"التيار": برّي "ليّن" والحزب مُقصّر
تطغى “صواريخ رمضان” على “هدنة رمضان”. جميع السيناريوهات التي تحدّثت عن هدنة وشيكة في غزّة تنسحب على جنوب لبنان قبل بدء شهر الصوم سقطت. وبدلاً من المحادثات غير المباشرة التي “بشّر” بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لتثبيت التهدئة في المناطق الحدودية في رمضان… تفرض لغة الصواريخ وقعها على جانبي الحدود لتتوسّع مجدداً باتّجاه بعلبك وبلدات بقاعية.
لا تقف الإجراءات الشكلية عائقاً أمام التقاء النواب على طاولة الحوار في ساحة النجمة. باختصار فإنّ الحزب غير جاهز بعد لإعطاء جرعة مقوّيات لأي حراك داخلي أو خارجي. فيما قيادته تخوض أصعب معاركها الميدانية وأكثرها استنزافاً منذ عملية عناقيد الغضب عام 1996. يترافق هذا الواقع مع معطيين داخليين مستجديّن:
– الأول: لم تقترن الدعوة التي وجّهها الرئيس نبيه برّي في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر الأخيرة إلى حوار السبعة أيام في أيلول 2023 بين رؤساء الكتل النيابية بشرط ترؤسّه الحوار. حتى أنّ نائب “حركة أمل” قبلان قبلان أكّد في تموز الماضي أنّ “برّي حاسم بعدم ترؤسه أيّ جلسة حوار لأنّه أصبح طرفاً بعد ترشيحه فرنجية”.
في المقابل، عَكَسَ كلام بري قبل أيام تشدّداً حيال ترؤسه الحوار “شخصياً ومن دون شروط مسبقة”. ما فسّر، برأي متابعين، إعادة إمساك برّي بإدارة المرحلة وفق شروط عين التينةّ. وهو الأمر الكفيل وحده بثني المرحّبين بمبادرة “كتلة الاعتدال” عن الاستثمار السياسي بمشروع “التداعي إلى مجلس النواب والتشاور وانتخاب رئيس”. مع ذلك، تجزم مصادر موثوقة بأن هذا “التنتيع” حيال آلية الحوار ليس سوى “القشرة” التي تخفي عدم جهوزية “الثنائي الشيعي” لتقديم ورقة الرئاسة في توقيت سياسي بالغ الارتباك ويشهد خلط أوراق إقليمية-دولية.
– الثاني: في ظل التموضعات السياسية الواضحة من ملف الرئاسة يبرز استمرار التيار الوطني الحر في سياسة محاولة التفريق بين موقفيّ حركة أمل وحزب الله. حتّى وصل الأمر إلى حدّ انتقاد زيارة وفد نواب الحزب قبل أيام إلى الرئيس ميشال عون باعتبارها “متأخرة جداً”. (كان يفترض أن تحصل خلال أعياد الميلاد ورأس السنة) . واعتبارها “خطوة غير كافية”. فيما برز استياء لدى كوادر التيار الوطني الحرّ من مواقف النائب حسن فضل الله الذي تحدّث قبل أيام عن فحوى الزيارة موحياً بأنّ “الرئيس عون كان مُضلّلاً بالإعلام ووضّحنا له ما يحدث في الجنوب”… وإشارته إلى أنّ “عون فَتَح الحديث معنا بخصوص جبهة المساندة لغزّة ولم نكن بصدد الكلام عنها.”
الأهمّ، تركيز “الباسيليين” على “الليونة” التي تطبع مواقف الرئيس برّي مؤخراً، برأيهم، ومحاولة الايحاء بأنّه “يستعجل انتخاب رئيس الجمهورية أكثر من الحزب ويفتّش عن مخرج ما يعفيه من ترشيح فرنجية الذي لم يعد بالإمكان السير به”. لن يكون تفصيلاً ترداد بعض شخصيات التيار كلاماً من نوع: “قد نجتمع مع الرئيس برّي على مرشّح ثالث كمدير عام الأمن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري. نحن نحتاج إلى نصف أصوات الثنائي وليس جميعها”.
شهر “الغموض“
في مطلق الأحوال، يبدو شهر آذار عابقاً بالغموض:
– إن لجهة نتيجة التفاوض “على الحامي” بين إسرائيل وحماس برعاية قطرية – مصرية – أميركية.
– أو لجهة تداعيات سقوط هدنة غزة على جنوب لبنان واحتمال اندلاع الحرب التي يخشاها الجميع.
– وأيضاً لصعوبة تسويق الموفد الاميركي آموس هوكستين أيّ اقتراح جزئي، أمني وسياسي، يُحجّم الحزب جنوباً بمعزل عن نتائج “ساحة غزة”.
– وعدم توصّل وزراء خارجية اللجنة الخماسية حتّى الآن إلى إحداث خرق ملموس في جدار الأزمة الرئاسية.
– وصولاً إلى عدم وجود رهانات جدّية لا على حراك الداخل، من جهة “الخماسية” أو “كتلة الاعتدال”، أو حراك الخارج وزيارات بعض السياسيين اللبنانيين إلى الدوحة…
أمام حالة المراوحة تجزم مصادر موثوقة بأنّ هناك “مطابخ” سياسية شغّالة تلتقط ما يمكن البناء عليه للمرحلة المقبلة. وهي جملة معطيات داخلية تتراكم سيكون لها تأثيرها في تكوين مشهد ما بعد حرب غزة ومنها:
– صحيح أنّ “كتلة الاعتدال” لم تسمع جواباً من وفد الحزب على بنود مبادرتها. لكن ما قيل داخل الجلسة له دلالاته المعبّرة حيث حرص الحزب على التأكيد بأنّه لا يزال يتبنّى ترشيح فرنجية ما لم يقرّر هو خلاف ذلك. وبأن لا رغبة لدى الحزب بتكرار تجربة ميشال سليمان رئيساً. ما فُهِم بأنّه موقف مبدئي من ترشيح أي قائد جيش، من الآن وصاعداً. وليس بالضرورة وجود فيتو على إسم العماد جوزف عون.
– وجود نقاش حقيقي حول ما إذا كانت بعض الأصوات النيابية من خارج الـ51 صوتاً التي نالها سليمان فرنجية في جلسة الانتخاب الأخيرة قد تنضمّ إلى فريق الداعمين لـ “البيك” أو العكس. فيما يشير مطلعون إلى أن إحدى دول الخماسية لعبت دوراً في عدم رفع سكور فرنجية تشجيعاً فقط للسير بخيار المرشح الثالث وتسهيل انتخابه.
– هناك كلام جدّي في الكواليس يتناول استحقاق رئاسة الحكومة المقبلة لناحية المواصفات والأسماء التي لن يكون الرئيس نجيب ميقاتي من ضمنها. حتّى أنّ بعض أعضاء “الخماسية” حاول استمزاج رأي مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في شأن الاحتمالات الممكنة والتي يُفترض أن تتماهى مع إسم رئيس الجمهورية المقبل. ذاك الذي تريده قوى القرار من خارج محور الاصطفافات والأقرب إلى “الرئيس الرمادي”.
– هناك سعي واضح من جانب “المطابخ” نفسها لجعل الفريق المسيحي مُشارِكاً في استحقاق رئاسة الحكومة وليس بموقع المعارض. ما أتاح للصوت الشيعي أن يكون مقرّراً في السنوات الماضية باختيار رؤساء الحكومات والصوت السنّي أن يكون “مغلوباً على أمره”. باستثناء حكومة سعد الحريري الأولى في عهد ميشال عون.
هذا تماماً ما حدث مع الحريري الذي تمّ تكليفه تشكيل حكومة عام 2020 بـ65 صوتاً من دون أصوات أكبر كتلتين مسيحيتين، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وتكليف ميقاتي عام 2021 بـ72 صوتاً، وعام 2022 بـ54 صوتاً، من دون أصوات “التيار” و”القوات” وقوى مسيحية معارضة.
أمّا عام 2019 فتمّ تكليف حسّان دياب في ظل معارضة مسيحية له ونيله 69 صوتاً مع تأييد مسيحي من جانب “التيار الوطني الحرّ” فقط. فيما منح “التيار” أصوات نوابه لمصطفى أديب عام 2020. وفي المقابل سمّت “القوات” نواف سلام.
ملاك عقيل - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|