أحمد الحريري في صفّ قيادة "حزب الله"
يعتبر اللبنانيون أنّ الواجبات الاجتماعية تتقدّم على العداوات أو الخصومات السياسية، وخاصة في حالات الوفاة، لكن تبقى حالاتٌ عالقة لا تخضع لهذه المعادلة، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بالسياسة في قضايا تحمل أبعاداً وطنية ذات طابع حسّاس، وتصبح فيها الخطوات محسوبة وإذا لم تكن مدروسة، فإنّها تعود بمفاعيل عكسية، تماماً كما حصل بعد مشاركة الأمين العام لـ»تيار المستقبل» أحمد الحريري في تقبّل العزاء بوالدة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله.
وتكمن الإشكالية في أنّ أحمد الحريري يشغل منصب الأمين العام لـ»تيار المستقبل»، وهو يعتبر نفسه من ورثة الحريرية السياسية التي قضى مؤسسها رفيق الحريري بانفجار 14 شباط 2005 ولتخرج المحكمة الدولية الخاصة بإدانة أحد قادة الحزب سليم عياش وأكّدت أنّه قام بها عن سابق الإصرار والتصميم.
منذ اغتيال الحريري نشأ الصراع السياسي على هذه الركيزة، وبنى «تيار المستقبل»، برئيسه سعد الحريري الذي وضع جمهوره واللبنانيين أمام معضلة أسماها «ربط نزاع» مع «حزب الله»، وترك المحكمة الخاصة بوالده تمضي في سبيلها من دون أي متابعة جدية منه في السنوات الأخيرة. ولم تحصل مصالحة بين «تيار المستقبل» و»حزب الله» وجرت الاستعاضة عنها بجلسات «حوار» لم ترقَ إلى مستوى التدرّج في حلّ إشكاليات العلاقة بين الطرفين بما يمثِّلان طائفياً ومذهبياً، وبقيت الأمور معلّقة.
من حيث المبدأ كان يمكن لمشاركة أحمد الحريري أن تمرّ بمنسوبٍ أقلّ من الجدل لو أنّه أوفد ممثلاً عنه إذا أراد أن يقول إنّه في الموقف الإنساني يتعالى على الجراح، بل وكان يمكنه أن يؤدّي واجب العزاء ويمضي في سبيله، لكنّه اختار أقصى يمين الخيارات المتاحة، ووقف في صفّ قيادات «حزب الله» وحركة «أمل» يتلقى التعازي بوالدة السيد نصرالله، وهو بذلك فتح الباب على طوفانٍ من الأسئلة عن المعاني السياسية التي أراد إيصالها.
كان أحمد الحريري يدرك الأبعاد السياسية لصورته في صفّ قيادات «حزب الله» وهو فعل ما فعل عن سبق الإصرار والتصميم، ولهذا بدأت بعض قواعد «تيار المستقبل» تلجأ إلى الخطاب الديني لتبرير خطوة أمينها العام، ولإعلان مساندة «الحزب» في حربه الجنوبية، وهذا ما يكشفه ظهور كوادر تطلق مواد إعلامية دينية عبر مجموعات «المستقبل» وهذه هي بداية التطبيع العملي بين التيار الأزرق و»حزب الله».
يدرك أغلب الرأي العام في لبنان والعالم العربي أنّ «تيار المستقبل» في سنواته الأخيرة ترك قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري بجانبها الواقعي جانباً وطبّع العلاقات مع «حزب الله» في مواطن كثيرة، وإن كان قد احتفظ بشعار «ربط النزاع» ليترك هامش المناورة الانتخابية متاحاً له عند اللزوم.
أظهرت الوقائع أنّ الرئيس سعد الحريري وتياره خسرا أفضليتهما المحلية بشكل متسارع منذ عقد الصفقة الرئاسية مع الجنرال ميشال عون عام 2016 ولتسقط تالياً عنه الرعاية العربية والدولية، فأدرك عدم إمكانية الاستمرار في خوض الانتخابات النيابية، خاصة أنّه خرج بحصادٍ صفري تقريباً في ملفات التنمية والحقوق المستحقة للمناطق السنية في الدولة، مع سلسلة تنازلات أزالت قياداتها من مراكز القرار الدستورية والقضائية والأمنية والعسكرية والإدارية. فاختار الخروج من السياسة وشنّ حرب إلغاءٍ على كلّ من شارك في الانتخابات النيابية الأخيرة تحت شعار فرض المقاطعة لأنّ الحريري علّق عمله السياسي.
وضع الحريري معالم خطه السياسي بمخاصمةٍ عنيفة لـ»القوات اللبنانية» واتهامها بالتحريض عليه عند القيادة السعودية، وبالانتقال إلى المساحة السياسية المضادة للخط الذي كان يمثله تحالف 14 آذار، وإذا تابعنا هذا المسار لوجدنا أنّ من الطبيعي أن يقف أحمد الحريري في صفّ قيادة «حزب الله» متلقياً التعازي بوفاة والدة أمينه العام، لأنّه بهذه الخطوة يكون قد استكمل انتقاله المعنوي، لأنّه يدرك أنّ قدرته الذاتية على الاستمرار باتت شبه معدومة، كما أنّه يراهن على أنّ التسوية المتوقعة بين إيران والسعودية يمكن أن تعيد الحريري إلى موقع القرار في لبنان.
أحمد الأيوبي -نداء الوطن
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|