جلسة الإنتخاب الثانية: سباق المعارضة مع الوقت
لم يتح الوقت للمعارضة، الأسبوع الماضي، الاستعداد لتوحيد جهودها للاتفاق على مرشح واحد. الدعوة الثانية تعطي الوقت الكافي للاتصالات، لكن المشكلة ليست في الوقت حكماً.
فيما كانت القوى السياسية مشغولة بمتابعة تداعيات ملف الترسيم وانكشاف حقائقه، جاءت دعوة الرئيس نبيه بري الى جلسة ثانية لانتخاب رئيس جديد، لتعيد التذكير بأن الجلسة ستعقد قبل 17 يوماً من انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، وأن لبنان أصبح قاب قوسين من الفراغ.
حين ختم بري الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية، أكد أنه سيحدّد الدعوة لجلسة ثانية حين يشعر بأن هناك توافقاً بين النواب لانتخاب رئيس جديد. ورغم أن لا وجود للحد الأدنى من التوافق بين المعارضة والموالاة، وبين قوى المعارضة نفسها وقوى الموالاة نفسها، جاءت هذه الدعوة مفاجئة ليست في توقيتها الذي اعترض عليه التيار الوطني الحر لمصادفته ذكرى 13 تشرين الأول، بعدما كان قد حدّد جلسة نيابية كذلك في 14 أيلول، إنما في أساس توجيهها.
وإذا كان رئيس المجلس يحفظ لنفسه حق الدعوة، إلا أنه أعطى الكتل السياسية مهلة إضافية عن تلك التي أعطاها في المرة الأولى، ووضعها أمام سيناريو جديد، تحت سقف تسليم شبه مطلق بأن لا انتخابات رئاسية قبل انتهاء العهد. لكن الكتل إياها تستعدّ لكل الاحتمالات، ما يمكن أن يكون مضمراً، وما يمكن توقّعه، فلا تُفاجأ بأيّ احتمالات سواء في الأسماء أو في شكل الجلسة ونصابها وحضورها.
وفي انتظار جلسة الأسبوع المقبل، يمكن رصد بعض العوامل التي ساهمت في إشاعة أجواء تشجيعية على الانتخابات، منها جولة السفيرة الفرنسية آن غريو على قيادات لبنانية في إطار الحث على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية. وقد فُهمت زيارات غريو كأنها انعكاس لمبادرة ما في هذا الاستحقاق. لكن الدبلوماسية الفرنسية تترجم موقفاً فرنسياً لا يزال على حاله منذ أسابيع، مبنياً على سلسلة من حلقات متشابكة: الانتخابات الرئاسية تساعد على تشجيع الاستقرار الداخلي، الذي يفترض أن يكون مبنيّاً على تعزيز الوضع الاقتصادي، الذي يحتاج بدوره الى دعم مالي خارجي وتحديداً سعودي، والرياض لن توافق حكماً على رئيس من محور معادٍ لها. لكن كل ذلك يبقى في إطار الضغط الدبلوماسي، رغم وجود اتجاه لتحميل الموقف الفرنسي تشجيعاً على اختيار أسماء من سلّة مرشحين توافقيين يمكن البدء بالبحث بها وتجميع التوافق عليها.
إلا أن ذلك لا يتفق مع ما تراه القوى المعارضة في استعدادها للجلسة الثانية. فالقوى الأربع الأساسية، القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب و«تجدد»، متمسكة بمرشحها النائب ميشال معوض، وهي لم تصل الى مرحلة التخلّي عنه مبكراً من أجل الوصول الى مرشح تسوية، علماً أنها بدأت منذ الجلسة الأولى تكثيف اتصالاتها مع النواب السنّة والتغييريين للوصول الى تفاهم على دعم مرشحها، لا الاتفاق على مرشح ثان كما تحاول مجموعة النواب التغييريين الضغط في اتجاهه.
ثمة تعويل على استقطاب أصوات نيابية سنّية من الآن وحتى يحين موعد الجلسة الثانية، وهذا الأمر رهن بنجاح الاتصالات مع قيادات معنية بتصويب معركة الانتخابات الى أكثر من مجرد جلسة انتخابية على غرار الجلسات الروتينية التي كانت تعقد في مرحلة عام 2014 وما تلاه. لكن العقدة الأساسية لا تزال تكمن في نجاح المشاورات مع النواب التغييريين، بعد الفصل المسرحي الذي قاموا به الأسبوع الفائت بترشيح رجل الأعمال سليم إده، رغم رفضه رفضاً باتاً زجّ اسمه في العمل السياسي. فما رشح أن هؤلاء مستمرون في مغامرة وضع أسماء لا توافق عليها الكتل الأخرى، علماً أن الكتل الأربع كانت في اتصالاتها معهم، قبل الاتفاق على اسم معوض، أعطت مجالاً للتوافق على مرشح واحد، لكنّهم أصرّوا على التصرّف أحادياً كما فعلوا في جلسة انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي. وهذا الأمر لا يزال قائماً. وقد كشفت الجلسة الأولى وما تلاها من كلام قيل في محاور نقاش، وضوح اتجاهات بعض النواب التغييريين، وتعبيرهم حقيقة عن تطلّعات متناقضة تماماً في وجهة انتخاب الرئيس وهويته وصفته، وحتى عن التزامات مسبقة لبعضهم حيال قوى سياسية. ما يعني أن لا احتمالات عالية بأن يؤدي تكثيف الاتصالات الى ضم أصوات جديدة كافية لمعوض، ما خلا بضعة أصوات إضافية من النواب السنّة على الأرجح. فيما يبقى «التغييريون» على إصرارهم على استبعاده كمرشح لقوى حزبية. وخشية بعض منتقدي أداء هؤلاء النواب من أن يعمدوا الى طرح أسماء جديدة مع كل جلسة انتخابية، الأمر الذي يضعف موقف المعارضة ككل، ويساهم في إعطاء صورة غير سويّة لها.
أما موقف القوى السياسية الأخرى من الموالاة فهو، حتى الآن، لا يزال يصب في الاتجاه نفسه، في عدم اختيار مرشح واحد لخوض المعركة به، بل تكرار سيناريو تحديد جلسات انتخابية من دون الوصول الى نتيجة تذكر، علماً أن موقف رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل المتمسك بالقاعدة التمثيلية لرئيس الجمهورية يقطع الطريق أمام أي محاولة للتفاهم على مرشحين توافقيين أو اختيار شخصية من حلفاء حزب الله لا تتمتع بصفة تمثيلية. ويقطع الطريق كذلك على كل احتمالات الخروج بتفاهم مبكر على رئيس الجمهورية والتسليم بأن الفراغ آتٍ، ولا سيّما أن ملف الترسيم سيدخل حزب الله في مكان آخر مختلف عن رئاسة الجمهورية.
هيام القصيفي - "الأخبار"
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|