وصفوا "الصبر الاستراتيجي".. فوجده مؤيدو إيران خيالاً
على نغمة واحدة، تداعى المحللون المؤيدون لإيران الى تبرير التأخير في الرد على الضربة الإسرائيلية لمبنى مجاور لسفارتها في دمشق. استبق هؤلاء أي إحجام عن الردّ، بتلاوة ذرائع "استراتيجية" وعقائدية، لا تلبي أسئلة جمهور محور الممانعة الذي كرر استفهاماته، وكان يتمنى "رداً ساحقاً"، مستنداً الى موروث دعائي واظب المحور على المجاهرة به.. كما لا تلبي أسئلة الخصوم الذين ذهب بعضهم الى التندّر والجزم، بأن الرد، إذا حدث، لن يكون على قدر الآمال.
والضربة، بجغرافيتها وملابساتها، هي الأقسى في تاريخ الصراع الإسرائيلي–الإيراني الذي دخل الاطار العملياتي في العقدين الأخيرين. لطالما لجأ الطرفان الى الحرب الأمنية، قبل أن يدخل الاشتباك الميدان العسكري المباشر من جهة اسرائيل على الأقل، في مقابل التصعيد العسكري من "وكلاء إيران" في سوريا واليمن والعراق ولبنان. كما تعد الضربة، في الأعراف الدولية، مساساً بالسيادة الإيرانية طالما أنها طاولت مبنى دبلوماسياً، ومساساً مباشراً بالهيبة الإيرانية التي تداعت على مدى سنوات الحرب السورية، إثر القصف الاسرائيلي لأهداف ايرانية، مطيحةً قواعد الردع.
من هذه المنطلقات، تنامت الأسئلة، وتصاعدت التقديرات الحماسية التي تثبت التزام المؤيدين بأدبيات المحور القائمة على "الفتوة".. لكن محللي المحور قابلوها بالتهدئة، وبأدبيات جديدة تتحدث عن "الصبر الاستراتيجي"، وعن فعل "الشهادة" والتضحية. تتوزّع هذه التبريرات بين من يقول أن إيران تتعمّد عدم الإنجرار للمواجهة لكي لا تحقق أهداف نتنياهو المأزوم داخلياً، والذي يسعى للهروب من خلال توسعة رقعة الحرب، فيما يبرّر آخرون بأنّ عدم الرد يتربط بتكتيكات عسكرية وانّ الرد آت لا محالة، وسيكون رداً مرعباً. لذلك، بدت الأدبيات الجديدة دخيلة، تمهد لردٍّ منتظر أقل حزماً، وأضعف شأناً، خلافاً لكل التصريحات الماضية.
الواقع أن هذه الضربة، تفوق بإسقاطاتها السياسية، كل الضربات السابقة التي استهدفت مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، وشحنات الأسلحة والذخيرة براً وبحراً وجواً، وتصاعدت وتيرتها الى هجمات مباشرة تمثلت في استهداف مستشارين وقادة إيرانيين داخل شققهم السكنية في سوريا.
والحال أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حاولت على مدى 30 عاماً، خلق هالة ردعية حولها. عروض الصواريخ والمناورات والفيديوهات القائمة على "أنيماشين"، يفترض أن تبث مظاهر القوة بما يحول دون الانكسار بعد الضربة الاخيرة. فالتأخر في الردّ، خلافاً لإسرائيل التي ترد مباشرة ومن دون سقوف، أسقط هيبة إيران في هذه المواجهة.
يمكن أن يُقال الكثير في تغريدات المحللين بأن إيران تسعى لعدم الإنجرار إلى الحرب، لكن بالموازين والأعراف التي تحكم العلاقات بين الدول، لا بد من الرد، إسوة بدول توازيها بالقوة مثل تركيا التي أسقطت في العام 2015 طائرة روسية، أو حتى باكستان التي أصرت على قصف أهداف في الداخل الإيراني، رداً على اختراق طهران لسيادة أراضيها في شهر كانون الثاني الماضي.
لذلك، يبدو الحدث الأخير مفصلياً في هذه المواجهة من خلال استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق. مما لا شك فيه، أن هذا الهجوم يضع طهران أمام موقف صعب يعطي مؤشراً على أن قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل آخذة في التغيّر. تدرك إسرائيل أن الوضع الإقليمي والدولي قد يوفر لها فرصة للتخلّص من مصادر التهديد الإيراني ضمن الجغرافيا السورية، ومن جانب آخر يتمثّل الإصرار الإيراني على التمسك بالاتفاق النووي كالقشة الأخيرة التي قد تنقذها من الدمار الكبير.
في الحقيقة، تخشى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أي مواجهة كبيرة قد تهدم ما عملت على بنائه منذ أكثر من 40 عاماً، سواء داخل إيران، أو عبر الجماعات المرتبطة بها في الإقليم ولطالما رفعت شعار مواجهة أميركا. إختلطت الأوراق بعد السابع من أكتوبر، إسرائيل باتت تتعاطى وكأنها شرطي المنطقة، أزالت الحواجز الأخرى التي دفعتها لمحاذرة اغتيال قاسم سليماني مثلاً، وتركت المهمة للقوة الاميركية.
وبعدما كانت حرب وكلاء لسنوات، باتت إيران اليوم أمام مواجهة من نوع آخر، إذا تورطت فيها إيران ستكون بمواجهة إسرائيل.
حتّى هذه الساعة وفي حال لم تقم إيران بردٍّ يعادل حجم الضربة التي تلقتها في التصعيد الأخير، ويخلق توازنات جديدة، فسيكون المشهد بين إسرائيل وإيران تماماً كالمشهد بين إسرائيل ونظام الأسد المستباح أمام إسرائيل منذ سنوات. لا يمكن تبرير الصمت الإيراني حيال ما يحدث، ولو أن وسائل الإعلام والأصوات الموالية تسعى، استباقياً، لحِفظ ماء وجه إيران.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|