السّنوار مع بايدن أو مع نتنياهو؟
“قولوا لهم، في بيروت كما في غزة، إنّ علاقتنا كإدارة أميركية مع إسرائيل، ليست قطعاً مثل علاقة إيران بهم.
وإذا لم يفهموا هذا الفارق ولم يدركوا الاختلافات المتأتّية عنه، فسيقعون في خطأ كبير لتقديرٍ مشوّه لِما هو الوضع عليه، عندنا وعندهم وعند الإسرائيليين”.
هذه الرسالة غير المباشرة، قالها مسؤول أميركي، لتصل إلى إلى كلّ المعنيّين بحرب غزة، خصوصاً “حماس” و”الحزب”.
وهي تحمل الكثير من المعاني وتستبطن الكثير من الدلالات. والأهمّ أنّها تحمل في طيّاتها سؤالاً آخر أكثر خطورة لجهة ما سيحصل في المقبل من الأيام.
تعيش غزة وفلسطين وجنوب لبنان ولبنان كلّه، على إيقاع تقدّم مفاوضات التبادل في القاهرة أو تعثّرها.
ويجهد الجميع لتبيان تفاصيل المقترح المصري للتسوية بين حكومة الكيان وقيادة “حركة” الداخل.
كلّ هذا ستار على طريقة لاعبي الخفّة وحسب، فيما الحبكة الفعليّة في مكان آخر.
ذلك أنّ مكمن التجاذب الحقيقي والإشكاليات الجدّية هو حول مسائل لم ترِد في المقترح ولم تُبحث في مفاوضات التبادل ولم تتضمّنها أرقام المساومات القائمة، وليس حول أعداد الأسرى ولا أيام الهُدُن المقرّرة.
يشرح الأميركيون لمن يناقشهم في الأمر أنّ للمسألة في حساباتهم روزنامة زمنيّة واضحة. تبدأ عندهم في منتصف آب، موعد مؤتمرَي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لإعلان مرشّحيهما الرئاسيَّين. وبالتالي انطلاق السباق الرئاسي في لفّته الأخيرة.
قبل هذا التاريخ تدخل واشنطن التشريعية في غيبوبة عطلة الصيف في تموز. ومعه تنسحب الغيبوبة على واشنطن التنفيذية.
لذلك المطلوب حسم الأمور قبل ذلك الوقت. والحسم متوقّف على شخصين، على الرغم من كلّ الكلام عن استراتيجيات كبرى وصراعات تاريخية وقضايا مركزية واستدخال الآلهة والسماوات والمقدّسات في زواريب رفح وجباليا.
كيف نُقنع نتنياهو والسّنوار؟
جوهر التفاوض العالق، كما يقول أهل واشنطن المعنيون بالملفّ، هو كيفية إقناع نتنياهو والسنوار بأنّهما سيخرجان منتصرين معاً في “اليوم التالي” لنهاية الحرب. أي كيفية إعطائهما التطمينات والضمانات التي يريانها لازمة وكافية، ليستأنفا حياتَيهما السياسية أو “النضالية”، وكأنّ شيئاً لم يكن. أو كأنّ مرحلة 7 أكتوبر (تشرين الأول)، حتى تاريخ الانتهاء من الحرب، هي هلالان وحسب في مسيرة مستمرّة من نوع “الأعمال كالعادة”.
أي المطلوب خلال أسابيع قليلة، إقناع “داود القرنين العشرين والواحد والعشرين”، بأنّ التسوية المطروحة لن تأخذ به إلى السجن. بل ستسمح له باستئناف حكمه واستمرار سلطته بل حتى استدامة حكومته. وأنّ “اليوم التالي” لن يعني فتح ملفّات تقصيره في 7 أكتوبر ولا إدارته السيّئة والكارثية للحرب ولا مساءلة القضاء الدولي له في جرائم حرب، ولا حتى ملفّات فساده هو وزوجته.
في المقابل، إعطاء السنوار ما يمكّنه من تجنّب سؤال الغزّيين له عمّا أنجز، بحساب أنّ نحو مئة ألف غزّي لن يكونوا قادرين على سماع كلامه، إمّا بسبب جرح عميق، وإمّا بسبب موت أكثر عمقاً، لتعود غزة بعد خسارة هؤلاء إلى استئناف حياتها كما في 6 تشرين الأول، لكن بلا حياة عشرات الآلاف من أبنائها.
يقول الأميركيون إنّ هذا هو محور التفكير الخلفيّ الذي يعملون به، وأساس البحث في القنوات الجانبية للتفاوض والمقترحات المتبادلة.
في هذا السياق بدأت تتبلور صورة مزدوجة كالتالي:
– أوّلاً، اقتراح بأن تعطي الإدارة الأميركية نتنياهو ضمانة بأن يظلّ على رأس حكومته مقابل تخلّيه عن أثقالها الدينية المجنونة. بحيث يخرج منها بن غفير وسموتريتش. ويدخل إليها بدلاء أكثر عقلاً وتعقّلاً.
هكذا تقوم حكومة إسرائيلية، جديدة كليّاً أو بعد تعديل حكومي جزئي، تسمح لنتنياهو بقبول أيّ مقترح للتسوية، مع اطمئنانه إلى استمرار وجوده في السلطة، وبالتالي بقاء حصانته حيال أيّ محاسبة أو مساءلة.
يتوزّع العمل الأميركي لإنضاج هذا النصف من التسوية، بين نتنياهو من جهة، وخصومه المطلوب انضمامهم إليه من جهة أخرى. وهو ما تقدّم خطوات طفيفة بطيئة. لكنّه ليس كافياً بعد لبلوغ الهدف المطلوب.
– ثانياً، اقتراح واشنطن نفسها، بشكل غير مباشر وبواسطة العواصم الوسيطة مع “حماس”، أنّ مصلحة السنوار الشخصية هي في ألّا يكون مسؤولاً عن سلطة غزة في “اليوم التالي” للحرب، وأنّ بقاءه خارج الحكم في الشكل سيكون خطوة خلّاقة وذكيّة وضرورية جداً ليحصد “ثمار” حربه، من دون تحمّل أكلافها وأعبائها.
بحيث تقوم سلطة فلسطينية جديدة، للضفّة والقطاع، تضمّ في صفوفها، من يمثّل السنوار فعلاً، لكن بلا راية حركته شكلاً. تتحمّل تلك التركيبة أعباء إعادة الإعمار وتبعاته. فيما يكمل السنوار مسار تمدّده في المجتمع وهيكليّات السلطة. ليصبح الرجل الأقوى من دون تعرّضه لاستهدافات تلك القوّة وتلك المرحلة المقبلة تحديداً.
ماذا نصحت أميركا السّنوار؟
يصبح السنوار رجل القرار، بدون من يسأله عن إعادة الإعمار ولا عن عائدات الدمار ولا عن جدوى التضحية بخمسة في المئة من شعبه.
حتى إنّ الوصفة الأميركية لرجل الأنفاق الغزّيّة كانت صريحة جداً: انظر ماذا فعل الحزب في لبنان بعد زوال الهيمنة السورية الحليفة على لبنان، وخصوصاً بعد حرب الجنوب.
دخل “شريكاً صامتاً” في تركيبات السلطة. وراح يعزّز قوّته داخل الدولة وخارجها. حتى انتقل من مشاركة بوزير غير حزبي، إلى “ثلث معطّل” مع حلفائه. انتهاء بسيطرته وحده الكاملة على البلد كلّه. من دون أن يتحمّل أيّ مسؤولية عن الانهيار المالي ولا عن إفلاس الدولة ولا عن الفوضى والتسيّب الكاملين.
هو النموذج نفسه ما تقترحه واشنطن على السنوار. بتطمينه عبر منحه فرصة لعب دور الحاكم غير المسؤول. لا بل الآمر غير المنظور.
باختصار يطرح الأميركيون على نتنياهو ما طرحوه بشكل غير مباشر على بشار الأسد، بعد دمار سوريا: تعديل شكليّ في السلطة، بما يوفّر لك ضمانات البقاء، ويمنحنا بعض القدرة على تسويق الأمر الواقع.
يطرحون على السنوار أن يبدأ بوزير مطابق لمواصفات طراد حماده، أوّل وزير غير حزبي يمثّل “الحزب” في حكومة بيروت.
في سياق حجج الإقناع، يقول الأميركيون للجميع، وخصوصاً للحركة: علاقتنا مع نتنياهو ليست مثل علاقة خامنئي مع نصرالله. فنحن لا نمون عليه. وهو لا يأتمر بنا. لذلك ساعدونا عليه، يساعدكم الله!
في النهاية، ووفق المنطق الأميركي، على السنوار أن يختار، وخلال فترة زمنية محدّدة وقصيرة، إمّا أن يكون مع بايدن، وإمّا أن يكون مع نتنياهو.
جان عزيز -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|