دوري ابطال اوروبا: اتلتيكو مدريد يواصل تألقه وفوز مثير لليل على شتورم غراتس
مظاهر مفعمة بالحياة والفرح ولكن.. هل اللبنانيون سعداء حقا؟
رغم تزايد الأزمات والتحديات، تبدو الحياة مستمرة بكل حيوية في لبنان، حيث تزخر المطاعم والمقاهي بالرواد، وتنظم الحفلات الموسيقية والمهرجانات الفنية والثقافية، مما يوحي بأن اللبنانيين تأقلموا مع الظروف الصعبة ويعيشون حياتهم بشكل طبيعي، لكن هل هذه المظاهر الإيجابية تعكس سعادة حقيقية؟
"لقد نسينا طعم السعادة منذ بداية الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار بشكل لا يصدق"، هذا هو جواب معظم اللبنانيين حين سألهم موقع "الحرة" إن كانوا سعداء، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للسعادة، إذ عبروا عن قلقهم ومخاوفهم من الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية الصعبة التي يمر بها بلدهم.
"باتت مخاوف المرض تسيطر علينا، ليس خشية من الألم أو الموت، بل من عجزنا عن دفع تكاليف العلاج، يضاف إلى ذلك مخاوفنا من مواجهة أولادنا مستقبلاً غامضاً ليس بسبب رفضهم متابعة تعليمهم، بل لعدم قدرتنا على دفع أقساط مدرستهم، وأكثر من ذلك بتنا نخشى ألا نتمكن من تأمين أدنى متطلبات الحياة، وزاد الطين بلّة المعارك الدائرة على الحدود وإمكانية اندلاع حرب واسعة في أي لحظة وما سيترتب على ذلك من خسائر في الأرواح والممتلكات"، بحسب ما تقول الوالدة لثلاثة أبناء، ريان.
ورغم ذلك، تشدد ريان في حديث مع موقع "الحرة" على أن "الظروف القاسية التي يمر بها أهل غزة علمتني أن أحمد الله على القليل الذي أملكه، إذ يكفيني أن لدي سقف يحميني وماء يرويني وطعام يسدّ جوع أولادي. لست بحاجة إلى المزيد، وكل ما أتمناه هو ألا يحرمنا الله من هذه النعم، وأن تمر هذه الأيام دون حزن".
وتضيف "لا يوجد شخص في هذه الحياة لا يتمنى السعادة، لكن الوضع الذي يمر به البلد يدفعني إلى تمني عدم الانزلاق أكثر في مستنقع الفقر وأن تنطفئ النيران على حدود بلدي وألا ندخل حربا لا ناقة لنا فيها ولا جمل".
واحتل لبنان المرتبة الأولى عربياً، الثالثة عالمياً، في مؤشر أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، ستيف هانكي، للبؤس العالمي لعام 2023، الذي وضع قائمة بـ 157 دولة حول العالم هي الأكثر بؤساً، استناداً على معدلات البطالة والتضخم ومعدل الإقراض والتغير في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتبوأ لبنان هذا المركز مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع معدل التضخم.
احتلال لبنان هذه المرتبة لم يكن صادماً، فالعام الماضي حلّ في المركز 136 مسبوقاً فقط من أفغانستان في ذيل مؤشر السعادة العالمي الصادر عن شبكة التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة، الذي يأخذ في الاعتبار عوامل عدة مثل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
ومنذ سنة 2013، تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للسعادة، الذي حددته الجمعية العامة يوم 20 مارس بموجب قرارها الصادر في 12 يوليو 2012، وذلك اعترافاً منها بأهمية السعادة والرفاه بوصفهما قيمتين عالميتين مما يتطلع إليه البشر في كل أنحاء العالم، ولما لهما من أهمية فيما يتصل بمقاصد السياسة العامة.
اعتقادات خاطئة
"السعادة شعور داخلي يملأ قلب الإنسان بالفرح، وينقله من حالة روتينية أو اعتيادية إلى حالة من البهجة والرضا"، وفقاً لمدربة التنمية البشرية، رئيسة جمعية "كن إيجابي" ملك عيتاني، "هذا المفهوم يختلف من شخص إلى آخر، إذ ما يسعد شخصاً ما قد لا يسعد آخر، وينبع هذا الاختلاف من تنشئة الفرد وبيئته ومعتقداته واحتياجاته".
قد تنعكس السعادة، بحسب ما تقوله عيتاني لموقع الحرة "على السلوك والمظهر الخارجي، لكن هناك من قد يكونون سعداء إلا أنهم يختبئون وراء قناع مخاوفهم من الحسد والعين، أما أسبابها فتتنوع بحسب الأشخاص، فمن الناس من يجدها في الرضا والقناعة بما يملكونه، والبعض الآخر يجدها في الاستقرار والعلاقات الإيجابية مع الآخرين، في حين هناك من يربطونها بالمال".
ينقسم اللبنانيون، كما يشير الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، إلى قسمين: السعداء والأشقياء. فمن يمتلكون المال هم سعداء، في حين يواجه القسم الثاني منهم صعوبات في تأمين احتياجاتهم الأساسية كالطعام والشراب والمأوى، مما يجعلهم في وضع معيشي متردي ويعزز التفاوت الاجتماعي الحاد في المجتمع اللبناني.
لكن عيتاني تشدد على أنه "من الخطأ الاعتقاد أن المال مرادف للسعادة، فهناك منازل فاخرة أصحابها غير سعيدين، يفتقرون إلى الحنان والاحتواء، يبحثون عن السعادة خارج إطار المال الذي لا يشتري الصحة على سبيل المثال".
ونتيجة الأزمة الاقتصادية، ارتفعت معدلات الفقر وتزايدت صعوبة تأمين اللبنانيين لاحتياجاتهم نتيجة لعدة عوامل من بينها ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض قيمة العملة المحلية، والارتفاع الكبير في معدلات التضخم، بالإضافة إلى رفع الدعم عن الأدوية والوقود.
ورغم الانطباع السائد لدى البعض بأن الحياة تسير بشكل طبيعي في لبنان رغم الأزمات التي يمر بها، مستندين في ذلك على الاقبال "الكثيف" على قطاع المطاعم والترفيه، فإن نائب رئيس "نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري"، خالد نزهه، يؤكد لموقع "الحرة" أن هذا القطاع تأثر سلباً نتيجة الأحداث الجارية على حدوده وامتداد القصف الإسرائيلي إلى مناطق مختلفة، "لذا، لا ينبغي النظر إلى مطاعم العاصمة فقط، بل إلى الوضع الصعب الذي يواجهه هذا القطاع في مختلف المناطق".
ويأمل نزهة بتوقف المعارك قريباً وعودة المغتربين اللبنانيين لزيارة وطنهم، "فكثيرون منهم يُحجمون عن القدوم بسبب مخاوف من إغلاق المطار، مما يسبب لهم التوتر والقلق، نتفهم مخاوفهم ونشدد على أهمية دور المقيمين في الخليج وأفريقيا الذين يزورون لبنان بانتظام، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد. فغيابهم سيكون كارثيّاً على هذا القطاع الحيوي".
شعور نسبي
يواجه اللبنانيون تحديات كبيرة نتيجة للأزمات المتعددة التي يمر بها لبنان، كما تقول الأستاذة الجامعية، الباحثة الاجتماعية، وديعة الأميوني "لكن يمكن أن يكون هناك جوانب إيجابية وتجارب شخصية للسعادة رغم الصعوبات، التي يمكن أن تكون متعلقة بالروابط الاجتماعية والروح المقاومة للشعب اللبناني".
دور اللبنانيين المغتربين يمكن أن يكون بارزاً في الدعم والمساندة، بحسب ما تشدد عليه أميوني في حديث لموقع "الحرة" "سواء من خلال إرسال الأموال للعائلات في لبنان، أو من خلال تقديم الدعم العاطفي والمعنوي للشعب اللبناني خلال الأوقات الصعبة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمغتربين أن يكونوا سفراء للثقافة اللبنانية في بلدانهم الجديدة، ويساهموا في تعزيز الصورة الإيجابية عن لبنان في الخارج مما يعطي الشعب اللبناني أملاً باسترداد لبنان الثقافة والحضارة والسياحة، الأمر الذي ينعكس حتماً على المستوى النفسي والعلاقات الاجتماعية".
من جانبها تعتبر الكاتبة والاعلامية منال الربيعي أن السعادة "شعور نسبي يختلف من فرد إلى آخر، ولا يمكن ربطه بمعايير محددة كونها تتغير بتقدم العمر وطبقاً لظروف كل شخص وبيئته. ففي سن العشرين، قد تكون السعادة مرتبطة بالحصول على شهادة جامعية أو العثور على شريك حياة، بينما في سن متقدمة، قد ترتبط بالصحة الجيدة والاستقرار ونجاح الأبناء".
وتشدد الربيعي، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "الظروف التي يمر بها الانسان تلعب دوراً هاماً في تحديد معايير سعادته، فمثلاً في غزة، قد يكون تأمين لقمة العيش هو أقصى درجات السعادة، كما أن للبيئة دور في ذلك، إذ يؤثر الطقس والموقع الجغرافي للبلد على شعور الفرد بالسعادة، ففي البلدان ذات الطقس القاسي قد يصاب السكان بالكآبة، بينما في لبنان، قد يساهم الطقس المعتدل وموقعه الجغرافي المتميز في بث شعور إيجابي لسكانه".
وترى الربيعي أن المؤشرات العالمية التي تقيس السعادة غير واقعية، "فعدد من الدول التي تتبوأ مراكز متقدمة في هذا المؤشر تعاني من نسبة انتحار مرتفعة، في حين لم يشهد لبنان الذي يتبوأ ذيل القائمة مثل هذه النسب".
وتؤمن أن السعادة "قرار وقناعة، فعندما يمتلك الإنسان العوامل التي يعتبرها مسببات لسعادته، فإنه يكون من بين أسعد الناس".
فك الشيفرة
سجّل مؤشر التنمية في لبنان ارتفاعا طفيفاً من مستوى 0.706 في الفترة 2021\2022 إلى 0.723 خلال 2023، مما أدى الى تحسن في مرتبة لبنان التي ارتفعت من 112 (من أصل 191 بلداً) إلى 109 خلال هذه الفترة، وذلك بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2023/2024، بعنوان "كسر الجمود: إعادة تصور التعاون: في عالم مستقطب".
ولكن هذا المؤشر يبقى أدنى بكثير من المرتبة المسجلة في عام 2020 حين سجل مؤشر التنمية مستوى 0.744 وكان تصنيف لبنان في المرتبة 93.
وبحسب التقرير تأثر هذا التصنيف في الفترة الماضية، إضافة إلى الأزمات العالمية التي نجمت عن انتشار جائحة كورونا وترددات الأزمة الاقتصادية العالمية، بأزمات داخلية كبرى كان أبرزها الأزمة المالية والاقتصادية التي صنفت بالأشد قسوة في تاريخ العالم الحديث، إلى جانب الانفجار الكبير الذي ضرب مرفأ بيروت ودمر جزءا كبيراً من العاصمة، مع ما رافق ذلك من عدم استقرار أمني واجتماعي لا يزال يؤثر سلباً على مسار لبنان التنموي.
أحد أكبر التحديات التي يواجهها الإنسان في سعيه لتحقيق السعادة دم معرفته بما يُحقِقها له، وهذا يعتبر أمراً خطيراً بحسب عيتاني، "لذلك، من الأهمية أن يفهم الإنسان احتياجاته ونقاط قوته وضعفه لمعرفة ما يسعده، وهذه العملية يجب أن تتضمن مواجهة ذاتية مع النفس لتحديد المسار الذي إذا اتخذه يمكن أن يضيف السعادة إلى حياته".
وتشدد على أن هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية يقدّم إطاراً لفهم رحلة السعادة، إذ "يشير إلى أن الوصول إلى السعادة يتطلب اجتياز مراحل متعددة أولها الاحتياجات الأساسية وتشمل الطعام والشراب والمأوى، وثانيها احتياجات الأمان وتشمل الأمان الأسري والصحي والوظيفي، وثالثها الاحتياجات الاجتماعية، إذ يحتاج الإنسان إلى الشعور بالانتماء والعلاقات الاجتماعية والشعور بالقبول من الآخرين".
ورابعاً "احتياجات التقدير والثقة بالنفس، بعد ذلك يصل الانسان إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وهذه المرحلة تمثل قمة هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية، حين تتحقق السعادة".
وتقدم عيتاني نصائح للأشخاص الساعين للسعادة، مثل مرافقة الأشخاص الناجحين الذين يدعمونهم، إذ تؤكد أن الإنسان يتأثر بمن حوله، إضافة إلى ممارسة الرياضة وتناول المأكولات الصحية التي ترفع من مستوى هرمونات السعادة، "كما أن التطوع لمساعدة الآخرين يساعد على تنظيم الحياة وتحديد الأولويات، وأخيراً لا بد من ممارسة العبادات كونها تعزز الرضا والاكتفاء وتساهم في الشعور بالسعادة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|