"عودة السوريين"... رئيس بلدية يتحدث عن "نوايا خبيثة" ويدعو للحذر!
"ضربة" للطائف والتوقيع الثالث: "هفوة" أم استشعار بالتغيير القادم؟
بأسلوب أشبه بالتهريبة، عيّن مجلس الوزراء المُصرِّف للأعمال في جلسته المنعقدة أمس ومن خارج جدول الأعمال، قائد اللواء الحادي عشر في الجيش اللبناني العميد حسان عودة رئيساً للأركان بعد ترقيته إلى رتبة لواء. إستنسبَ مجلس الوزراء انصراف الجميع إلى تتبّع المعطيات الواردة من قطاع غزّة حول الهدنة والإنشغال اللبناني بوضعية جبهة الجنوب وما يطرح حولها، لتمرير "التهريبة"، بعدما انتهى إلى إخراجها من التداول الإعلامي، واستطاع تأمين "تغطية قانونية" من خلال دراسة أعدّها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكّية تتألف من 42 صفحة و3 أقسام و17 فقرة بعنوان "تفادي الشغور المرتقب في القيادة العسكرية".
بحسب معطيات "ليبانون ديبايت"، لم يبلع وزير الدفاع موريس سليم قرار التعيين، ويعتبر أنه جاء متجاهلاً مطالعته، ويستبطن خرقاً دستورياً واضحاً، ويمثل تجاوزاً صريحاً لـ"إتفاق الطائف". ويؤكد سليم أنه لم يُسأَل، لا حول الشخص المقترح للتعيين، ولا بظروف التعيين، فيما يبقى الأسوأ أن وزير الدفاع لم يوضع في صورة ما يُحتمل أن مجلس الوزراء مقبل عليه، تماماً كعدم وضع مرجعيته السياسية المتمثلة في "التيار الوطني الحر" بصورة التدبير من قبل الحلفاء، ما يزيد من احتمال وجود اتفاق مسبق حول التعيين.
أضف إلى ذلك، أن الوزير يشعر بأن ثمة عملية إلهاء كبيرة شهدتها الأيام والساعات التي سبقت جلسة اتخاذ القرار.
في المقابل، يبرِّر أصحاب نظرية التعيين من خارج رأي الوزير القرار بـ"حالة التقاعس" التي طبعت تصرّفات الوزير سليم أخيراً. حيث أنه وعد بتقديم اقتراحات لتفادي الشغور في القيادة العسكرية، ولم يقرنها بصدق النوايا أو يقدم على رفع لوائح لرئاسة مجلس الوزراء.
إزاء ما تقدم، يبدو وزير الدفاع متّجهاً صوب دراسة القرار من الناحية القانونية وإجراء المقتضى بحقه، وهو لن يسكت عن هذا "التجاوز" الذي يعتبره "ضرب أحد أعراف الطائف"، فيما مرجعيته السياسية "سنّت أسنانها" على اعتبار أن القرار الذي اتخذ "يمسّ بالمسيحيين، وضرب عرض الحائط أحد أصول التعاطي العملي ضمن إدارت الدولة وتجاوز قاعدة ضرورية تتمثل في إبداء رأي الوزير في أي تعيين".
أكثر من ذلك، ما يسرّب نقلاً عن الوزير نفسه، يؤسِّس إلى وضعه "قائمة" بمن يتهمهم بتسهيل تمرير التعيين، شملت أسماء مرجعيات مسيحية كبيرة، يعتقد الجو المحيط بالوزير أنه كان لها دور من خلف الكواليس بتمرير التعيين أو تغطيته بطريقة أو بأخرى.
يقودنا الملف إلى مسألة قائد الجيش العماد جوزاف عون، ورغبة مستويات مسيحية وازنة بـ"تحرير مساره السياسي" من خلال تعيين رئيس للأركان، كي يتفرّغ "القائد" لحملته الرئاسية. يقودنا أيضاً إلى موقف وخيار "الثنائي الشيعي" الداعم بالمطلق لخيارات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. هنا ثمة سؤال واقعي بدأ يتبلور: هل قرّر "الثنائي" تجاوز اتفاق الطائف أو تعديله بالممارسة؟
يأخذنا الموضوع إلى نقاش أعمق أخذ يتفاعل خلال الفترة الماضية، يتحدث عن وضعية النظام اللبناني الحالية، أي نظام الطائف، وعدم قدرته على الإستمرار في ظل كل الشوائب التي تعتريه، ويتحدث عن مصير هذا الإتفاق: هل سيبقى كما هو أم نحن ذاهبون نحو تعديله؟
توفير تعديلات عادة بهذا الشكل والنوع تحتاج إلى "خضّة"، أو ظروف معينة أو علامات. وثمة من يعتقد أن تكون هذه الأشياء متوفرة اليوم في ظل حالة العطب السياسي المتمثلة في عجز "نظام الطائف" عن ابتكار حلول في ما خصّ موضوع رئاسة الجمهورية وغيره. وإننا بعد الأزمة التي عصفت بلبنان بتنا في أمس الحاجة - أو إننا أمام واقع لا مفرّ منه - يتصل بحتمية إجراء تعديلات أو تغييرات جوهرية على طبيعة النظام.
لكن هنا، لا بدّ من الإضاءة حول رأي الأفرقاء الآخرين، وعن سلبيات وإيجابيات هذا التعيين المتجاوز لرأي الوزير المؤهل بالنسبة إلى الطائف.
عملياً، يشكل التعيين من خارج المفاهيم التي أرساها الطائف "تحرّشاً" واضحاً بالطائفة السُنّية بصفتها الحامية لعرين الطائف. يزيد الموضوع التباساً، إنخراط رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بصفته الحالية مرجعاً سنياً أساسياً. يفتح الموضوع على توجّهات قد يكون ميقاتي يتبنّاها في هذا الصدد. هنا، كيف سيكون ردّ السُنّة على التجاوز أو التلاعب في أحد مكتسباتهم، وهل سيمرّ أم سيكون له مفاعيل أخرى، ومن يضمن ألا يتكرّر "التجاوز" في حالات مشابهة تتعلق بحصة أو رأي وزراء من طوائف أخرى، بعدما أرسى التعيين حالة لا يمكن تجاوزها.
على الطرف الآخر، ثمة من يعتبر أن "التيار الوطني الحر" "تعرّض" لطعنة في موضوع التعيين من خارج رأي وزيره ومن خارج وجود رئيس للجمهورية، وهذا صحيح. لكن إن نظرنا بعمق إلى الحالة، وسلّمنا بأن المسار يرتبط بإجراء تعديلات معينة على الطائف بالممارسة، فإن ما تقدّم ينسجم تماماً مع الخطاب والموقف التاريخي لـ"العونية السياسية" في الرأي بالطائف ككل، والدعوة الدائمة إلى تعديله. وبالتالي، يخدم ما تقدم نظرية التعديل. هنا، من الضروري العودة إلى فحص موقف "التيار" وزعيمه التاريخي العماد ميشال عون: هل سيمرّ على القرار من دون الخوض في معركة "كسر عضم" أو أنه سيذهب نحو المواجهة إنطلاقاً من عناوين مسيحية أو شكلية؟
يبقى السيء في ما سيكرّسه هذا التطبيق سواء إن قدّم طعن فيه أو لم يقدّم. ومن يضمن في المستقبل بعدما كرسّ التعيين في مثل هذه الحالة من خارج رأي الوزير إلى سابقة وعرف، من يضمن ألا تعاني من تأثيراته الجانبية طوائف أخرى، من بينها الطائفة الشيعية؟ من يضمن ألا يلتئم مجلس الوزراء في حالة معينة أو زمن معين، متجاوزاً رأي وزير المالية أو وزير الداخلية أو الخارجية أو غيرهم، ويمرّر تعييناً أو قراراً ينتقص من قيمته ودوره؟
إن التعيين الذي أتى بهذا الشكل، يُرسي مفاهيم ستؤسِّس لاحقاً إلى مرحلة سياسية أشدّ سوءاً.
"ليبانون ديبايت" - عبد الله قمح
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|