سوريا المأزومة تأمل ثمناً لنأيها بنفسها عن وحدة السّاحات
تُرافق الضربات الإسرائيلية ضدّ الوجود الإيراني في سوريا الحرب على غزة فتتنامى النقمة على ميليشيات الممانعة. وتعمل دمشق على تفكيك خصومة دول عربية معها فيما تعود العمليات الأمنيّة ضدّ النظام في محافظات درعا، السويداء، إدلب وغيرها. تغيب دمشق عن المواجهة التي يخوضها محور الممانعة مع إسرائيل وأميركا. مع ذلك تراهن على حضورها في أيّ تسوية في اليوم التالي للحرب.
أوّل من أمس الأحد بثّت وسائل إعلام سورية مقابلة أجراها صحافي روسي مع الرئيس بشار الأسد ركّزت على حربَي غزة وأوكرانيا. لم تتناول الوضع السوري الداخلي والضربات الإسرائيلية وإطلاق الصواريخ من قبل ميليشيات موالية لإيران على الجولان المحتلّ… برّر الأسد الموقف العربي “السيّئ”، كما وصفه، حيال حرب غزة، بتأثير الغرب على قرارات الدول العربية. وتهكّم الأسد على العقوبات الغربية ضدّ نظامه وضدّ الرئيس فلاديمير بوتين ممتدحاً الأخير.
“مناهضة التطبيع”… والتّريّث السّعوديّ والكبتاغون
لم يمضِ أسبوعان على صدور قانون “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد” في مجلس النواب الأميركي. لأنّ واشنطن ترمي إلى وقف اندفاع بعض الدول العربية لاستعادة العلاقات مع النظام وتقديم الدعم له. وهو ما أدّى إلى تريّث سعودي في تعيين سفير في دمشق. مع ذلك تترقّب القيادة السورية تسمية هذا السفير، وتتوقّع فتح القنصلية قريباً. ويقول مصدر دبلوماسي عربي إنّ الأسد أبدى ارتياحاً لحضوره القمّة العربية في الرياض في أيار الماضي. وأدّى ذلك إلى ارتفاع وتيرة التنسيق الأمنيّ. النظام يعطي “مؤشّرات إيجابية للانفتاح على المملكة. لكنّ الأخيرة تفضّل الانتظار بعض الوقت، لأنّ عوامل عدّة تتحكّم بالوضع هناك”. ويجب احتساب أدوار دول مثل روسيا وإيران وتركيا وغيرها، حسب المصدر، بينما يقرّ المعنيون في سوريا بأنّ الانفتاح العربي والخليجي، وحتى الإماراتي، بطيء.
تفيد معلومات “أساس” أنّ اجتماعاً وزارياً عربياً سيُعقد في الأيام القليلة المقبلة في القاهرة. ويفترض أن يُطرح خلاله إحياء لجنة الاتصال العربية حول سوريا التي شُكّلت في قمّة الرياض. فالمواضيع التي تشكّلت لأجلها اللجنة ما زالت عالقة، وأهمّها بالنسبة إلى لبنان عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
لكنّ هناك أولويات أخرى بالنسبة إلى دول أخرى معنيّة بعمل اللجنة هي وقف تهريب المخدّرات والكبتاغون إلى الدول العربية، لا سيما الخليجية، وخاصة عبر الأردن. وهو الأمر الذي أدّى إلى توتّر في العلاقة الأردنية السورية في الآونة الأخيرة. وجرت محاولة معالجته في الاجتماع الرباعي لوزراء الداخلية في الأردن، سوريا، لبنان، والعراق في عمّان في 17 شباط الماضي. وذلك لاختبار مدى التزام دمشق بمنع التهريب من أراضيها. ولهذا حديث آخر.
سوريا الصّامتة حيال غزّة
لكنّ المصدر الدبلوماسي العربي يسجّل بعض جوانب الغياب السوري عن غزة ويلاحظ “الصمت المطبق” في سوريا حيال التطوّرات فيها. يلتقي ذلك مع تكرار مطّلعين التأكيد على ما يدور في دمشق منذ الحرب على غزة وفق الآتي:
– التزمت القيادة السورية بالتحذيرات التي تلقّتها من دول عدّة بعدم إفساح المجال أمام أيّ عمل عسكري انطلاقاً من الأراضي السورية ضدّ إسرائيل. التحذيرات نقلتها موسكو، سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة. وبات واضحاً أنّ الجانب السوري أجاب على بعض هذه التحذيرات بأنّ الأمر لا يتعلّق به وحده، بل بالوجود الإيراني على الأراضي السورية. وبعض الدول تولّت نقل التحذير إلى الجانب الإيراني منذ بداية حرب غزة. لكنّ بعض العمليات بأمر إيراني ضدّ إسرائيل تلقى رداً منها يظهر التعاطي السوري معه خجولاً وشكلياً.
– الأجهزة الأمنيّة السورية بادرت إلى الطلب من المنظمات الفلسطينية التي لديها مكاتب في سوريا أن تلتزم الهدوء وعدم تنظيم تظاهرات تضامن مع غزة في المدن السورية. وهذه المنظمات معتادة على واجب “الطاعة” في العاصمة السورية.
النأي بالنفس… والنقمة على الوجود الإيرانيّ
– تتعدّد العوامل خلف نأي الفريق الحاكم في سوريا عن التورّط في أيّ عمل عسكري ضدّ إسرائيل. يبدأ ذلك من تعب المجتمع السوري بما فيه الموالي للنظام والبيئة المتعاطفة معه وقاتلت إلى جانبه، من الحروب منذ 2011. يضاف إليها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشمل مناطق سيطرة النظام المحاصر بالعقوبات، ولا سيما العاصمة. وهو ما أعاد تحريك الاحتجاجات ضدّه في مناطق عدّة خلال الأشهر الماضية.
– تنامت في الأوساط السورية الشعبية، بما فيها الموالية للنظام، نقمة إزاء الانفلاش الأمني الإيراني في المناطق كافّة، ولا سيما في دمشق ومحيطها. فالتشكيلات التابعة لـ”حرس الثورة” الإيرانية المنتشرة في معظم مناطق سيطرة النظام زادت من انضوائها تحت مظلّة وحدات عسكرية سورية. ومنها الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، والمخابرات الجوّية، وبعض الأفواج والألوية الموجودة في الجنوب السوري وفي الساحل.
وبلغت تلك النقمة أوساط بعض العسكريين في المؤسسة العسكرية، الذين لا يستسيغون نفوذ طهران فيها، ويفضّلون التعاون مع الجيش الروسي. فهؤلاء معتادون منذ عقود على ذلك، تدريباً وتسليحاً وفي الثقافة الأيديولوجية. وأثارت حفيظتهم تعبئة فراغ بعض الانسحابات الروسية جرّاء حرب أوكرانيا، من قبل ميليشيات إيران.
– العارفون بالمزاج الشعبي السوري يؤكّدون أنّ الانفلاش الاقتصادي الإيراني في سوريا وشراء العقارات واستخدام الأموال لتثبيت النفوذ أثارت حفيظة الشريحة العلوية أيضاً. لم يعد الأمر مقتصراً على الرفض السنّي.
– ملاحقة إسرائيل الأمنيّة والعسكرية لقادة ومسؤولي “حرس الثورة” و”الحزب” اللبناني، واغتيالهم بالطائرات المسيّرة في شقق سكنهم في العاصمة دمشق رفعا منسوب الاحتجاج. الأبنية التي دُمِّر بعضها لاستهداف قادة “الحرس”، والأضرار التي أصابت أبنية أخرى دفعت سكّانها إلى المطالبة بإخراج هؤلاء من المناطق السكنية التي يستأجرون الشقق فيها. وأخذت الأجهزة الأمنيّة تنصح بعضهم بالسكن في ضواحي العاصمة.
يترقّب بعض أوساط النظام نهاية الحرب في غزة، والمعطيات عن أنّ الهدنة ستقود إلى البحث في مسار سياسي للحلول للصراع مع إسرائيل، استناداً إلى القرارات الدولية. فالحديث عن حلّ الدولتين، وخلق دينامية تفاوض لا بدّ من أن يشمل القرار الدولي الرقم 242 الذي يشمل سوريا. أي أنّ هناك إمكانية لما يسمّى “مدريد-2″، يأمل بعض الفريق الحاكم في دمشق أن تكون طرفاً في أيّ محادثات تحتضنه، فتتخطّى العقوبات والقطيعة مع القيادة السورية.
فيما تبقى هذه الآمال في إطار التمنّيات، كما تقول بعض المصادر العربية، فإنّ الجانب السوري يأمل في كلّ الأحوال أن يحصل على مقابل لعدم انضوائه تحت لواء شعار “وحدة الساحات”. وهو امتنع عن الترويج لذلك أو عن ممارسته، تاركاً الأمر لإيران وحلفائها.
وليد شقير - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|