تمديدٌ ثالثٌ للبلديّات ومفتوحٌ للفراغ الرئاسيّ
عشرة ملايين دولار هي النفقات المرصودة في موازنة 2024 لانتخابات بلديّة لن تحصل. "تمديد" ثالث مرتقب للبلديّات يتزامن مع تمديد مفتوح على المجهول للشغور الرئاسي، ومديريّات ومؤسّسات قضائية وعسكرية وإدارية تُملأ "الفراغات" فيها بقرارات التكليف والانتداب والوكالة والإنابة. ليس في هذه الصورة ما يعكس سوى عمق حالة التحلّل لدولة لم يعد لديها "ستر مغطّى".
كما في العام الماضي أعلنت وزارة الداخلية جهوزيّتها لإتمام الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها حيث أنجزت المديرية العامّة للأحوال الشخصية ومديرها العام إلياس خوري الجاهز دائماً لوائح الشطب وجزءاً كبيراً من الترتيبات المواكبة للعملية الانتخابية. حيث نشرت المديرية بدءاً من الأول من شباط القوائم الانتخابية على موقع وزارة الداخلية إفساحاً في المجال للتدقيق فيها وتصحيحها عند اللزوم، وإجراء الانتخابات على أساسها.
لكنّ القرار السياسي الذي قضى قبل عام بعدم إمكانية حصول الانتخابات البلدية "سيَصدر" هذا العام بنسخة منقّحة تتلطّى بحالة الحرب والمواجهة العسكرية في الجنوب ربطاً بحرب غزة. وعلى الأرجح سنعود إلى الدوّامة نفسها: هل ترسل الحكومة مشروع قانون إلى مجلس النواب لإقرار التمديد أم يتمنّع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مجدّداً منتظراً تقديم اقتراح قانون من النواب ووضع المسألة برمّتها بعهدة الرئيس نبيه برّي، مع العلم أنّ الحكومة كانت أرسلت مشروع قانون الموازنة إلى لجنة المال النيابية من دون رصد نفقات إجراء الانتخابات البلديّة؟!!
يبدو الأمر متماهياً مع سلوكية ميقاتي الذي أدرجت حكومته قبل نحو ثلاثة أشهر من استحقاق البلديّات عام 2023 بند تغطية النفقات الماليّة للانتخابات لكنّها لم تقرّه، كما أنّ ميقاتي رفض تمويل الانتخابات من حقوق السحب الخاصة SDR، لينتهي الأمر أخيراً بوضع بند التمويل في أسفل جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بعد الظهر "للشكل" فقط بعدما قُضي أمر التمديد صباحاً في مجلس النواب في 18 نيسان 2023. توليفة سياسية مفضوحة قد نشهد عروضاً إضافية منها قريباً.
"الداخليّة" جاهزة
وفق مصدر في الداخلية "تمّ تحديد مواعيد الانتخابات (المفترضة) في 12 و19 و26 من أيار المقبل، مع استثناء يوم الأحد 5 أيار بسبب عيد الفصح لدى الطائفة الأرثوذكسية".
لكنّ السؤال الأساس هو كيفية معالجة وضع القرى على الحدود الجنوبية التي تحوّلت تدريجاً منذ 8 تشرين الأول الماضي إلى مناطق نزاع عسكري، مع العلم أنّه في عام 1998 أُجريت الانتخابات البلدية في كلّ أنحاء لبنان للمرّة الأولى منذ 35 عاماً، فيما تمّ استثناء قرى الجنوب الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي والتي فُتحت صناديق الاقتراع فيها عام 2001 بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
في الوقائع، تتّجه قوى السلطة حالياً إلى السير مجدّداً بخيار التأجيل فيما تبدو الحجّة أقوى اليوم بسبب حالة شبه الحرب على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية المفتوحة على احتمال اندلاع حرب حقيقية في حال نفّذ العدوّ الإسرائيلي تهديده إذا لم ينسحب الحزب بـ "الدبلوماسية" نحو شمال الليطاني، إضافة إلى أزمة المئة ألف نازح من جنوب لبنان.
لا يبدو اليوم قرار استثناء القرى الحدودية من الانتخابات البلديّة ناضجاً في مقابل إجرائها في كامل المحافظات الأخرى، ولذلك "يُطنّش" المعنيّون على أن تصدر فتوى التمديد في اللحظات الأخيرة.
لكنّ حالة "التطنيش" بدأت فعليّاً بعد إقرار التمديد العام الماضي الذي تضمّن عبارة "لمدّة أقصاها 31 أيار 2024" على أن تقوم الحكومة بواجباتها بإجراء هذه الانتخابات (طوال فترة العام المنصرم) عندما تجد الوقت مناسباً لإتمام هذا الاستحقاق. ربط النزاع بين التمديد والحكومة لم يدفع الأخيرة إلى إيجاد الوقت المناسب لإجراء الانتخابات، وراهناً تتسلّح، مع قوى سياسية أخرى، بحجّة أكبر: الحرب.
يُذكر أنّ التمديد للبلديات عام 2023 كان التمديد الثاني، وذلك بعدما وافق مجلس النواب في نيسان 2022 على التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لمدّة عام كامل حتى 31 أيار 2023 لإفساح المجال لإجراء الانتخابات النيابية التي جاءت في توقيت متزامن مع موعد الانتخابات البلدية.
التمديد للفساد والتقصير
هكذا فإنّ التمديد الثالث على الأبواب، وأفظع ما فيه أنّه سيتمّ التمديد لبلديات نخرها الفساد أو منحلّة أو تعصف الخلافات بين أعضائها أو مقصّرة إلى حدّ التواطؤ، أو تشهد انتقالاً سلساً في إدارتها من الأب إلى الإبن!!
بالمقابل، يقول رئيس لجنة الدفاع والداخلية النائب جهاد الصمد لـ "أساس": "في حال تعذّر إجراء الانتخابات، فيمكن تفادي الأسواً من خلال إجراء انتخابات في البلديات المنحلّة".
لكن مصادر معنية تلفت إلى أنّ "عدد البلديات المنحلّة الذي يفوق 180 بلدية قد يرتفع أكثر ويصبح بالمئات ربما، وذلك بسبب لجوء العديد من البلديات إلى تسويات حيث توافقت بين عائلاتها الكبرى على المداورة في رئاسة البلدية كل ثلاث سنوات. لكن الأمر الواقع الذي فرض التمديد مرّتين للمجالس البلدية أفضى إلى استفادة بعضها من ولاية ثلاث سنوات وأخرى خمس سنوات، ما قد يدفع "المتضرّرين" من أعضاء المجالس البلدية إلى إعلان استقالاتهم من أجل تغيير هذا الواقع".
مقاطعة مسيحيّة؟
فيما لم تُعرف بعد الصيغة التي سيرسو عليها التمديد فإنّ المشاركة المسيحية في أخذ القرار داخل مجلس النواب ستفتح الباب أمام إكمال رئيس تكتّل لبنان القوي النائب جبران باسيل مجدّداً النصاب القانوني و"الميثاقي" لجلسة التمديد للبلديّات، كما فعل العام الماضي، وهي التي قاطعتها يومها قوى المعارضة والقوى المسيحية ودفعت بهؤلاء إلى تقديم طعون أمام المجلس الدستوري الذي رفضها جميعها. حتى الآن لم يُعرف بعد توجّه هذه القوى في ظلّ استمرار التوتّر والتصعيد في جنوب لبنان.
يعترف مصدر نيابي لـ "أساس" أنّ إجراء الانتخابات البلدية "آخر همّ لدى رئيس الحكومة، ويتشارك في ذلك مع قوى القرار المعنيّة وعلى رأسها الرئيس نبيه بري وصولاً إلى تقاطع المصالح مع النائب باسيل"، مشيراً إلى أنّ إقرار زيادة الضرائب والرسوم البلدية في الموازنة يلعب دوراً سلبياً، وهو ما قد يضعف الإقبال على الانتخابات.
كما علم "أساس" أنّ رئيس لجنة الدفاع والداخلية النائب جهاد الصمد سيدعو قريباً إلى جلسة للبحث في مسألة الانتخابات البلدية، وسيتمّ الاستماع إلى وزير الداخلية في ما يخصّ جهوزية الوزارة لإجرائها. لكنّ هذه المحطة تحديداً ستكرّس باكراً خيار عدم إجراء انتخابات أيار بتوافق ضمني بين قوى السلطة.
ملاك عقيل -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|