الصحافة

قصة الحاج وفيق صفا مع الإمارات و المفاوضات بين حزب الله والاخيرة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في النصف الثاني من العام الماضي، جرى تواصل بين مسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمدير العام السابق للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، لـ «معالجة» ملف المعتقلين اللبنانيين لدى أبو ظبي. أبلغ إبراهيم قيادة حزب الله بالمبادرة الإماراتية، بعدما كان قد تمكّن، في مرحلة سابقة، من معالجة ملفّات موقوفين مشابهين في الدولة نفسها.ومنذ بداية موجة الاعتقالات للبنانيين، ينتمون بغالبيتهم اإى الطائفة الشيعية، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، وترحيلهم على عجل، كان واضحاً لدى المعنيّين في بيروت بأن أبو ظبي تهدف إلى ممارسة ضغوط على حزب الله لأسباب سياسية، خصوصاً بعدما صنّفت الحكومة الإماراتية الحزب «منظّمة إرهابية» عام 2014، وتبعها قرار مماثل لمجلس التعاون الخليجي عام 2016.

بحسب معلومات «الأخبار»، فإن «سلطات أبو ظبي طلبت بداية التواصل المباشر مع الحزب الذي فضّل الحفاظ على دور الوسيط». في مرحلة لاحقة، رفع الإماراتيون وتيرة جهودهم، وطلبوا من الرئيس السوري بشّار الأسد الذي تربطه مع القيادة الإماراتية علاقات جيدة آخذة في التطور، التوسّط لدى حزب الله. وهو ما حصل. تعامل حزب الله بإيجابية مع مبادرة «حسن النيّة» الإماراتية، وجرى ترتيب اجتماعات مباشرة بين مسؤولين من الطرفين في دمشق، برعاية سورية. وأوضحت مصادر سورية لـ«الأخبار» أن «لقاءات عدّة عُقدت بالفعل في دمشق، بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا ومستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد»، و«جرى التأكيد من الطرفين، وكذلك من القيادة السورية، على أن هذه الاجتماعات ذات طابع أمني وليست سياسية، وهي محصورة في محاولة معالجة قضية الموقوفين التي تعتبرها أبو ظبي قضية أمنية، بينما يراها حزب الله قضيّة إنسانية، ويبدي استعداده لبذل الجهود لحلّها». علماً أن الحزب أكد دائماً أن الاتهامات الموجّهة إلى الموقوفين في ما يتعلّق بالحزب، «باطلة ولا أساس لها، ما يوجب معالجة القضية بأي طريقة لرفع الظلم عن المعتقلين وعائلاتهم».

وبعد عدة لقاءات بين الرجلين، وتطوّرات وقعت في المنطقة، أهمّها «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واشتعال جبهات أخرى تحت عنوان «المساندة»، جرى التوافق على «حلّ» قضية الموقوفين السبعة لدى الإمارات. وبالفعل، وصلت طائرة إماراتية خاصة إلى مطار بيروت مساء الإثنين الفائت، نقلت الحاج وفيق صفا ومساعده وشخصاً آخر إلى أبو ظبي لإنهاء المحادثات بهدف إطلاق المعتقلين.

وتؤكّد المصادر أن «جدول أعمال الزيارة اقتصر فقط على ملف المعتقلين وسبل معالجته لإطلاقهم وإعادتهم إلى لبنان». وأعلنت العلاقات الإعلامية في حزب الله، أمس، أن صفا زار الإمارات «في إطار المتابعة القائمة لمعالجة ملف عدد من المعتقلين اللبنانيين هناك، والتقى ‏عدداً من المسؤولين المعنيين بهذا الملف، والأمل معقود أن يتمّ التوصّل إلى الخاتمة ‏المطلوبة إن شاء الله».

وبحسب المعلومات التي رشحت عن الزيارة، «يتوقّع أن يجري إطلاق المعتقلين على مراحل، بعد أن تصدر سلطات أبو ظبي عفواً رئاسياً عنهم لمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر».

هل تسعى الإمارات إلى تصفير مشاكلها؟

معلوم أن القيادة الإماراتية تسعى منذ مدّة إلى انتهاج سياسة «صفر مشاكل» مع دول وقوى الجوار والمنطقة. وهي خطت خطوات متقدّمة في هذا المسار مع إيران، بموازاة تقدّمها السريع في مسار التطبيع مع إسرائيل. كما سعت في النصف الثاني من عام 2021، إلى تليين العلاقات مع تركيا وقطر. وقبل ذلك، استعادت علاقات وطيدة مع القيادة السورية. وتهدف أبو ظبي من خلال هذه السياسة إلى محاولة ترميم صورتها التي تشوّهت إلى حدّ بعيد، بفعل تدخّلها في قضايا سياسية وأمنية وعسكرية في المنطقة، ولعب أدوار خطيرة، خصوصاً في اليمن وليبيا. علماً أنها تعرّضت خلال السنوات السابقة، خصوصاً خلال الحرب على اليمن، لتهديدات أمنية جسيمة. وتدرك أبو ظبي أن شكل الدولة الإماراتية وما بُنيت عليه، إضافة إلى قدراتها العسكرية المحدودة وموقعها الجغرافي، لا تسمح لها بخوض معارك عسكرية تكون لها آثار وتبعات مباشرة على أرض الإمارات التي جهد «عيال زايد»، سنوات طويلة، لتحويلها إلى أرض الأمن والاستقرار والرفاهية المبالغ فيها، والتي لا تحتمل معها أيّ تهديد أمني مهما كان محدوداً.

وفي وقت سابق، طلبت الإمارات وساطة شخصيات على صلة بحزب الله لوقف ما أسمته «الحملة الإعلامية التي يقودها السيد حسن نصرالله شخصياً» ضد الإمارات، علماً أن الوسيط أبلغهم بأن موقف حزب الله مرتبط حصراً بمشاركة الإمارات في الحرب على الشعب اليمني، وأن الحزب لم يطلق أصلاً حملة على أبو ظبي حتى بعد مبادرتها إلى إقامة علاقات مع دولة الاحتلال، رغم أن هذه الخطوة تجعل الحزب متردّداً كثيراً حيال بناء علاقة طبيعية مع أبو ظبي.

وبعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وانضمام ساحات أخرى إلى القتال لمساندة غزة، عبّر المسؤولون الإماراتيون في اجتماعات مع أطراف إقليمية عديدة، عن خشيتهم من تعرّض بلادهم للاستهداف، ليس من قبل «أنصار الله» وحدهم، بل أيضاً من قبل فصائل مقاومة أخرى، بسبب إيغالها في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولوجود قوات أميركية على أراضيها. وتعزّزت هذه الخشية بشكل كبير مع بدء «المقاومة العراقية» استهداف القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، إضافة إلى الخشية من أي ضربات تأتي من اليمن، علماً أن أبو ظبي رفضت الانضمام علناً إلى التحالف الذي أقامه الأميركيون تحت اسم «حارس الازدهار»، وأبلغت صنعاء من خلال سلطنة عمان بأن البحرية الأميركية لا تستخدم موانئها ولا قواعدها العسكرية منطلقاً للهجمات على اليمن.

حسين الامين - الاخبار

من ناحية ثانية، كتب  "ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لم تغادر الإمارات العربية المتّحدة يوماً منطقة البحث عن دور مؤثر في لبنان. وإذا كان لقطر أن تؤثّر في أثناء تأثير السعودية وخلاله، وإذا كان مقدراً للرياض أن تُحافظ على نمط من علاقات مستقرّة على الرغم من كل التدخلات السلبية، فكيف لنا، نحن الإماراتيين، أصحاب المال والمشاريع الكبرى التي تستقطب مختلف صنوف الإغتراب اللبناني… كيف لنا ألا نستثمر بعلاقة أكثر تأثيراً، نصنع لأنفسنا مكاناً مستقلاً عن المحيط الخليجي ونرسم مع هذا البلد علاقات "أكثر دفئاً"؟ هذه التساؤلات والهموم، أنتجت خلال الفترة الماضية نمط انفتاح مختلف تخطّى الإصطفافات اللبنانية التقليدية نحو نسج علاقات وازنت بين أصدقاء وخصوم "حزب الله"، ثم قامت أبو ظبي بتطويرها على نحو بناء علاقات مع رجال أمن حاليين ومسؤولين أمنيين سابقين، ومع إعلاميين وصحافيين ووجوه، جعلت منهم "شبكة"، تتحرّك ضمن الهدف المرسوم.

في المستجد الأوضح، كان تدشين دخول الإمارات السياسي إلى لبنان من خلفية "المزاحمة" في الملف الرئاسي، من خلال تقديم اقتراح إماراتي بدفع إسم مدير المخابرات السابق جورج خوري، إلى واجهة المرشحين الرئاسيين. صحيح أن الرجل شكل تقاطعاً بين الإمارات والفاتيكان وفرنسا، لكنه سرعان ما سقط. ما أراده الإماراتيون، كان خلافاً لما أرادته باريس أو الفاتيكان. ما سعت إليه كان "تسجيل حضور" بين الخمسة الكبار من بوابة الملف الرئاسي، والحبل على الجرار.


إذاً لا بدّ أن تبدأ أي خطوة جدية من تصحيح مسار العلاقة مع "حزب الله"، بصفته طرفاً سياسياً مركزياً، وعبر إنهاء ملف، يستدعي اشتباكاً دائماً بين أبوظبي والضاحية. لذلك جاءت زيارة مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في الحزب الحاج وفيق صفا إلى الإمارة الخليجية بناءً على دعوة رسمية ومن خارج السياق.

عملياً، تؤدي زيارة صفا مهمة الـ closing لاتفاقٍ شامل حول الموقوفين اللبنانيين في السجون الإماراتية. ويُفهم بالتالي أن الملف خضع لمسار طويل من النقاش والأخذ والرد. لكن ذلك وبأي حال، لم يجب عن سؤال أساسي حول متى يصبح الإتفاق نافذاً، مع ملاحظة أن الأطراف لا تريد اتفاقاً كيفما اتفق.

عملياً، بدأ مسار التفاوض الرسمي بين الحزب عبر صفا وبين الإمارات عبر أحد المسؤولين الأمنيين الكبار لديها، بعيد اندلاع معركة "طوفان الأقصى" ومن ثم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة. لا شيء يوحي أن تطورات الإقليم فرضت توقيت المباحثات، حيث أن التمهيد الفعلي كان قد بدأ قبل موعد السابع من أكتوبر. وبحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، كان للجمهورية الإسلامية الإيرانية دوراً بارزاً وأساسياً في فتح الخطوط بين الضاحية الجنوبية وأبو ظبي نتيجة علاقة طهران المميزة والقوية معها. ترافق ذلك مع تبيان وجود مساعي من جانب الإمارة للإنفتاح على الحزب، مقابل استعدادٍ، أظهره الحزب لبدء مباحثات مع الإمارة الخليجية.

ما قاد لبناء هذا التصوّر، مشهدية رُسمت في أبوظبي، مفادها أن إدخال تحوّل إلى الدور الإماراتي في لبنان ليصبح مؤثراً، لا بدّ أن يمر بتهدئة الجبهة مع الحزب. بموازاة ذلك، أوحت أطراف معروفة بصلاتها مع أبو ظبي ومقرّبة من الحزب بنفس الوقت، أن أبو ظبي تحتاج إلى صدمة إيجابية تنقلها من موقع الحضور الهامشي في الملفات اللبنانية إلى موقع الفعل المؤثر.

إذاً، تمكنت طهران من إحداث الخرق. بالموازاة، كان لدول عربية أخرى كسوريا والعراق، الدور الأساسي في توفير الأجواء المطلوبة لبدء نقاش جدي بين الإمارات والحزب حول موضوع الموقوفين اللبنانيين لديها. في المقابل، برز دور أساسي للحزب في "تكييف" الأجواء بعد قبوله الفكرة، وقد أظهر انسجاماً مع التبدلات الإماراتية على نحوٍ واضح، وأبدى استعداداً للنقاش، وفيما بعد عبّر عن جهوزيةٍ ترجمها من خلال "المونة" على أهالي الموقوفين، دعاهم فيها إلى وقف الحملات على الإمارات، وتقليص مستوى الإنتقادات عبر مواقع التواصل إلى الحد الأدنى.

هكذا، بُنيت أرضية ثقة متبادلة بين الجانبين، عبّر عنها بتفاوض متدرج بدأ عبر وسطاء بطريقة غير مباشرة ومن ثم توسّع. ومع تسجيل تطور محلوظ، بدأ يلاحظ إبداء أبوظبي الكثير من المرونة، ساعة طرحت أن يكون التفاوض مع الحزب بالمباشر حول ملف الموقوفين من دون وسطاء، ما ترجم كدعوة لانتقال أحد مسؤوليه إلى الامارة. قابل ذلك، مبادرة من جانب الإمارات أتت نتيجة لما تمكن الحزب من تحصيله من أهالي الموقوفين، إذ قرّرت تجميد جميع الملاحقات والتعقبات القضائية والأمنية بحق اللبنانيين المقيمين على أراضيها. وإذ كان ثمة شبهة تجاه شخص ما، يتم الركون إلى "القناة"، على أن تشكل الدول الضامنة رسم الإطار الضامن للمباحثات. وهكذا، توفرت ضمانة للحزب، الذي كان سبق له أن حدد الجهة المعنية بالتفاوض الكلي مع الإماراتيين وهي الحاج صفا مكلفاً من السيد حسن نصرالله.

ما تقدم وعلى أهميته، لا يعني أن الإتفاق المرتقب بين الحزب والإماراتيين سيعني بالضرورة إصطحاب صفا "الموقوفين المفرج عنهم" معه على متن الطائرة الخاصة التي أرسلتها الامارات من أجل اصطحابه من بيروت ترافقه شخصية أمنية إماراتية بارزة، إنما المتوقع أن يتمّ التوصل بين الطرفين إلى اتفاق حول ترتيبات معينة، على أن يلي التفاهم الأساسي، الإتفاق على آلية للتنفيذ. ويعتقد أن الخطوة قد تترجم في مستهل عيد الفطر السعيد (أو عشية حلوله)، من خلال إصدار الإمارات عفواً عن الموقوفين اللبنانيين. وهذه مسألة تقنية ضرورية، على اعتبار أن جزءاً منهم قد صدرت في حقه أحكام قضائية عن محاكم إماراتية، وبالتالي إن صدور العفو هو الآلية الوحيدة لتجميد العمل بالأحكام.

إلى هذا الحد باتت العلاقة بين الحزب والإمارات. وقد حضرت في توقيت حساس غير متوقع أو مألوف، ما يُنذر بزيادة الإستقطاب الخليجي ضمن البيئة السياسية اللبنانية. وقد يكون هذا الدور محفزاً للمملكة العربية السعودية لسلوك المسار نفسه بما خصّ الموقوفين اللبنانيين لديها في قضايا لها علاقة بإدعاءات حول إرسال أموال إلى "حزب الله" أو دعمه، أو بالعكس، قد تقود الخطوة الإماراتية إلى استفزاز السعودية على نحوٍ مباشر، خاصة وإن الأخيرة ما زالت تتعاطى مع الحزب على أنه "تنظيم إرهابي"، ويمتنع سفيرها عن إجراء أي لقاء رسمي أو غير رسمي مع ممثلين عن الحزب، حتى ولو كان ذلك على هامش حراك "الخماسية الدولية". وللإشارة، فإن ساسة وشخصيات، ما برحوا يوجهون نصائح إلى الرياض كما الحزب، بضرورة الإنفتاح المتبادل بين الطرفين، والبدء بمسار تصحيح العلاقة.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا