“الحزب” بدون سند ولا غطاء؟
في الثامن من تشرين الأول الماضي، دخل الحزب الحرب الإسرائيلية على غزة. أعلن الهدف من دخوله على الملأ: مشاغلة العدوّ الإسرائيلي إسناداً لأهل غزة ودعماً لهم. دخل الحرب وبينه وبين حليفه وغطائه في حروبه السابقة من تموز إلى سوريا. أي التيار الوطني الحرّ. خلافات عدّة لم ترأب صدعها لجان وحوارات وزيارات عدّة. تشير المعطيات كلّها إلى أنّ حليفه التاريخي لن يكون في انتظاره لحظة خروجه من حربه هذه، وإلى أنّ الصدع يتّسع.
في حرب “الإسناد والمشاغلة” التي يخوضها الحزب على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة، لم تسقط الأجهزة التجسّسية الإسرائيلية فحسب، أو النموذج الأمنيّ الذي كان قائماً قبل 7 أكتوبر، بل سقطت أشياء كثيرة صار صعباً ترميمها.
صحيح أنّ صواريخ الحزب كانت مصوّبةً طوال الأشهر الماضية نحو العدوّ الإسرائيلي ومواقعه وجنوده ومعدّاته. إلا أنّ ضحاياها الفعليّين سقطوا في الداخل اللبناني، في صلب التركيبة اللبنانية. وأبرز ضحيّة بينهم التفاهم الموقّع بين التيار الوطني الحرّ والحزب نفسه في مار مخايل عام 2006.
ما عاد الأمر خافياً على أحد. ما عاد بالإمكان محو ما كان ولا نفيه. عبارات من قبيل أنّ الاتفاق يحتاج إلى تطوير ما عادت تنطلي على أحد. وما عادت تردم الهوّة بين الحليفين السابقين اللذين ترعى بينهما قضايا وملفّات لا تبدأ من الكرسي الشاغر في بعبدا، ولا تنتهي في غزة.
غطاء ميثاقيّ
شكّل التفاهم بين التيار الوطني الحر والحزب. الذي لا تحدّد بنوده هدفاً عمليّاً واحداً. غطاءً ميثاقياً للحزب إيران المرشد ولاءً وعقيدةً، ومنشأً ومآلاً. وأمّن لمغامراته داخل الوطن وخارج حدوده ظهيراً مسيحياً ينفي بوجوده عنه تهماً كثيرةً. أولاها ضربه عرض الحائط بالدستور والميثاق والجمهورية برمّتها.
الحزب المتّهم منذ تأسيسه منتصف ثمانينيّات القرن الماضي بلبنانيّته، أبعد عنه تفاهمه مع التيار العوني. القوة المسيحية الأقوى والأكثر تمثيلاً وقتها. هذه التهمة، مقدّماً إيّاه حزباً لبنانياً نشأةً وعقيدةً وسلوكاً وأهدافاً ومآرب، وبأجندة واضحة “متفاهَم عليها”.
في المقابل، أوصل الحزب، بقوّة التعطيل المدجّجة بالسلاح والمتجاهلة قدسية المواعيد الدستورية، زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، بعد سنتين ونيّف من الفراغ. فأمّن لنفسه غطاءً من أعلى سلطة في الجمهورية فوق غطاء التفاهم السابق الذكر المسيحي والماروني تحديداً. ليضاف هذان الغطاءان إلى أغطية عدّة بعضها من بارود وحديد، وبعضها من حياكة حائك ماهر.
بفضل الحليف المستجدّ منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان والتفاهم الرباعي الشهير. بدا الحزب محميّاً داخلياً في مغامراته الخارجية. منذ حرب تموز 2006، وصولاً إلى تمدّده في الإقليم من العراق إلى اليمن، مروراً طبعاً بمشاركته المفصليّة في الحرب السورية.
شكّل التيار الوطني الحر، خلال تلك المرحلة. سنداً حقيقياً للحزب أمّن له نوعاً من تغطية أبعدت عنه نوعاً ما تهمة التفرّد بالقرارات الوطنية المصيرية. من قرار الحرب والسلم، مروراً بالتدخّل بالسلاح لحماية الوطن والسلاح. من بيروت وصولاً إلى القصير ودمشق والقلمون وغيرها من المدن والمحافظات السورية. وانتهاءً بالتفاوض على حدود لبنان البحرية وترسيم حصّته الغازيّة والنفطية.
لم يبدُ الحزب في مغامراته تلك وحيداً. كان بجانبه توأمه الشيعي، أي حركة “أمل”، و”شريكه” الماروني أو المسيحي، أي التيار الوطني الحرّ. بالإضافة إلى الجوقة السياسية التاريخية الموروثة عن حليفه النظام السوري، بدا محميّاً وطنياً وميثاقياً بناءً على تحالفه ذاك، ودستورياً بناءً على أكثرية نيابية ناتجة عن منظومة الحماية الأولى.
غزّة التي قصمت ظهر البعير
هكذا تكشّفت أجندة الحزب التي تتجاوز حدود لبنان وصولاً إلى العراق شرقاً وباب المندب والبحر الأحمر جنوباً وغرباً. وبما يخدم مصالح إيران حصراً، سواء التقت المصالح تلك مع المصلحة اللبنانية أو لم تلتقِ. سقطت معادلة القتال خارج حدود الوطن منعاً للقتال داخل حدوده.
بدا الحزب في حرب “المشاغلة والإسناد” تلك. دعماً لأهل غزّة على ما يزعم. دولةً قائمةً بذاتها تشنّ حرباً بقرار ذاتي بعيداً عن كلّ شريك أو حليف. لا رأي لهذا ولا لذاك في الأمر.
وحده رأس الحزب أو دولة الحزب، أي الأمين العامّ للحزب حسن نصر الله، من يحدّد المصلحة العليا، وفي يده وحده قرار السلم والحرب. هكذا يشنّ حرباً “للمشاغلة والإسناد”، ويعلن حدودها وأهدافها وتاريخ انتهائها. حتى إنّه يكاد يعلن النصر في كلّ خطاب يلقيه على المستمعين الذين لا حول لهم ولا قوّة.
لكنّ الجرّة لم تسلم هذه المرّة. صرّح أكثر من مسؤول عوني بمعارضة السلوك الحزبلّاهيّ، غير المستجدّ. ثمّ خرج الرئيس السابق والحليف السابق، ميشال عون، ليعلن على الملأ أن ليست بين لبنان وغزة “معاهدة دفاع”.
الرئيس السابق للجمهورية عدّ ما قام به الحزب مجرّد رأي، بمعنى أنّه لا يلزمه في شيء، وتالياً لا يلزم أحداً. بعدها كرّت سبحة التصريحات العونية المتنصّلة من كلّ تفاهم مع الحزب، والداعية إلى “استراتيجية دفاعية”. ولكنّها دعوة بطعم جديد ومختلف هذه المرّة. وتحت سقف الرئيس عون سال فيض من التصريحات للوزير جبران باسيل التي تعلن كلّها الطلاق مع الحزب. الطرفان صارا في موقع الخاسر:
ـ الحزب صار بلا سند مسيحي وماروني على وجه أدقّ.
ـ التيار العوني صار منزوع الأنياب السياسية التي كان يستعيرها من الحزب، وعاد إلى مسيحية سياسية يصرخ في برّيّتها… ولا من يجيب حتى الساعة.
على من تتلو نصرك؟
عام 2006، وخلال الحرب الإسرائيلية على لبنان، خرج الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قبل انتهاء الحرب، ليعلن على الملأ انتصار الحزب. متسائلاً: لمن سيحيل الحزب انتصاره. نحن أمّة من يحمل السلاح فيها منتصرٌ دائماً مهما جرّ انتصاره هذا من نكبات وويلات ودمار وخسائر على بلده.
هكذا ستنتصر حماس غداً، وعلى المنوال نفسه سيعلن الحزب النصر كخاتمة معروفة مسبقاً لحرب “المشاغلة والإسناد”. أمّا الخسائر والأضرار والضحايا فلا تقاس بجانب النصر المؤزّر والمحقّق منذ لحظة إعلان الحرب، بل قبل ذلك بكثير.
لكن هذه المرّة، سيخرج الحزب من نصره المقبل، بلا حليف ولا شريك. لن يعلن أحد في لبنان انتصاره. على الأرجح سيعلنه هو بنفسه. لا تفاهم سيغطّي حربه تلك، ولا تعويضات عربية ستدرأ عنه هول الدمار.
لن يلاقي الحزب أحدٌ كما لاقاه التيار الوطني الحر وغيره وهو يعود من سوريا. لا مال خليجياً يعيد بناء ما تهدّم حتى الساعة. الدولة اللبنانية تعاني من شبه انهيار ماليّ، وبالكاد تؤمّن رواتب موظّفيها وأموال موازنتها.
لن يغطّي الحزب حليفٌ مسيحيّ ولا أيّ حليف آخر. فالفاتورة باهظة هذه المرّة، والغطاء أيّ غطاء سيودي بصاحبه إلى مجاهل الانكشاف. هذا إذا حقّق الحزب مراده وغايته، وأعلن نصره. فكيف إذا لم يفعل؟
أيمن جزيني - اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|