الحريري في بيروت "تمرينٌ شعبي - سياسي" لعودةٍ كاملة... مع وقف التنفيذ
لم يكن عابراً أن تخطف عودةُ الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري إلى بيروت لإحياء الذكرى 19 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري وكسْرِ الانكفاءِ عن الحياة السياسية الذي اعتمَدَه منذ 24 يناير 2022، الأضواءَ حتى عن الجبهةِ المشتعلةِ في جنوب لبنان والتي لم «تنطفئ» السيناريواتُ السودُ التي تَرسم لها احتمالاتٍ شديدة التفجّر.
وفيما كان «حبْسُ الأنفاس» على أشدّه في ضوء الإشاراتِ البالغة الخطورة التي تعبّر عنها استعداداتُ إسرائيل لبدء هجومٍ على رفح قد يفرْمله اختراقٌ في ملف التفاوض المستمرّ في شأن وقْف النار في غزة وإطلاق الأسرى، أو يُراد له أن يكون آخِر «أزرار التفجير» في سياق جَمْع الأوراق وتحسينها وتحصين موازين القوى قبل ترتيباتِ «اليوم التالي» التي بات لبنان «ملحقاً» رئيسياً فيها «على البارد أو الحامي»، كاد «هدير» محطةِ الحريري في بيروت التي وصل إليها مساء الأحد ويتوقَّع أن تستمر حتى نهاية الأسبوع أن يحجب دويّ التطوراتِ اللاهبةَ جنوباً.
وإذ مضتْ تل أبيب في استهدافاتها ومحاولات اغتيال كوادر من «حزب الله»، في مقابل عملياتٍ من الأخير تحت سقفِ قرارٍ بـ «ضبْط النفس» والردّ بـ «جرعاتٍ» توصل الرسالة بـ «أن الإصبع على الزناد» للمواجهة الكبرى بحال أرادتْها إسرائيل ولكن من دون استدراجها وهدْم خطّ التقاءٍ «يُبنى عليه»، في الظاهر كما في الخفاء، بين واشنطن وطهران تحت عنوان رفْض تصعيد التوتر وتَمَدُّده، جاءتْ زيارةُ الحريري للبنان لمناسبة ذكرى 14 فبراير مدجَّجةً بالرمزياتِ والإشاراتِ التي تَقاطَعَتْ في جانبٍ منها مع ما يَنتظر المنطقة والإقليم في ضوء حرب غزة وما ستفرزه من مشهديةٍ يُعتقد أنها سترتكز على تسوية متعدّدة البُعد والطرف، ولو بعد «انفجار كبير» ما لم تنجح الديبلوماسيةُ التي لا تهدأ في توفير «مخرج طوارئ» للجميع.
وبدا من الصعب فَصْلُ «المَظاهر الجديدة» التي ترافق الزيارة عن الأفق السياسي الذي يُعمل عليه للمنطقة و«ملاعب النار» فيها، وسط اقتناعٍ بأن تغليفَ محطة الحريري في 2024 بطابع سياسي غير مباشر وشعبي «تحشيدي» منظّم وعفويّ في الوقت نفسه يأتي في إطار عمليةِ «ربْطٍ» متعمَّدة مع ما يُعدّ في الإقليم وله، بحيث تكون ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري و«الجدار البشري» الذي يُرتقب أن يحوط بزعيم «تيار المستقبل» أمام الضريح وحوْله في وسط بيروت أشبه بـ «تمرينٍ» جماهيري و«تحمية» سياسية تشي بأن الحريري الابن اقتربَ خطوةً كبيرة في مسارِ العودة عن «الانسحاب من المشهد» ولكنه ينتظر التوقيتَ المُناسِبَ واكتمال نصاب الظروف المواتية لانخراطٍ جديد في المعادلة اللبنانية.
ولم يكن ممكناً التعاطي مع «مقدّمات» الزيارة وما رافقها من حِراك شعبي بدأ على مواقع التواصل تحت عنوان «تعوا ننزل ليرجع» (الحريري) عن اعتكافه ثم اتّخذ طابعاً تنظيمياً انخرط فيه «تيار المستقبل» علناً ويُنتظر أن يُترجم غداً بحشود كبيرة في محيط مسجد محمّد الأمين في وسط بيروت، إلا على أنها في سياقاتٍ أبعد من مجرّد الحضور الى لبنان لإحياء ذكرى 14 فبراير، ولا سيما أن الحريري عاد مرّتين منذ تعليق عمله السياسي للمشاركة فيها من دون أن تتخذ الزيارة هذا الطابع فوق العادي.
وثمة اقتناعٌ بأن الحريري، الذي أطلّ على اللبنانيين بـ «لوك» جديد لم يسبق أن ظهر به منذ دخوله الحياة السياسية على وهج زلزال اغتيال والده، بدأ بحركةٍ تمهيدية لتأكيد الحضور والاستفادةِ من «المبايعة» الكبيرة المتجدّدة له يوم غد لحجْز موقع مبكّر في أي اتجاهاتٍ انفراجية آتية على المنطقة، هو الذي كان اتّخذ القرارَ «الاختياري – القسري» بالاحتجابِ عن المَشهد بعد سلسلةِ خيْباتٍ ومسارٍ أقرب إلى «التنكيل السياسي» الداخلي واقتناعٍ «بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان، في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة» وفق ما جاء في بيان الاعتكاف حينها.
ومنذ يوم أمس، ومع بدء الحريري حركته الداخلية بزيارةٍ هي الأولى له إلى السرايا الحكومية (منذ 2022) حيث التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وأقيمت له تشريفات رسمية، اتجهت الأنظار إلى طبيعة اللقاءات والزوار لزعيم «المستقبل»، الذي فاضت أجندة مواعيده، من دون أن يكون أحد يملك «الجواب اليقين» حول إذا كان قد يعلن طيّ صفحة الانكفاء تحت وطأة المطالباتِ من جمهوره كما مختلف القوى السياسية، من خصوم وحلفاء، بأن يعود إلى الحياة الوطنية، رغم الانطباعِ بأن «العودةَ الكبرى» ربما مازالت تحتاج لبعض الوقت ريثما تتضح الصورة الإقليمية بالكامل ومعها ما ينتظر لبنان.
ولا شك في أن «أول غيثِ» تحركات الشارع ليل الأحد، بعيد وصول الحريري، حيث شهدتْ أكثر من منطقة مسيرات بالسيارات والدراجات النارية إضافة الى تجمعات في محيط «بيت الوسط»، بدت بمثابة «مؤشرات سبّاقة» لِما سيشهده يوم 14 فبراير حيث سيَرسم جمهور «المستقبل» بالتجمّع الحاشد وبالخط العريض، إلى جانب «ما خلصت الحكاية»، شعار «هالمرة ممنوع تفلّ» لشخصيةٍ انسحبتْ من المَشهد السياسي من دون أن تُسحب منها زعامةٌ لم تؤل لغيرها رغم الانتخابات النيابية في مايو 2022 وتَركَ غيابُها ندوباً في الجسم الوطني وتوازناته رغم كل محاولات القيادة الروحية للمكوّن السني كما رؤساء الحكومة السابقون الحدّ من أضرار هذا الانكفاء وتأمين أطرٍ تُبقي على «جدران صدّ» أمام أي استضعافٍ له.
سخونة جنوباً
وفي موازاة الأنظار التي ستبقى لأيام على بيت الوسط، كان الجنوب يشهد سخونة متزايدةً، وسط الكشف في بيروت عن المقترح الذي قدّمته باريس عبر وزير خارجيتها الذي زار لبنان الاسبوع الماضي لمنع انفلات جبهة الجنوب وعلى قاعدة فصْلها عن جبهة غزة، ويرتكز في جوهره على روحية تفاهم أبريل 1996 لجهة عدم التعرض للمدنيين من الجانبين، ويشمل إجراءات متدرّجة على جانبَي الحدود، تبدأ بوقف الأعمال العدائية من الطرفين ثم في المرحلة التالية سحب حزب الله عناصره الى عمق بين 8 إلى 10 كيلومترات عن الحدود بما في ذلك «قوة الرضوان»، وعدم معاودة بناء القواعد ومراكز وأبراج المراقبة التي دمّرها الجيش الإسرائيلي، على أن يلي ذلك بدء عملية التفاوض حول تفاهم بري وتطبيق كامل للقرار 1701 من إسرائيل ولبنان.
وفي حين ذكرت تقارير أن «الورقة غير الرسمية» الفرنسية قوبلت بردّ «غير رسمي» لبناني، وسط اقتناعٍ بأن أي خطوة لن تكون ممكنة جنوباً قبل وقف العدوان على غزة، وفق ما يؤكد «حزب الله» الذي يتحدث أمينه العام السيد حسن نصرالله اليوم، فإن إسرائيل مضت بالتصعيد على مسارين:
- التهديدات، حيث أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقل واحدة من أكبر الفرق العسكرية من قطاع غزة إلى مشارف الحدود اللبنانية، لافتة إلى أن رئيس هيئة الأركان «قرر نقل الفرقة المدرعة 98 من قطاع غزة إلى الحدود مع لبنان».
- القصف والغارات والاستهدافات بمسيرات حاولت إحداها اغتيال مسؤول منطقة مارون الرأس في الحزب محمد علوي في بنت جبيل.
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي «أننا استهدفنا بغارة سيارة في داخلها عناصر من حزب الله في منطقة مارون الراس»، صرح مصدر أمني لبناني لـ «فرانس برس» بأن مسؤولاً في الحزب «أصيب بجروح بالغة جراء ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في مدينة بنت جبيل».
وإذ نعى «حزب الله» أمس، اثنين من عناصره، أعلنت المديريّة العامّة لقوى الأمن الدّاخلي في بيان، سقوط الرقيب علي محمّد نمر مهدي «الذي استشهد بتاريخ 11/ 02/ 2024، إثر الاعتداء بالقصف من العدوّ الإسرائيلي، الذي طال بلدته حولا الجنوبيّة».
وفي موازاة ذلك، استقبل نصرالله أمس، الأمين العام لـ«حركة الجهاد الإسلامي» في فلسطين زياد نخالة، حيث تم استعراض «آخر المستجدات في قطاع غزة والضفة الغربية ميدانياً وشعبياً وسياسياً وأوضاع جبهات الدعم والمساندة التي يُقدمها محور المقاومة في الساحات المختلفة، وتم التداول حول الاحتمالات القائمة والتطورات المتوقعة سواءً على مستوى الميدان أو الاتصالات السياسية».
وأكد الطرفان «ضرورة الثبات ومواصلة العمل بقوة لتحقيق النصر الموعود».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|