الرقص الإسرائيليّ والإيرانيّ على حافة الهاوية
تتقاطع حسابات إيران وإسرائيل في تقدير الموقف من ثأر الأولى المحتمل لضربة قنصليّة دمشق الإيرانية، ومن الردّ على الثأر. محور هذا التقاطع هو تقدير التموضع الأميركي حيال التحرّك العسكري لكلّ منهما. طهران تراهن على الجمع بين رغبة أميركا بعدم توسيع الحرب وبين ضربة مباشرة لإسرائيل، بالتفاهم معها على حدودها. وتل أبيب تراهن على مساندة أميركا في أيّ ردّ على الانتقام الإيراني، لأنّها مع لجم تمدّد طهران الإقليمي. لكنّ كلّ ذلك لا يعني إلا رقص الجانبين على حافة الهاوية.
يكثر الحديث عن أنّ الهدنة في غزة قد تكون مخرج إيران خصوصاً، وحتى لإسرائيل، من أجل تجنّب المواجهة بينهما. وفق هذا الافتراض، تحقّق الهدنة الآتي:
– تكون إيران قد حصلت على “انتصار” بوقف الحرب ضدّ حليفتها “حماس” الذي تطالب به منذ الهجوم على غزة. وإلّا فإنّ حسابات أوساط “الممانعة” بأنّ فشل الهدنة يتيح لطهران أن تحقّق ضربة محسوبة يوظّفها الرئيس الأميركي جو بايدن في خلافه مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. أي أن تكون شبيهة بضربة قاعدة عين الأسد في العراق ردّاً على اغتيال قاسم سليماني التي أُخطِرَت واشنطن بها سلفاً. يذهب بعض الخبثاء إلى القول إنّه يجري التفتيش عن “عين أسد” في إسرائيل كي تستهدفها إيران من دون خسائر كبرى. وما يحكى عن تنشيط الاتصالات الإيرانية الأميركية عبر عُمان وغيرها يهدف إلى جسّ نبض واشنطن. وبذلك تلجم واشنطن تل أبيب عن الردّ المقابل. ويتغلّب المنطق القائل إنّه لا قدرة لها على توسيع المواجهة من دون الدعم الأميركي.
قراءة “الممانعة” للموقف الأميركيّ
يرى بعض أوساط الممانعة أنّ إسرائيل وضعت واشنطن في موقف حرج باستهدافها القنصلية في دمشق. تعتقد هذه الأوساط أنّ نتنياهو أضاف مشكلة جديدة إلى مشاكله مع بايدن. وذلك باغتياله القيادي في الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد رضا زاهدي. ومع ستّة قياديين إيرانيين آخرين. فبايدن، إضافة إلى خلافه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول وقف الحرب في غزة، مع تحييد إيران منذ بداية الحرب. وهو مع تجنّب التصعيد معها لتفادي ذلك. وبالتالي قد لا يمانع بايدن المقايضة أو التفاهم مع قيادة إيران، إمّا على هدنة أو ثأر محسوب. منشأ هذه القراءة مراهنة على خلاف بايدن ونتنياهو، لكسب ثمن لطهران مقابل عدم الردّ داخل إسرائيل، أو بردّ يُتّفق عليه.
عبد اللهيان إلى نيويورك وكواليسها…
يعزّز من يعتقدون بإمكان التفاهم الإيراني الأميركي حججهم بالقول إنّه لطالما ردّدت طهران أنّ نتنياهو يريد توريط واشنطن بمواجهة معها. بايدن لا يريد ذلك ونتنياهو يعمل على جرّه للحرب. وفي كلّ الأحوال فإنّ وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان سيزور نيويورك الأسبوع المقبل. إذ يعتزم حضور اجتماع مجلس الأمن بشأن طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. ويحتمل انعقاد المجلس في 18 نيسان. وقد حصل على التأشيرات الأميركية لهذا الغرض. في مناسبة كهذه، تجري اللقاءات والاتصالات في الكواليس… إذا لم يطرأ ما يؤجّل الزيارة.
نتنياهو والهدنة وجبهات الإسناد
– بنيامين نتنياهو يتجنّب بالهدنة تصاعدَ الخلاف مع الرئيس جو بايدن، بتسليفه موقفاً إزاء ضغوط الحزب الديمقراطي لوقف الحرب. ويمكنه استثمار تساهله بقبول صفقة للتبادل ووقف للنار لستّة أسابيع، كرصيد لمصلحة بايدن، يسمح له لاحقاً باستئناف الحرب وفق خطّته. أي باقتحام رفح بعد إجراءات تجميلية حيال مطالبته بتجنيب المدنيين والنازحين إلى جنوب القطاع، المزيد من القتل. لكنّ الأهمّ أنّ افتراض نجاح مفاوضات الهدنة يساعد في لجم إيران عن توجيه ضربة انتقامية لإسرائيل. فوقف النار في غزة يشمل صمت جبهات إسناد غزة التي فتحتها طهران عبر أذرعها. ويصبح السؤال: ألا يفترض أن يشملها أيضاً وقف النار فتؤجّل الثأر؟
“ردع” أميركيّ لإيران… ورسالة عبر 4 وزراء عرب
لكنّ هناك مقاربات أخرى مختلفة عن افتراض الهدنة ومفاعيلها على تأجيل الثأر الإيراني. فمحاولة الوزير عبد اللهيان استدراج البحث مع واشنطن باتّهامها بالمسؤولية عن ضربة القنصلية قوبلت بموقف سلبي. لم يمرّر مسؤولون أميركيون في البنتاغون تكرار عبد اللهيان اتّهام واشنطن دون ردّ. وفي الشكل على الأقلّ حمل مسؤولون أميركيون على قول عبد اللهيان إنّ إسرائيل شنّت هجومها بمقاتلات وأسلحة أميركية. واتّهمت مصادر في البنتاغون إيران بتقويض أمن المنطقة عبر وكلائها، وبدعم هجماتهم ضدّ القوات الأميركية، ولا سيما في البحر الأحمر.
رفعت واشنطن الأربعاء 10 نيسان سقف موقفها الرادع لطهران، بإعلان بايدن في مؤتمر صحافي أنّ إيران “تهدّد بشنّ هجوم كبير على إسرائيل”. أضاف: “كما قلت لنتنياهو، التزامنا بأمن إسرائيل ضدّ هذه التهديدات من إيران ووكلائها ثابت، وسنبذل كلّ ما في وسعنا لحماية أمن إسرائيل”. كرّت سبحة المواقف في الإدارة وسط تسريبات أميركية بأنّ الردّ الإيراني بات وشيكاً. ولفت خبر لـ”يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية بأنّ طهران كانت على وشك شنّ هجوم على إسرائيل أوقفته نتيجة التحذيرات الأميركية.
وكشف مسؤول أميركي للصحيفة أنّ مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك اتّصل بوزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر والعراق. وطلب منهم نقل رسالة إلى عبد اللهيان بأنّ إدارته ملزمة بالدفاع عن إسرائيل، بما فيه قصف أهداف داخل إيران. وأعلنت طهران أول من أمس عن اتصال بين عبد اللهيان ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، “لبحث التطوّرات في غزة”.
اتّصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مؤكّداً الوعد بالدفاع عن إسرائيل. وتحوّل التنسيق العسكري الأميركي الإسرائيلي لمواجهة هجوم إيراني محتمل إلى لقاءات عسكرية علنية.
هل قطعت هذه التطوّرات الطريق على أيّ تفاهم حول ردّ إيران؟ وما هي الحسابات الإيرانية بعدما عاكستها المواقف الأميركية؟
المقاربة الإسرائيليّة: إيران نمر من ورق؟
تصريحات بايدن لم تأتِ من عدم. وحسب مقال في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية نُشر في 4 نيسان فإنّ إسرائيل تتبع “عقيدة الأخطبوط” بالتصدّي لأذرع إيران. وهي بدأت بذلك قبل “طوفان الأقصى” وقتلت مسؤولين إيرانيين في سوريا قبل بدء الحرب، وفي بعض الحالات لم تنتقم. منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي رفعت مستوى استهدافها عبر الضربات التي توجّهها للحزب في لبنان، وللحزب وسائر الميليشيات التي بإمرة “حرس الثورة” في سوريا.
تستند المقاربة الإسرائيلية في هذا التوجّه إلى:
1- دعم الجمهور الإسرائيلي الواسع لهذه السياسة، إضافة إلى مساندة كلّ أطياف المسرح السياسي الإسرائيلي.
2- أنّ المستوى السياسي في إسرائيل يعتبر إيران في موقف ضعيف، لأنّها “لم تقُم بما يكفي للثأر لاغتيال قاسم سليماني”. وأنّها “نمر من ورق” على الرغم من الإقرار بأنّها رفعت درجة التهديدات ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة بعد اغتيال سليماني، ومن الاعتقاد بأنّها عزّزت دورها بعد اصطفافها إلى جانب روسيا في أوكرانيا.
3- اغتيال سليماني لم يردع أو يخفض قدرة طهران على التسبّب بالأضرار في المنطقة.
4- إسرائيل توجّه الضربات لأذرع إيران في سوريا ولبنان بعدما اختبرت محدودية ردّ الحزب وإيران عليها. فالأخيرة لا تريد التصعيد والمواجهة.
5- بإمكان إسرائيل أن تواصل “تخطّي الحدود” من غير أن تقف أميركا في وجهها. بل هي تراهن على أن تساند إدارة بايدن تصدّيها لمجموعات تهدّد أيضاً المصالح الأميركية، وسجلُّ سلوكها يدعم ذلك.
6- الدعم الأميركي السياسي والعسكري لإسرائيل لم يتغيّر على الرغم من عدم ارتياح إدارة بايدن للحملة على غزة. والدعم الدولي والأميركي الراهن فرصة لها كي تواصل ضرباتها لأذرع إيران، بما فيها الحزب.
مقابل المقاربة الإسرائيلية هذه، يرى بعض الخبراء الأميركيين أنّ تل أبيب تلعب بالنار أمام خطر توسيع المواجهات. لا سيما إذا استهانت بقدرة طهران على الردّ عن طريق الأسلحة والإمكانات التي لم يستخدمها الحزب حتى الآن. وإذا فشلت فسينسحب فشلها على أميركا.
وليد شقير - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|