إقتصاد

الادّعاء على الدولة وحجز أصولها من حملة "اليوروبوندز": تهويل مبالغ فيه أم خطر جدّي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يزال، وربما ستبقى طويلاً طيّ الحجر، حقيقة مسارعة الحكومة ذات آذار من 2020 إلى إعلان توقف لبنان عن دفع مستحقات إصداراته من سندات اليوروبوندز التي كانت الدفعة الأولى المستحقة منها 1.2 مليار دولار من نحو 4.6 مليارات دولار تستحق في السنة عينها.

الحيرة التي تستدعي التساؤل أن احتياطات مصرف لبنان بالعملة الصعبة كانت حينها نحو 35 مليار دولار، صُرف ثلثها على دعم مشبوه ومستغرب أيضاً أهدافه ومراميه، فيما قرار تعليق التسديد برّره رئيس الحكومة حسان دياب بأن "تعليق دفع اليوروبوندز هو السبيل الوحيد لوقف الاستنزاف وحماية المصلحة العامة". والسؤال الأكبر هو من دفع الحكومة إلى تبنّي "تعليق" الدفع، ورفده بوعود مفاوضة حملة السندات، التي لم تتم ولم تبادر الحكومة عينها ومن تلاها حتى يومنا هذا، إلى متابعة هذا الملف الخطير على سمعة لبنان المالية والمصرفية.

اللامبالاة بحقوق حملة السندات وخصوصاً في الخارج، يعرض موجودات الدولة حول العالم لخطر المصادرة أو وضع اليد عليها موقتاً، تأميناً للديون إذا تعرّضت الدولة لدعاوى قضائية لدى محاكم نيويورك وهي جهة الاختصاص القضائي الوحيدة المخوّلة البت في أي خلاف ينشأ بين الدولة والدائنين، بموجب مضمون عقود إصدار سندات اليوروبوند اللبنانية.

4 أعوام مرت على "التعليق" وتبقى لحاملي السندات مدة سنة واحدة للادعاء، وبعدها يسقط لديهم حق التقاضي، فيما الدولة اللبنانية لا تزال على لامبالاتها وكسلها في التواصل مع هؤلاء تحقيقاً لوعودها.

لماذا الآن؟
التحذير من إمكان لجوء حاملي السندات الى الادعاء على الدولة يكثر في هذه الفترة، ولكن السؤال: لماذا الآن؟ ولماذا لم يبادر هؤلاء حتى اليوم الى مقاضاة الدولة؟ فهل يعود السبب الى إدراك هؤلاء أن الدولة اللبنانية لا تملك أصولاً تُذكر يمكن وضع اليد عليها في الخارج؟ أم تتجه أنظارهم الى ما يملكه مصرف لبنان من ذهب (أكثر من 286.8 طناً) وودائع مع المصارف المراسلة التي تُقدّر قيمتها أكثر من 9.5 مليارات دولار؟

مصادر متابعة تعزو تريّث الدائنين في رفع دعاوى على الدولة اللبنانية "ربما الى اقتناعهم بأن من الصعوبة الحجز على أصول الدولة في لبنان مع الأخذ في الاعتبار أن لا أصول للدولة في الخارج، عدا عن أن إقامة مثل هذه الدعاوى مكلفة جداً".

وفيما يحكى عن أن إمكان وضع اليد على تحاويل الدولة اللبنانية الى الخارج لزوم تسديد مستحقات ومنها مثلاً تسديد أسعار النفط الذي تستورده، تؤكد المصادر عينها أن تحويلات الدولة محدودة جداً ولا تتعدى بضعة ملايين من الدولارات شهرياً، إذ تقتصر على رواتب الديبلوماسيين وفوائد على قروض لمؤسسات دولية مثل البنك الدولي وبنك الاسستثمار الأوروبي والصناديق المانحة في الدول العربية، فيما ثمن النفط العراقي يسدد داخل لبنان.
هل يمكن مقاضاة الدولة في الخارج؟

إذن وسط جدل في البلد وتحركات واحتجاجات شعبية ومعيشية مستمرة منذ تشرين الأول 2019، اتخذت حكومة الرئيس حسان دياب بتاريخ 7/3/2020 قراراً بتعليق تسديد سندات الدين الدولية قبل يومين من استحقاق 9 آذار 2020، فيما كان يجب على الدولة تسديد 1.2 مليار دولار من هذه السندات، وقد علل حينذاك الرئيس حسان دياب في كلمته "بأن احتياطي العملة الصعبة في لبنان بلغ مستوى خطيراً. فلبنان لم يكن قادراً على سداد الديون المستحقة في الظروف القائمة، على أن يعمل على إعادة هيكلة ديونه من خلال التفاوض مع حاملي السندات".

وبعد قرار حكومة الرئيس دياب استحقت جميع سندات اليوروبوندز، وقاربت عشرات المليارات من الدولار، يجري التداول اليوم بإمكان رفع دعاوى قضائية من حاملي هذه السندات على الدولة أمام المحاكم الأجنبية. فمن مندرجات سندات اليوروبوندز اللبنانية أنه يعود لحملتها مطالبة الدولة بالفوائد في فترة خمس سنوات ومطالبتها بأصل الدين في فترة 10 سنوات من تاريخ التوقف عن الدفع الذي حصل في 9 آذار 2020، لذلك تبحث فرضية إقامة هذه الدعاوى.

فهل يمكن مقاضاة الدولة اللبنانية في الخارج؟ المحامية الدكتورة جوديت التيني توضح أن "حصانة الدول تجاه الولاية القضائية للمحاكم الأجنبية، أي حصانتها السيادية تجاه هذه المحاكم، هي مبدأ موجود في القانون الدولي وله قيمة العرف، وقد تطور بفعل تطور نشاط الدول وتدخلها في شتى الميادين ولا سيما التجارية والمالية وتصرفها كالأفراد في بعض أعمالها، لذلك لم تعد هذه الحصانة تتسم بالصفة المطلقة، وإنما بات ثمة من استثناءات عليها تبلورت في الحق بمقاضاة الدولة بخصوص أنشطتها هذه. وأكدت أن "الدولة تتمتع بحصانة قضائية مطلقة تجاه المطالبات الناشئة عن أعمالها في الحكم والتشريع والدفاع (acta jure imperii) ولكنها غير محصنة بخصوص الأنشطة الأخرى (acta jure gestionis). وعلى وجه الخصوص، تخضع سندات اليوروبوندز اللبنانية للولاية القضائية لمحاكم مدينة نيويورك والمحاكم الفيديرالية في المدينة ولقانون ولاية نيويورك، على اعتبار أن "الاختصاص والقانون العام المتعارف عليه (common jurisdiction) في ما يخص عقود أو سندات الدين الحكومية، ولأنّ الدولة اللبنانية قد تنازلت عن حصانتها القضائية ووافقت على هذه الولاية القضائية في سندات اليوروبوندز".

أما إن صدرت أحكام قضائية، فثمة خشية من وضع اليد على أصول الدولة اللبنانية في الداخل وأصولها الموجودة في الخارج، ولكن التيني تؤكد أن "القانون الذي سيطبق من محاكم نيويورك في حال إقامة الدعاوى من حاملي سندات اليوروبوندز هو قانون الحصانات السيادية الأجنبية لعام 1976 The Foreign Sovereign Immunities Act of 1976.

وتكرّس أحكام هذا القانون مبادئ القانون الدولي وقواعده ومنها اتفاق الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها من الولاية القضائية لسنة 2004. وبموجبه للدولة حصانة مطلقة على أصولها في لبنان بخلاف أصولها في الخارج. وستمنح الأحكام القضائية التي قد تصدر في نيويورك لمصلحة أصحاب سندات اليوروبوندز حق التنفيذ على أصول الدولة في الخارج، باستثناء تلك التي تتمتع بحصانة كالسفارات اللبنانية في الخارج مثلاً، علماً بأن مصادر متابعة تؤكد أن ليس لدى الدولة اللبنانية أية أصول في الخارج، فيما غالبية مباني السفارات مستأجرة، وعدد قليل منها ملك للدولة، وتالياً أمام قلة أصول الدولة في الخارج يحكى عن إمكان التنفيذ والحجز على أصول مصرف لبنان. بيد أن التيني تؤكد أن "القانون الأميركي يوفر الحماية لأصول البنوك المركزية الأجنبية، أي احتياطاته من الذهب والعملات الأجنبية، إن لم تتنازل الدولة بشكل صريح عن حصانة مصرفها المركزي، وهذا مبدأ واضح لا لبس فيه. وفيما تنازلت الدولة اللبنانية عن حصانتها في سندات اليوروبوندز فإنها لم تتنازل عن حصانة مصرف لبنان.

وتنص المادة 1611 من القانون الأميركي على أن الحصانة تطال ممتلكات المصرف المركزي التي يحتفظ بها لحسابه الخاص (held for its own account). وتفسير هذه العبارة وفقاً لاجتهاد محكمة الاستئناف الأميركية يعني الأموال والممتلكات المستخدمة في وظائف البنك المركزي التقليدية، أي ما يقوم به لإدارة قيمة العملة الوطنية وحفظ الاحتياطات النقدية للمصارف التجارية وحماية المودعين وتعزيز الاستقرار المالي، فهي محميّة. أما خروج مصرف لبنان عن وظائفه التقليدية بعد بدء الأزمة وقيامه بأنشطة "غير تقليدية" كتمويل مؤسسات تجارية معيّنة (أموال الدعم) ليس مبرراً جدياً لاعتبار أصوله غير محميّة قانوناً".

تبقى الخشية من أان يكون ما نسمع به حالياً من ضوضاء كبيرة حول احتمال رفع دعاوى على الدولة اللبنانية هو من قبيل التهويل عليها في ضوء قلة حظوظ المقاضاة في الخارج، والشك حول قيمة السندات الحقيقية وضخامة المبالغ التي يحكى عنها (31 مليار دولار من دون الفوائد) وأسباب اقتراضها ووجهتها وهوية حاملي هذه السندات وسواها من المعطيات المثيرة للجدل".

 "النهار"- سلوى بعلبكي

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا