الصحافة

نتنياهو – بايدن… مَن يطيح مَن؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يؤمن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يخوض حرباً يأمل القسم الأكبر من العالم في كسبها سواء سراً أو علناً، باستثناء ايران وبعض المغالين العرب والاسلاميين، وذلك ليس حباً به بل خوفاً من الحركات الأصولية التي تحولت الى عبء أمني وعقائدي لا يمكن تلافيه بالوسائل التقليدية.

ويؤمن أيضاً بأن من يراهن على خلاف مع أميركا أو أوروبا لن يحصد سوى الخيبة، وبأن من يراهن على قطيعة مع العالمين العربي والاسلامي في معظمهما لن يحصل على أكثر من الفراغ، وذلك بعدما حسم معظم العرب والمسلمين أمره وقرر الفصل بين استراتيجية “حماس” الايرانية، والقضية الفلسطينية الأكثر عروبة وعقلانية في معاقل الرئيس محمود عباس.

والسبب في ذلك يعود بكل بساطة الى عامل جوهري واحد: لا أحد في الأنظمة العلمانية والعربية المعتدلة وحتى الاسلامية المنفتحة، يريد أن يرى حركة “حماس” منتصرة في غزة، أو “حزب الله” غالباً في لبنان، أو “الحوثي” متفوقاً في البحر الأحمر، أو “الحشد الشعبي” مسيطراً في العراق، أو “الحرس الثوري” مهيمناً في سوريا، أو ايران متحكمة بمفاتيح الاستقرار والقلاقل في الشرق الأوسط.

وانطلاقاً من هذا المشهد، يمضي نتنياهو في عنجهيته وعناده، ليس تمسكاً بالسلطة كما يروّج الكثير من المراقبين والمحللين الممانعين، بل لأنه يؤمن بأن الحرب التي يخوضها في غزة ممنوعة من الوصول الى هزيمة أو حتى شبه هزيمة لأن ذلك يعني ثلاثة أمور أساسية: أولاً أن سقوط اسرائيل يضاهي في حجمه حجم “الزلزال” في هواجس الأمن الاقليمي والعالمي، ويعني ثانياً سقوط أهم قاعدة استراتيجية في الشرق الأوسط في حسابات أميركا والعالم الحر، ويعني ثالثاً انتصار ايران وملحقاتها المتطرفة التي تهدد الأنظمة العربية المعتدلة وتحديداً في منطقة الخليج اضافة الى الممرات البحرية والموارد الطبيعية التي تحولت مطلباً حيوياً ملحاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

ويقول مصدر ديبلوماسي غربي: “لينتقد الرئيس الأميركي جو بايدن ما يشاء ويعترض ما يشاء، فهو يعرف أن أي اجراء سلبي قد يتخذه ضد اسرائيل سيرتد على أمنه القومي في مكان، وموقعه السياسي والشعبي في مكان آخر، وموقعه الاستراتيجي في كل الأمكنة وتحديداً حيث تتراكم التوترات خصوصاً بين أميركا والصين قبالة تايوان وبين الأطلسي وروسيا قبالة أوكرانيا”.

ويضيف المصدر: “ان ما يردده بايدن في مواجهة نتنياهو هو غير ما تردده المنظومة الأمنية الأميركية، وان ما يخرج من البيت الأبيض في اتجاه نتنياهو، هو غير ما يخرج من الترسانات العسكرية نحو موانئ اسرائيل ومطاراتها”، مشيراً الى أن الرئيس العجوز يجد نفسه عالقاً بين خلاف شخصي مع نتنياهو لا يتوقف عنده الأميركيون، وأمام حقيقة دامغة تجبره على الفصل بين اطاحة رجل لا يتماهى معه وضرب دولة يعتبرها الأميركيون واحدة من ولاياتهم البعيدة جغرافياً والقريبة استراتيجياً. من هنا حاول ويحاول بايدن اللعب على ثلاثة أوتار حساسة قبيل الانتخابات الرئاسية، الأول محاولة استمالة عضو حكومة الحرب بيني غانتس لاحراج نتنياهو وإخراجه وتأييد انتخابات طارئة في تل أبيب، وهو أمر لن يمر في ما يبدو، والثاني استقطاب الناخبين العرب من خلال “نصرة” المدنيين في غزة، والثالث حشد الناخبين اليهود من خلال نصرة الجيش الاسرائيلي ضد مقاتلي “حماس” و”حزب الله” وهما أمران لا يبدو أنهما يثمران في الاستفتاءات الأميركية حتى الآن.

ويزيد مصدر آخر قائلاً: ان نتنياهو ربما يكون المسؤول الاسرائيلي الوحيد الذي يتحدى رئيساً أميركياً منذ انشاء دولة اسرائيل “لا بل الوحيد الذي يدير له ظهره في أمر يعتبر أنه لا يعنيه”، ليس بناء على قواه الذاتية، وهي قوة يعتد بها، بل بناء على اقتناع لديه بأن غزة باتت في قبضته، وبأن الرأي العام العالمي يرفض انكسار بلاده حتى لو كانت وكراً من الشياطين، وهو ما برز في التورط العسكري الأميركي والبريطاني سواء قسراً أو طوعاً قبالة اليمن، والأميركي في كل من العراق وسوريا اضافة الى الأسطول الحربي الدولي في مواجهة المنصات القادرة على الضرب في البحر وفي عمق الدولة العبرية.

وليس من قبيل المصادفة أن تسهم الدول الكبرى، سواء قصداً أو عفواً في تأمين ما يحتاج اليه نتنياهو من وقت لانهاء حملته على حركة “حماس”، ولو وصل به الأمر الى اقتحام رفح على رؤوس سكانها، وفي لجم الساحات الايرانية الأخرى ومنعها من الهائه أو تشتيت قواه، اضافة الى تأخير أو تقنين المساعدات الغذائية والطبية والانسانية التي يمكن أن تعطي “حماس” جرعة دعم من السكان المدنيين الخائفين والحانقين.

وأكثر من ذلك، يؤكد نتنياهو أيضاً أنه لن يفرط بما يراه “انتصاراً وشيكاً” فى غزة لا كرمى واشنطن ولا المحكمة الدولية ولا الأمم المتحدة، معتبراً أن الحرب التي يدفع ثمنها من جنوده ورصيده واقتصاده وشعبه وسمعته تفتح له الطريق نحو التاريخ وليس نحو السجن، وتشكل في سياق آخر واحدة من أثمن الأوراق الانتخابية في حملة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي افتتح برنامجه الخارجي بتبني الحملة على “حماس”، موحياً بأن السياسة التي اتبعها حيال القدس عندما كان رئيساً، ستتواصل اذا أعاده الأميركيون الى البيت الأبيض الخريف المقبل.

وأكثر من ذلك أيضاً، ما ينطبق على نتنياهو ينطبق على أوكرانيا التي استقرت في الخطوط الخلفية بعيد “طوفان الأقصى”، وبدأت حديثاً تجر “حلف الأطلسي” تدريجاً الى أراضيها بعدما اكتشف أن أي “نصر” روسي في كييف سيعني نصراً على أوروبا كلها، وبعدما أدرك أن ما جرى في غزة بقرار ايراني ودعم روسي مبطن، أعطى موسكو الفرصة التي كانت تحتاج اليها لتغيير مسار الحرب، وكاد يعطي الصين فرصة مماثلة للانقضاض على جزيرة تايوان، وأسهم أيضاً في الهاء العالم عما تنتجه ايران في المنشآت النووية .

وسط هذه الأجواء، تقترب “حماس” من التخلي عن كل أوراقها في مقابل وقف لاطلاق للنار، بعد شعور مرير بأنها تركت وحيدة بين واحد من خيارين اما الاستسلام واما الموت، وهو أمر يعرفه “حزب الله” الذي بدأ يعيد حساباته ويبحث عن طريقة ينسحب بها من المأزق الذي وقع فيه في “الثامن من أكتوبر” الماضي، معترفاً في كواليسه بأنه وقع في خطأ استراتيجي شبه قاتل عندما انتظر اسرائيل في البر فجاءته من الجو، وبأنه لم يكن يتوقع أن يكون مخترقاً الى هذا الحد، وأن يصمد نتنياهو كل هذه المدة وهو الغارق في أزمات داخلية كادت تطيحه في المحاكم والشارع معاً.

وما ينطبق على “حماس” و”حزب الله” ومعهما محور الممانعة، بدأ يقترب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ظن بعد “طوفان الاقصى” أن الطريق نحو كييف قد فتحت أمام قواته، ليدرك الآن أنه لم يعد في مواجهة عدو واحد هو فولوديمير زيلينسكي بل حلف الأطلسي عن آخره، وأنه يحفر بيديه الطريق نحو حرب عالمية ثالثة.

هذه الفورة الدولية في مواجهة ايران وروسيا قد تعني حكماً أن ينتقل الجيش الأوكراني من الدفاع الى الهجوم للجم التقدم الروسي وانفلاشه، وأن يعمد نتنياهو من جهته إلى اطالة أمد الحرب وتوسيعها سواء في غزة أو في الجنوب حتى الوصول الى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في رهان أوكراني – اسرائيلي مشترك يأمل في عودة ترامب الى الملعب الذي يمارس فيه جنوناً بدأ العالم يحسب له أكثر من حساب.

والى أن يتم ذلك، يتردد في لقاءات “حزب الله” – “حماس” في بيروت غير ما يتردد في الاعلام المعنوي، وهو مجرد أسئلة مشتركة تبحث عن جواب: كيف نسحب يحيى السنوار سالماً من رفح؟ وماذا في يدنا للحفاظ على غزة جزءاً من محور الممانعة؟ وكيف يمكن أن يدفع نتنياهو الى وقف القتال تمهيداً للانسحاب من حرب أردناها “اشغالاً” فتحولت اشتعالاً؟

الجواب لا يحتمل أكثر من حقيقة واحدة وهي أن اسرائيل ألغت نظرية التوازنات، وافتتحت حروب “الغالب والمغلوب” في غزة وسط مخاوف من استنساخها في غير مكان وتحديداً في لبنان.

أنطوني جعحع-لبنان الكبير

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا