغ عدد القتلى 100 ألف بحسب ادعاءات إدارة بوش، ويعترف بيليتيري بأن هذه الاتهامات الكاذبة ما هي إلا وسيلة لشيطنة العراقيين وعلى أمل إعادة إنشاء التوازن المناسب للقوى في الشرق الأوسط، ويرى أن صدام حسين هو أعظم البعثيين وهو فكرة حوَّلت العراق إلى بلد عظيم، وبالتالي فإن إسقاطه يعني غندثار هذه الفكرة وانهيار العراق شكَّل أولوية لواشنطن لبناء ما أسمته "الشرق الأوسط الجديد"، وكان إسقاط نظام صدام حسين الأساس في ذلك ورغم نجاح المخطط في العام 2003 "عام غزو العراق" إلى أن هذا المخطط فشل مع هزيمة "إسرائيل" في لبنان في العام 2006 ومن ثم فشل مخططات ما أُطلق عليها "الربيع العربي"، وليس انتهاءً بالطبع بالفشل الذريع لـ "إسرائيل" ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على المقاومة في غزة فعملية طوفان الأقصى لا تزال لغاية كتابة هذه السطور تضع تل أبيب وواشنطن في مأزق كبير قبل الإعلان عن الهزيمة الكبرى المتوقعة.                     

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا