أشنع حرب... والصمت مدوٍّ!
رين بريدي – "أخبار اليوم"
حرب ليست كسابقاتها، 234 يومًا وما زالت الوسائل الإعلامية تبثّ أشنع وأعنف المجازر والأحداث الّتي تمّ توثيقها في التاريخ، والّتي تتفاقم يومًا بعد يوم وسط صمتٍ عالميٍ مدوٍّ، كان آخرها "حتّى السّاعة" مجزرة رفح، أو "هولوكوست" جديد إذا صحّ التّعبير.
جرحٌ يستحيل شفاؤه، 45 شهيدًا بينهم أطفالٌ فُصلت رؤوسهم عن أجسادهم، وجُثث متفحمة وأخرى ما زالت تحت الرّكام وفي الطّرقات بحسب تقرير وزارة الصّحة في غزّة.
حربٌ كانت شرارتها الأولى السّابع من أكتوبر 2023 جعلت كل إنسان يترقب ويتابع. مع مرور كلّ يوم يشتدّ القصف، يزداد الألم من المشاهد المُرعبة، ولكنّ أهل غزة، يزدادون إيمانًا وصبرًا، ممتلكين قوّة لا يمكن للعقل البشري تفسيرها أو استيعابها، على الرّغم من الصّمت العالمي المخجل.
مجاعةٌ ودمارٌ، غياب شبه كلّي للماء، الغذاء والدّواء، أمّا عن المساعدات فهي شبه معدومة، ناهيك عن عمليّات جراحيّة بدون تخدير، مجرّد تخيّل هذه المشاهد أمرٌ مرعب، إلّا أنّه واقع الحال عند أهالي غزّة. أمام هذا الواقع أسأل نفسي كلّ صباح كيف يمكن لنا أن نحيا حياةً طبيعية؟ نستيقظ آمنين في غرفنا، نمتلك الماء والطعام، وعائلة صغيرة تحيط بنا! كيف يمكننا أن نحيا حياةً طبيعية ومعناـ على الأرض نفسهاـ تحت السّماء نفسها، يواجه الغزاويون جريمة حرب هي الأشنع تاريخيًّا؟
أتأمل في وجه ابنتي البريء، فتأخذني ذاكرتي مباشرةّ إلى تلك الأم الّتي كانت تحمل صغيرتها وتقول "بدّيش أودّيها على الثّلاجة"، وكيف لأم أن تتحمّل أن يضعوا طفلتها في الثّلاجة بعد أن كانت تستيقظ يوميّا لتتأكّد من أنها دافئة في فراشها؟
أجلس محاولةً أن أفكّر في المستقبل، وما لدي من أمنيات وطموحات، تأخذني ذاكرتي لأمنيات الطّفلة الغزّاوية لونا، الّتي تحلم بهدنة لتتمكّن من العودة إلى بيتها، لتأكل الـ"إندومي"، فأجد كم أصبحت أمنياتنا الكبيرة سخيفة مقارنةً بما يعيشه أولئك الأطفال.
أحزنُ أحيانًا أنّني لم أتمكّن هذه السّنة من السّفر إلى بلدي لبنان، أشتاق لأمّي، وعائلتي، فتأخذني ذاكرتي مباشرةً إلى تلك الطّفلة الّتي عرفت جثة أمّها من شعرها، حينَ قالت "هي إمّي بعرفها من شعراتها"، حينها أخجل من نفسي وحزني الّذي لا يُرى أمام فجعهم؛ لم أتمكّن من رؤية أمّي، ولكني مطمئنة البال أنّها بخير ويمكنني سماع صوتها متى شئت.
لم يعُد ممكنًا أن تعود الحياة كما كانت قبل حرب غزّة، يعلّمنا الغزّاويون يوميًّا بثباتهم أمام مصائبهم أن أبسط الأشياء المحيطة بنا، هي نعمٌ كبيرة، أمّا بالنّسبة لهم فأصبحت أمنية، ورفاهية كبيرة. هم المنكوبون، يعلّمون العالم يوميًّا معنى الصّبر، والمقاومة للحفاظ على الأرض والهويّة. علّمنا أطفال غزّة أننّا العاجزون وأنّهم المقاومون الصّامدون، الّذين لا يحيدون عن ثوابتهم حتّى النّصر، أو الاستشهاد، رغم تخلّي العالم أجمع عنهم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|